سامي أبو فيصل -
ما كان يحكى همساً حول مشاريع التقسيم في المنطقة، أصبح متداولاً بالوضوح وبالعلن. ولا يكفي إعراب البعض عن التمنيات بعدم حدوث التقسيم كي لا يحدث فعلا، فإن "التقسيم" الفعلي لأي وحدة جغرافية لن يصدر بمرسوم أو بقرار، بل إن سياسات الأمر الواقع هي التي تفرض نفسها في مثل هذه الحالات، ويترك لعامل الزمن أن يفعل فعله في تكريس الواقع المستجد.
فالنوايا السعودية بتشكيل تحالف عسكري للدخول البري في سوريا بالاشتراك مع قوات عربية- إسلامية بحجة محاربة الإرهاب في سوريا، لابد من إثارة عشرات الأسئلة والاستنتاجات لهذه المفاجأة التي فجرتها السعودية اليوم خاصة بعد نجاح الضربات الجوية الروسية والحد من توسع الفكر التكفيري في المنطقة ، ونجاح الجيشين السوري والعراقي باستعادة زمام المبادرة في أكثر من منطقة استراتيجية، ويبقى السؤال الأهم ماذا عن محادثات جنيف ... وهل حُكم عليها بالفشل؟؟؟ ، وهل المبادرة الروسية أُصيبت بنكسة واغلق الباب أمام الحل السياسي في سوريا يرضي جميع أطياف الشعب السوري، الذي طالما كثر الحديث عنه ، والسؤال الأصعب في هذه اللعبة، من هي المنظمات الإرهابية التي تدور في مخيلة التحالف السعودي -الإسلامي الجديد وهل سيكون حزب الله من بين الأهداف وتحت مرمى نيران الخطر؟....
في وقت يجمع فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما حقائبه ليغادر مركز القرار ، يبقى منافسان يتصدران المشهد السوري في ظل فشل الإدارة الأمريكية الحالية ، وهما السعودية التي تحشد حلفاءها وروسيا المتحالفة مع الشرعية في سوريا وإيران ، وإذا دخل التحالف السعودي العربي- الاسلامي على الخط العسكري المباشرفي سوريا عندها ستُفشل روسيا كل المساعي الدبلوماسية حتماً، وخاصة بعد أن أعفت روسيا إيران من الملف السوري السياسي وهذا واضح من الغياب الايراني عن المشهد السياسي وليس العسكري ، في هذه الحالة تكون السعودية التي ستقود التحالف قد وضعت نفسها رأس حربة في مواجهة روسيا والنظام في سوريا وحزب الله ، وبالرغم من ذلك كله ، الظاهر أن الاستراتيجية السعودية تُبنى ليس فقط على أن لا تكون الخاسر الأكبر في هذه المواجهة المباشرة، بل تريد إيقاف الخسائر التي تُمنى بها الفصائل المدعومة منها ومن بعض دول الخليخ ، وهذا ما كان قد بشّرهم به الوزير كيري وإعطائهم مهلة ثلاث أشهر لاعلان هزيمتهم ، وهذا ما عجّل بحزم الأمتعة والتوجه لمساندة الحلفاء بعاصفة جديدة من "الحزم"، وقد نرى في الأيام المقبلة عاصفة "حزم" أخرى في سوريا مشابهة لسيناريو اليمن.
بالمحصلة لا بد من القول إن السعودية تُدخل المنطقة في مغامرة جديدة عنونانها أن لا حلاً سياسياً في سوريا ، ولهذا استبقت السعودية الحديث عن فشل مؤتمر جنيف الذي عُقد مؤخراً باعترافها أنها لن توقف الدعم العسكري الـ “لامحدود” إلى "الثوار" ليتزامن مع تلويحها بتشكيل “تحالف” لمحاربة الإرهاب .
لكن الاحتمال الأرجح أن التحالف السعودي العربي- الاسلامي لن يدخل بحرب مباشرة مع روسيا والشرعية في سوريا وإيران وحزب الله ... لأنه يعرف مدى عواقبها وهو غير مستعد لدفع فاتورة باهظة الثمن دون أن يخرج بأي أرباح تضاهي المواجهة العسكرية المباشرة، لكن هم باعتقادهم أن سوريا أصبحت جاهزة للتقسيم بحكم التوازنات الدولية والتطورات الميدانية على الأرض، وأن مهمة التحالف ستكون فقط إتمام عملية التقسيم التي ستجريها السعودية بمباركة غربية أمريكية, بعد محاولات الإقناع بأن لا حلاً في سوريا إلا التقسيم في ظل توسع نفوذ داعش ، وفي هذه الحالة يمكن للغرب والسعودية أيضاً إرضاء روسيا بالمحافظة على مصالحها في البحر المتوسط عبر ما يسمى ب”سورية المفيدة وهي دولة ستمتد من دمشق الى حمص حلب طرطوس وحماه والساحل السوري وتدعمها روسيا .
السباق أصبح اليوم ما بين التقدم السريع والانجازات الملحوظة للجيش العربي السوري ومن خلفه حلفائه الاقليميين والدوليين وذلك لبقاء الدولة السورية الواحدة الموحدة ، وبين إسراع قوى ما يسمى التحالف العربي الجديد للحد من خسائرها في سوريا عبر خسارة الفصائل الارهابية التي تدعمها وتمولها وفرض قواعد جديدة للعبة ، سباق مازال الجواب على نتائجه صعباً، والأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت.