Quantcast
Channel: tayyar.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 175550

كلام صريح من باب المسؤولية وليس السلبية!

$
0
0


المهندس جان أبي جودة -

صحيح أن أزمة النفايات التي يعاني منها لبنان منذ الصيف الفائت كارثة وطنية بالمعنى البيئي والصحي، لكنها في الوقت نفسه فضيحة كبرى بالمعنى السياسي.

وإذا كانت إزالة النفايات من الشوارع هدفاً مهماً وضرورياً، إلا أنها في نهاية المطاف شأن آني، لتبقى الغاية الأسمى معالجة الثغرات الكبيرة في النظام السياسي، وفي الممارسة الشعبية للديموقراطية، التي تفسح في المجال في شكل مستمر لعشرات الأزمات الشبيهة.

وللتأكيد على دقة ما نقول، نسأل: لماذا تأخر حل الأزمة كل تلك الأشهر؟ هل كانت العلة نقصاً في المقترحات التقنية للعلاج؟ إذا كان الجواب نعم، فهو مرفوض، ذلك أن الطروحات المقدمة في هذا الإطار تكاد لا تحصى أو تعد. أما إذا كانت الإجابة لا، ففي الأمر من الخطورة ما يحتم طرح أسئلة وجودية وميثاقية ودستورية، ولو من باب النفايات...

فجوهر المشكلة في أزمة النفايات بحسب رأينا، ليس تقنياً، بل سياسي، ومحوره عدم قدرة النظام السياسي الراهن على إنتاج أي قرار حاسم، وإحجام الشعب عن أي موقف، كما في انتخاب الرئيس وإقرار قانون الانتخاب وإتمام التعيينات الإدارية وغيرها، كذلك في قضية النفايات.

فلو كنا في وضع طبيعي، لكانت أزمة النفايات أوكلت إلى لجنة من الأخصائيين، من مهندسين وعلماء بيئيين وأطباء، كلفت بإعداد مشروع حل بالاستناد إلى خبرات دولية في هذا المجال، ولكانت الحكومة التزمت تطبيق الحل كما هو، ولكان الشعب عيناً ساهرة على التطبيق، جاهزاً للمحاسبة في الشارع، باستحقاق أو من دون.

لكن، بما أننا في وضع غير طبيعي، صار كل فرد من أفراد الشعب، وكل سياسي من السياسيين، خبيراً يفقه بالبيئة وينظِّرُ في شؤون الصحة، بحيث بات المشهد العام مقسوماً بين ثلاث جهات:


أولاً... غالبية الطبقة السياسية ومن يمثلها من وزراء ونواب ورؤساء كتل وأحزاب: هذه الفئة لم تقم بشيء منذ بدء الأزمة إلا الدوران في حلقات مفرغة من انعدام المسؤولية، على وقع تصريحات طنانة ورنانة، حتى باتت غالبية الناس على إدراك بأنها لن توافق على أي حل ما دامت مصالحها المادية المباشرة غير مؤمنة.

ثانياً... أقلية شعبية ممثلة بجملة حملات وحركات متضاربة في ما بينها، بعضها محق في العناوين، لكن جميعها مخطئ في الأسلوب، بلوغاً إلى قطع الطرق على الناس، في ممارسة الغوغائية والفوضوية أقل ما توصف به، إذ لا ينقص اللبنانيين مشكلات وعراقيل، حتى تضاف إليها مواويل يصر البعض على تأديتها في شكل دائم، ولو بأصوات نشاز.

ثالثاً... أكثرية شعبية صامتة، تتفرج على مشاهد النفايات وتكتفي بالتصوير والتعليق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن تمارس دورها من ضمن المؤسسات، والأرجح أنها ستيعد الطبقة البلدية والاختيارية إلى مكانها في الاستحقاق المقبل إذا تم، في مؤشر إلى ما ستكرره في أي استحقاق نيابي مقبل.

وهكذا، بات حل أزمة النفايات رهينة أشخاص لا علاقة تقنية لهم بالموضوع، بل يمثلون أطرافاً لها في أكثرها مصالحها الداخلية وارتباطاتها الخارجية، التي كادت بنتيجتها أن توقعنا في المحظور لو تمكنت من السير بحل الترحيل مثلاً، الذي تبين أنه أكذوبة العصر، وخدعة الخدع...

لا نقول هذا الكلام من باب السلبية، بل من باب المسؤولية. المسؤولية التي يتحملها كل فرد من أفراد الشعب اللبناني، الذي يصمت إزاء أزمة تمس بصحته وبيئته ووجوده وحياته، والذي إذا تحرك يتحرك في المكان الخطأ.

لقد حان الوقت ليخرج شعبنا من الشرنقة، فيعمم مبدأ المحاسبة والمسائلة من أصغر مختار إلى أكبر رئيس، فهكذا وهكذا فقط تنشأ الأوطان وتبقى المؤسسات وتستمر الشعوب.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 175550

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>