أمين محمد حطيط -
تكاد تختلط الأمور وتثور الشبهة لدى من يتابع المواقف الغربية أو لنقل أكثر دقة مواقف مكونات العدوان على سورية، مواقفهم من الموقف الروسي المجاهر به مؤخرا بصدد سورية، حيث نجد من ناحية صخبا وصراخا رافضا لهذا "التدخل" من جهة، ومن جهة أخرى نقف على ما يطلقه البعض من أقاويل يكاد الواحد معها يظن أن روسيا تعمل بتنسيق لا بل بأملاء من الفريق الأخر وتضبط حركتها بما يوافق مصالحه وخدمة له، فاين الحقيقة بين الأمرين.
نبدأ بالموقف الروسي ، و فيه كما بات معلوما و مجاهرا به ، و منفذا تحت سمع أجهزة المراقبة و الاستطلاع الأميركية ، فيه أن روسيا قررت تفعيل دعمها العسكري لسورية عملا بالعقود التي تربط الحكومتين منذ سنوات ، يضاف الهيا قرار برفع مستوى الدعم العسكري إلى حد أرسال قوى عسكرية قتالية جوية و برية فضلا عن الأسطول الروسي في المتوسط و قاعدته في طرطوس ، لتكون كلها في خدمة القرار الروسي بالحرب على الإرهاب و المنظمات الإرهابية المنتشرة في سورية دون تمييز بين إرهابي معتدل أو إرهابي متطرف تمييز على الطريقة الأميركية المضللة .
أما الموقف الغربي ففيه أولا "لوم لروسيا " بما يشبه الرفض التام لقرارها لأنه بفهمهم ومنطقهم المعادي للمنطق أصلا، "يعقد المسألة السورية ويؤخر حلها ويزيد من القتل والدمار في سورية ". ثم كان قلق من الموقف الروسي أيضا لأنه سيمكن المقاومة التي يقودها حزب الله من الوصول إلى سلاح يمكن استعماله ضد إسرائيل، وبعدها كان التشكيك بقدرة روسيا على محاربة الإرهاب دون التنسيق مع أميركا كما عرضت الأخيرة يوما على روسيا التي رفضت متمسكة بالشرعية بالدولية الحقيقية التي مؤداها ألا يكون تدخل عسكري في بلد مستقل ألا من أحد بابين أما قرار من الأمم المتحدة تحت الفصل السابع أو بناء لطلب من الدولة ذاتها وفقا للقانون الدولي.
بعد هذه المواقف الغربية السلبية من المساعدة العسكرية الروسية العلنية لسورية هبت موجة معاكسة أثارها الأعلام حتى و بعض الساسة المنتمين لمكونات العدوان على سورية من قبيل القول بان "روسيا ستكون جزءا من غرفة عمليات غربية مشتركة تعمل ضد داعش حصرا " دون التطلع إلى قتال المنظمات الأخرى كونها تصنف ضمن المعارضة المسلحة المعتدلة التي سيكون لها دور مؤكد في الحل القادم للازمة السورية ، ثم كان ما رشح من مواقف إسرائيلية بعد زيارة نتنياهو إلى موسكو حيث زعمت إسرائيل بانه حصل اتفاق بين روسيا و إسرائيل للتنسيق العسكري بين قوى البلدين في الأجواء السورية بما لا يمس "حرية حركة إسرائيل في تلك الأجواء "، ثم كان الادعاء الإسرائيلي بان روسيا تعهدت لإسرائيل بمنع أي عمل في الجبهة الشمالية انطلاقا من الجولان ، و أن "وجودها في سورية هو لقتال الإرهاب و ليس لتشجيعه " إلى أن وصلت إلى حد الادعاء بان روسيا "ستخرج حزب الله من سورية " بمجرد حلول قواتها هناك باعتبار أن روسيا لن تعمل مع منظمة إرهابية في ميدان واحد و بشكل متكامل بزعمهم .
أن قراءة المواقف المتناقضة تلك لا يشير ألا امر واحد هو ارتباك غربي وتضعضع بسبب المتغير الذي أحدثه الموقف الروسي من سورية، وهو موقف في عمقه يقود إلى ما يلي:
1) قيام جبهة دولية إقليمية فاعلة من شأنها محاربة الإرهاب بشكل جدي وقطع الطريق على المناورة الغربية الاستعراضية التي تدعي محاربة الإرهاب في الوقت الذي تستثمر فيه. وأن الجبهة الجديدة تضم إلى محور المقاومة بمكوناته الثلاثة (إيران وسورية وحزب الله) روسيا وإلى حد بعيد العراق. كما انه منفتح لاستيعاب مكونات إقليمية ودولية جديدة، جبهة من شأنها أن تقيم التوزان الاستراتيجي في المنطقة مع ارجحيه لها على جبهة العدوان على سورية.
2) قيام واقع سياسي جديد في سورية وحولها، يكون فيه الحديث عن شروط غربية تتصل بموقع الرئيس السوري لأطلاق العملية السياسية نوع من الهراء والسخف. ولهذا أطلق ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ولأول مرة منذ الأزمة قولا مفيدا يقول فيه " أن مصير الأسد يقرره الشعب السوري حصرا " وتبعه في ذلك مسؤولون غربيون من أكثر من دولة حيث صرحوا بمرارة قائلين: " أن اشتراط تنحي الأسد لأطلاق العملية السياسة هو امر هراء وغير واقعي ".
3) قيام واقع عسكري ميداني على الساحة السورية اتصالا بالساحة العرقية، مشهد فيه تفعيل للقدرات العسكرية المخصصة لمحاربة الإرهاب بشكل جدي محاربة تقودها حكومة الرئيس الأسد في سورية وحكومة العبادي في العراق، في مشهد ينبئ بان الاستثمار الغربي بالإرهاب سينحسر مع تقدم القوى المناهضة له.
لهذا انتجت هذه المستجدات والحقائق هذا القلق لدى أميركا وحلفائها، فكان الرد منهم كما يبدو مزيجا من المواقف المتناقضة التي يعبر بعضها عن حقيقة الشعور الرافض للمساعدة العسكرية الروسية لسورية، والممانع لأي تنسيق ميداني أو تكامل بات قائما اليوم بين روسيا ومكونات محور المقاومة بما فيها إيران وحزب الله، أما بعضها الأخر فيندرج تحت عنوان الحرب النفسية والتضليل الإعلامي والسياسي للتشويش على المشهد المستجد وزرع الشقاق بين مكونات الجبهة الجديدة المكافحة للإرهاب حتى لا تتمكن هذه الجبهة من النجاح في مهمتها الكبرى.
لكننا نرى ورغم الصخب والمناورات الغربية بان المتغيرات الدولية الجديدة باتت في تأثيرها ومفاعيلها أكبر من أن تستطيع القوى المناهضة للحق والأمن والسلام، أن توقف مفاعيلها وبات على هؤلاء أن يعلموا أن حل أزمه سورية وتاليا أزمات المنطقة بات اليوم أقرب من أي وقت مضى، حل يحترم إرادة الشعوب وسيادتها، ويضع حدا للإرهاب والتطرف الديني، ويعيد للمنطقة امنها واستقرارها تحفظه قوة ذاتية وتحالفية لا يكون لأميركا واتباعها سيطرة أو نفوذ عليها