ساهم النظام الليبي بقيادة العقيد معمر القذافي، بعد حكم دام أكثر من أربعين عاماً، الى إحداث الرعب في نفوس الناس لما مارسه من استبداد وعنجهية تحكّمت في سلوكه، ونمط حياة غريب من "راهبات الثورة" الى "الخيمة"... وكان انهياره في العام 2011 مع بداية ما سمي ب"الربيع العربي" خراباً وفوضى بتفشي العنف، الإرهاب والإنقسامات القبلية، فماتت الجماهيرية و"ثورة الفاتح" آخذة معها هياكل النظام وشبه الدولة.
وفي التاريخ اللبناني الحديث، عرفت الحرب الأهلية عمليات خطف وتصفيات كإحدى أبشع أنواع الإنقسام السياسي- المجتمعي على قاعدة الإختلاف الطائفي، وساهم التدخل الخارجي في تسعير العنف حيث ما زال ملف المفقودين في السجون السورية لغزاً وحقيقة ضائعة. وتبقى القضية الأبرز لبنانياً والمعطوفة على النظام الليبي السابق هي عملية الخطف المنظّمة والغامضة للإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في العام 1978 بعد دعوة رسمية.
سنوات طويلة مرت والدولة اللبنانية تطالب بمعرفة مصير الإمام ورفيقيه الذي جسّد قضية مركزية لحركة "أمل"، الا أن التطورات الليبية بعد العام 2011 بقتل العقيد القذافي قد طوت مجددًا مؤشرات المعرفة في القضية، ليتحول خطف نجله هنيبعل في بعلبك قبل أيام الى جرح نازف. وفي حين، اقتصر عمر القذافي الابن على ثلاث سنوات يومها الى إنه يحمل إرثاً ثقيلاً لأن والده الراحل يتحمّل مسؤولية عما حصل، باعتبار "إن الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون".
أما استدعاء النائب السابق حسن يعقوب من فرع المعلومات على خلفية الإختطاف المذكورة يجب أن يفتح القضية الأساس لمعرفة اختفاء الإمام ورفيقيه، فإما سجناء يجب أن يخرجوا الى الحرية وإما شهداء يجب أن تعود جثامينهم الى أرض الوطن، فبالتكريم تُشفى الجراح وينتهي الحقد وتُطوى صفحة مأزومة في العلاقات بين البلدين.