دوللي بشعلاني -
من المستغرب أن يأتي مسؤولون دوليون الى لبنان لدعمه في محاربة «داعش» مثل وزير خارجية بريطانيا دايفيد كاميرون الذي زارنا منذ أيام، أو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي يُتوقّع وصوله في أواخر أيلول الجاري وسط أحاديث عن إمكانية تأجيل موعد هذه الزيارة، كما لتشجيعه على تحمّل أعباء النزوح السوري ريثما يجري إيجاد حلّ نهائي للأزمة السورية، وتجنّباً لعدم توجّه المزيد من النازحين الى دول أوروبا بدلاً من مساعدته على حلّ هذه المسألة التي باتت تُهدّد كيان هذا البلد.
فالدعم المتواصل للبنان لمحاربة الإرهاب وكأنّه «ليس في الميدان إلاّ حديدان»، يثير دهشة أوساط سياسية متابعة، لأنّه لا يتناسب مع الخطط التي تضعها دول التحالف للقضاء على هذا التنظيم جوّاً أو برّاً (في وقت لاحق)، لا سيما إذا ما تمّت مقارنة إمكانات هذا البلد العسكرية والأمنية بالدول المنضوية في التحالف. كما أنّ المساعدات التي قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية للجيش اللبناني لا تُعتبر كافية لشنّ المعارك والاستمرار في المواجهات مع الإرهابيين، في الوقت الذي لم تحصل فيه المؤسسة العسكرية بعد على هبة الثلاثة مليارات دولار التي أقرّتها السعودية منذ العام الفائت، والتي يُفترض أن تدفعها لفرنسا مقابل تزويدها بمعدات حديثة تُساعد عناصر الجيش على تحقيق الانتصار في المعارك والحفاظ على سلامتهم.
علماً أنّ كلّ المساعدات العسكرية التي تلقّاها الجيش اللبناني من الولايات المتحدة، والتي وعدته السعودية بتزويده بها من فرنسا، تبقى غير كافية بالمقارنة مع المعدّات العسكرية التي تتوافر بأيدي التنظيمات من «داعش» و«جبهة النصرة» وسواهما. ولهذا على لبنان عدم زجّ نفسه مجدّداً في مواجهتها ومحاربتها دفاعاً عن الدول الأخرى، بل إنهاء وجودها على حدوده لا سيما في جرود عرسال وإرجاعها الى الوراء، ولتعمل الدول الغربية عندها بالقضاء على عناصرها بأي طريقة كانت.
وتشير الاوساط السياسية المتابعة الى أنّ هذه الدول «المتدخّلة» والتي تريد استخدام لبنان وجيشه كمنصّة لصدّ المزيد من النازحين السوريين عن اقتحام أراضيها عنوةَ، لا سيما أنّ من بينهم نسبة لا بأس بها من التكفيريين المتسلّلين اليها، لم تأخذ بالإعتبار أنّ عناصر «حزب الله» هم الذين يقاومون أيضاً هؤلاء الإرهابيين على الحدود اللبنانية- السورية، ويساندون بهذه المهمة الجيش اللبناني الذي لا يزال يفتقر الى الكثير من المعدات اللازمة لحماية عناصره.
كذلك لأنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري مصرّ على محاربة «داعش» وإيجاد حلّ سياسي في سوريا، على ما أضافت الأوساط نفسها، فإنّ هذا يعني أنّ الإدارة الأميركية تسعى لتفعيل عمل التحالف الدولي ووضع المزيد من الخطط والآليات، الأمر الذي لا يستدعي كلّ هذا الدعم للبنان لكي يكون هو دون سواه من دول منطقة الشرق الأوسط في مواجهة التنظيمات التكفيرية. ولهذا على زوّار لبنان أن يضعوا في الإعتبار مصالحهم جانباً، ويساهموا فعلاً في مساعدته ليس فقط على تحمّل أعباء استضافة مليون ونصف مليون نازح سوري، بل على إعادة هؤلاء الى المناطق الآمنة في بلادهم، ما يُثنيهم عن خوض غمار الهجرة غير الشرعية الى دول أوروبا، وكلّ ما يتأتّى عنها من تداعيات خطرة.
وما دامت موسكو تواصل بالتالي دعمها لنظام الرئيس السوري بشّار الأسد من خلال تقديم معدّات عسكرية وفنية له من جهة، وتستمر الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة مثل السعودية وقطر من جهة ثانية، بتغذية التنظيمات الإرهابية، فكيف سيربح التحالف الدولي على «داعش» ويقضي عليه نهائياً، على ما تساءلت الأوساط ذاتها، مشكّكة في نوايا الأسرة الدولية. وأكّدت أنّه لو أرادت فعلاً التخلّص من «داعش» وأخواته لفعلت ذلك منذ زمن، إلاّ أنّ خلق هذه التنظيمات لا يزال يخدم مخططها في المنطقة ألا وهو «تحجيم نظام الأسد» لكي تتمكّن من الحصول على كلّ ما تريده منه خلال المفاوضات التي تنادي وتحضّر لها روسيا.
وإذا كانت الدول الغربية بحسب الاوساط السياسية نفسها لا تزال تتدخّل في تأجيج الصراع في سوريا، فلماذا يتمّ إقحام لبنان وتشجيعه على محاربة التنظيمات التكفيرية، في الوقت الذي تسعى فيه هذه الدول الى اطالة أمد الأزمة وليس العكس، لأنّها لا تلبث أن تُعلن شيئاً وتقوم بشيء آخر على الأرض، ما يُبطىء إيجاد الحلول المناسبة لجميع الأطراف المعنية بهذه الأزمة.
في المقابل، تؤكّد الأوساط السياسية أنّ تشجيع لبنان على انتخاب رئيس أو على إجراء انتخابات نيابية توصل ممثلي الشعب الفعليين الى الندوة البرلمانية، لا يدخل ضمن حسابات الأوروبيين، لأنّها، على ما يبدو، لا تُقدّم أو تؤخّر شيئاً فيها، خلافاً لمسألة النزوح السوري التي باتت تُهدّد دول الإتحاد الأوروبي رغم محاولتها إظهار سيطرتها على الوضع، وللتهديدات الصادرة عن التنظيمات الارهابية المتواصلة لدول المنطقة والعالم.
كما أنّ الحكومة الحالية التي تنتظر إيجاد الحلول لأزمات المنطقة قبل أن تجد هي بنفسها حلولاً لمشاكلها العالقة والتي تعيق الحركة الاقتصادية والسياحية والمعيشية في البلاد، لا بدّ أن تتحرّك بنفسها من دون تدخّلات أو ضغوطات دولية لإنقاذ نفسها من التحوّلات التي تطرأ حالياً على دول المنطقة انطلاقاً من سياسة تحييد نفسها عن الصراعات العربية- العربية التي تطفو على الساحة العربية ووصلت الى حدّ تعطيل إنشاء القوة العربية المشتركة التي من شأنها الدفاع عن الدول العربية من الأخطار الكثيرة التي تتعرّض لها.