لينا فخر الدين-
مات أسامة منصور وفرّ شادي المولوي إلى مكانٍ مجهول، لتنعم طرابلس باستقرار كانت فقدته خلال وجود الرجلين في أحيائها. ومع ذك فإنّ شهود العيان والمشاركين في تفجير الوضع الأمني آنذاك، ما زالوا على قيد الحياة، ليرووا كيف كان منصور والمولوي يعملان على استهداف الجيش وقتل المدنيين الأبرياء.
الموقوف محمّد العتري أحد عناصر مجموعة «أبو عمر» التي انضوى فيها بعد عودته من القتال في سوريا، وتحديداً في النبك إلى جانب «كتائب الفاروق». وما إن تعرّف على منصور حتى أُعجب الشاب بأفكاره وأخذ يتقرّب منه ويتابع لديه دروساً في العقيدة وتدريبات على الفنون القتاليّة مع أشخاص آخرين ضمن المجموعة، وفق ما يشير العتري في إفادته الأوليّة.
وبعد تنفيذ الخطّة الأمنيّة في طرابلس، استمرّ «أبو عائشة» بالتردّد على منصور الذي كان قد اتّخذ قراره: «ضرب حواجز الجيش الكافر ودوريّاته» من أجل خلق حالة من الإرباك وزعزعة ثقة النّاس بالخطّة الأمنيّة. ولذلك، حضّر الأخير عدداً من العبوات النّاسفة من خلال حشو عبوات الغاز الخاصة بالمكيفات بمواد متفجّرة.
وسرعان ما دخلت خطّة «أبو عمر» حيّز التنفيذ بعد أن أعطى العتري عبوة ناسفة وسلّمه دراجته النارية، طالباً منه أن يقودها ليصعد ابراهيم العبدالله الملقّب بـ «أبو خليل المقلعط» خلفه ويضعا العبوة النّاسفة في شارع المئتين.
وبعد أيّام قليلة، كان «أبو خليل المقلعط» ومعه شادي المولوي يضعان عبوة ناسفة أخرى، بتكليفٍ من منصور، قرب آلية للجيش في شارع محرّم في محلّة باب الرّمل.
أمّا الضّربة الأكبر فقد حضّر لها «أبو عمر» خلال عيد الفطر حينما عمد ومجموعته إلى استطلاع طلعة جسر الخناق في باب الرمل. هدف منصور كان ممراً ضيّقاً لآليات الجيش التي تجوب المكان، ملاحظاً وجود سيارتين متوقفتين بشكلٍ دائم هناك، إحداهما سيارة «رابيد».
وبعد أربعة أيّام، أبلغ منصور العتري بأن يوافيه إلى «مسجد عبدالله بن مسعود»، حيث سلّمه عبوة ناسفة تزن بين 5 إلى 7 كلغ موضوعة داخل مزهريّة، طالباً منه ومن أيمن مراد أن يزرعاها تحت سيارة «رابيد» ووضع فوقها كومة من الأعشاب والأكياس للتمويه.
وهكذا حصل، قام العتري ليلاً بزرع العبوة فيما تولّى مراد مراقبة المكان أثناء العمليّة.
وبعد ثلاثة أيّام، أي في 6 آب 2014، عاد مراد إلى المنطقة. احتسى القهوة على إحدى البسطات القريبة من مكان العبوة لتمكّنه من مشاهدة الطرق والآليات المارة. ولمّا شاهد دوريّة تابعة لفوج التدخّل تقترب من سيارة «رابيد» ترك البسطة وعاد أمتاراً إلى الوراء، قبل أن يقوم بالضّغط على الزر الموجود على جهاز التحكّم. حينها، مرّت الآلية بسلام من دون أن تستطيع مجموعة منصور استهدافها، فيما استشهد المواطن عصام الشّعار وجُرح آخرون.
كما سلّم منصور إلى العتري كرتونة بداخلها عبوة ناسفة لوضعها بالقرب من النفايات وتحت شجرة لتفجيرها عند مرور آلية للجيش في شارع المئتين، إلا أنّ امرأة شكّت بتحّرك رجلين (العتري وأبو خليل) على متن دراجة ناريّة فأبلغت القوى الأمنية التي ضبطت العبوة قبل انفجارها.
ومع ذلك، لم يكتف «أبو عمر»، بل أبقى على برنامج عمله الهادف إلى المزيد من القتل والتخريب. وأثناء اندلاع معارك عرسال، قرّر فتح جبهة في طرابلس وضرب مراكز الجيش لتخفيف الضّغط عن المسلحين في عرسال.
ولهذه الغاية، يقرّ العتري أنّ المولوي ومنصور وشقيقه أمير و «خليل المقلعط» وربيع فاطمة و«أبو بكر» و «أبو العيسى»، شاركوا بالهجوم على مراكز الجيش عند دوّار أبو علي. وقام المولوي برمي عبوة ناسفة في مقبرة باب الرمل لإرهاب دوريّات الجيش.
إلا أنّ صديق أسامة منذ أيّام الدراسة تراجع عن كامل إفادته الأوليّة أثناء استجوابه، أمس، من قبل رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم، مشيراً إلى أنّه لم يضع أي عبوة في أي مكان.
وعن بصماته التي رُفعت عن الكرتونة التي وُضعت بداخلها عبوة ناسفة، أشار العتري إلى أنّه أتى بها لأسامة منصور فارغة ظنّاً منه أنه سيستخدمها لنقل أمتعته على اعتبار أنّه كان يريد أن يترك المنزل حيث يقطن. فيما أكّد أيمن مراد أنّه لا يعرف أسامة منصور ولم يقم بتفجير العبوة عند طلعة الخناق، معتبراً أنّ إفادته صيغت قبل إلقاء القبض عليه وذلك لأنّه رفض أن يسلّم العتري إلى «فرع المعلومات» بحسب ما طلب منه، ومؤكّداً أنّه تعرّض للضرب داخل وزارة الدّفاع لقول هذه الأمور.
وبرغم ذلك، كان العتري في استجوابه السّابق أمام المحكمة نفسها قد أشار إلى أنّ مراد هو من ركب خلفه على الدراجة ونقل المزهرية التي تحتوي على عبوة ناسفة إلى طلعة الخناق وفجّرها!
أمّا أمير منصور الذي استُجوب بأكثر من ملف، فقد تحدّث عن «خلافنا (الأشقاء) الفكري مع شقيقي أسامة. أنا كنت ضدّه حينما كان يقاتل على خطّ باب التبانة وجبل محسن، وكنت ضدّه حينما كان يستهدف الجيش، وكان ذلك على مرأى النّاس وفي الشّارع. فكيف أشاركه بوضع عبوات ناسفة؟».
كما نفى العتري أي علاقة لأمير منصور بشقيقه أسامة، مشيراً إلى أنّه كان يشاهده في «مسجد عبدالله بن مسعود» أحياناً يصلي ثم يغادر.
وبعد استجواب المدّعى عليهم الثلاثة في أكثر من ملفّ، تمّ إرجاء الجلسات إلى موعد آخر ليتمّ الاستماع إلى إفادة الشاهدين الموقوفين «أبو خليل المقلعط» والجندي المنشقّ عمر شميطة.
http://assafir.com/Article/1/482282