-محمد ملص-
لا يختلف اثنان في عكار على التخبط الذي يعيشه تيار "المستقبل" في المحافظة التي كان يعدها احدى قلاعه الزرقاء الحصينة، لكنه بات اليوم يخشى من هزيمة حقيقية يُلحقها به ابناء عكار.
منذ بداية الازمة المالية في تيار المستقبل، وما رافقها من تخبط سياسي في كوادر الازرق وشعبيته، بدأ موسم التراجع عند التيار، وهو مشهد ما عاد يخفى على احد، في ظل اعتراف الكثير من المسؤولين المستقبليين، ان هذا التراجع هو الاكبر منذ رحيل الرئيس رفيق الحريري، بعد أن بدأت حالة الضعف تكبر يوماً بعد يوم، في ظل استسلام شبه تام لدى المنتسبين والكوادر، الذين باتوا لا يدرون ما يفعلون، وبالاخص في طرابلس وعكار .
في طرابلس، وبعد انكشاف تورط "المستقبل" في معارك باب التبانة وجبل محسن، بدأ الشارع الطرابلسي يغيِّر آراءه رويدا رويدا، حتى وصلت حالة الاستياء والتململ بين الطرابلسيين من التيار الأزرق الى درجة كبيرة، خاصة بعد موافقة الرئيس سعد الحريري على تغيير وجه المدينة عند ساحة التل الأثرية وتحويلها الى مرآب للسيارات، حينها ثارت ثائرة الطرابلسيين ورفضوا كل العروض التي حاول المستقبل اغراء الشارع بها لتمرير المشروع لكنه لم يفلح، بالاضافة الى الغياب شبه التام عن مختلف النواحي الحياتية داخل طرابلس، وهي حسب أحد المنسقين السابقين في التيار من اوصلت التيار الى هذه الحال وقال: "خسرنا كتير، ويلي بدنا نخسره بعد أكتر".
أما في عكار، فإن غياب "المستقبل" التام دفع العديد من المنتسبين والمتطوعين داخل التيار الى الابتعاد عنه، والبحث عن ملجأ آخر، بعد حالة التخبط التي يعيشها بينه وبين نوابه في عكار، بدءا من استقالة خالد الضاهر، وتغريد معين المرعبي خارج السرب الازرق، وتهجمه على وزير الداخلية نهاد المشنوق في غير مناسبة. وكانت الخاتمة أزمة النفايات، التي قسمت ظهر البعير بين "المستقبل" وجمهوره العكاري. اقترح وزير الداخلية ترحيل نفايات بيروت الى عكار، ظناً منه أن العكاريين لا يرفضون املاءات المستقبل، ويمكن اسكاتهم برشوة 100 مليون دولار تحت مسمى "مشاريع انمائية"، لكن حسابات المشنوق لم تطابق بيادر العكاريين، الذين سارعوا الى مجابهة خطة المستقبل فأطلقوا حملات رافضة لخطة ادخال النفايات الى عكار كـ"حملة عكار منا مزبلة"، و"تجمع شباب عكار"، و"حلوا عن عكار".
المستقبل الى اين في عكار ؟
حراكات الشارع العكاري فاجأت المستقبل، عبر العكاريون بوضوح وصوت عال عن امتعاضهم من تيار الحريري. ورفض رؤساء البلديات الرضوخ الى املاءات التيار، كرئيس بلدية الحاكور الشيخ نعيم مشيلح، الذي أكد في حديث لموقع "العهد"، "وقوفه الى جانب العكاريين الرافضين لنفايات الأغنياء"، وقال "إن أراد نواب المستقبل في عكار التواطؤ على أبنائهم وأهلهم، فلن يفلحوا وسنحاسبهم ولن نرضى أن يبيعوا بيئة عكار وصحة أبنائها برشوة 100 مليون دولار، واذا كانوا هم يباعون ويشترون فأبناء عكار ليسوا كذلك. بدوره اشار رئيس بلدية منيارة طوني عبود، الى أن بلديات عكار تتعرض لضغوط سياسية كبيرة مقابل الرضوخ والقبول بنقل النفايات الى عكار، وهذا لن يحصل، ولن نقبل ببيع صحتنا واهلنا وارضنا مقابل رشوة " اذا قسمت على ابناء عكار تعطي الفرد منهم 100 دولار" وطالب الحكومة بالعمل على إنشاء معمل لفرز نفايات عكار التي تصل الى 400 طن يومياً، بدل القائها في المكبات العشوائية .
على الرغم من أن موقف عدد من رؤساء البلديات في عكار متضامن مع الحراك الشعبي، الا أن اخرين رضخوا لخطة المستقبل، لكن موقف هؤلاء نابع فقط من انتسابهم السياسي دون العودة الى اراء الشارع الرافض تماما لدخول أي كيس واحد من النفايات، كما يشير احد أعضاء تجمع شباب عكار الناشط عاصم البعريني. يقول البعريني للعهد: " أن كل من غدر بعكار سيخسر، واولهم تيار المستقبل الذي طالما تناسى هؤلاء، وتذكرهم بنفايات بيروت فقط"، واضاف البعريني "لا يمكن ان يعود أبناء عكار الى الماضي، داعياً اياهم الى الاستمرار في حراكهم المطلبي الرافض لقرار الحكومة ومن خلفها تيار المستقبل" . فيما يشير أحد اعضاء "حراس عكار"، وهي مجموعة من الشباب مهمتها مراقبة اي شاحنة نفايات تدخل الى المحافظة والعمل على منعها، انه لا يمكن السماح لكائن من كان ان يساوم ابناء عكار على حقوقهم وهم لن يرضخوا لاحد بعد اليوم .
من الواضح أن الخطة التي وضعها "المستقبل" للخروج من تورطه في ازمة نفايات بيروت، كونه الراعي الرسمي لشركة سوكلين، وضعته أمام ازمة جديدة تضاف الى ازماته الكثيرة، بعد فشله في تمرير التسوية التي تقضي باستقبال عكار لنفايات بيروت مقابل 100 مليون دولار، وهو الذي خطّط وقرر أن تكون المحافظة الافقر مطمرا لازماته، فادخلته ازمة ستكون القاضية عليه ان استمر في تعنته بادخال النفايات إليها، لما تمثل عكار في التوازنات السياسية وكونها هي الرافعة الابرز لتيار المستقبل ـ التي وإن سقطت ستؤدي حتما الى خسارة له هي الاقسى.