لمياء شديد -
في لبنان ثمة مواقع وأماكن أثرية وتاريخية عريقة ومهمة، لكنها غير معروفة، منها وادي وجسر المدفون الفاصلان بين قضاءي جبيل والبترون. وسط ذلك، قررت «لجنة مهرجانات جسر المدفون السياحية» أن تنفض غبار قرون وعقود من الزمن عن جسر المدفون، وتحوله الى معلم سياحي «يجمع ولا يفرق».
تتمثل أولى خطوات اللجنة بإطلاق مهرجانات جسر المدفون، التي تبدأ يوم الجمعة المقبل، ويعود ريعها لإعادة إحياء موقع الجسر وواديه وتسليط الضوء عليه كمعلم سياحي وتاريخي. يقول أمين السر في اللجنة نبيل يوسف، إن «وزارة الاتصالات ساعدتنا في الحصول على دعم مادي من شركة Alfa، وحصلنا على دعم من 18 مؤسسة»، موضحاً «اننا ننظم، للمرة الأولى منذ تأسيس اللجنة، مهرجانات جسر المدفون السياحية».
وفيما يعرب يوسف عن أسفه «لعدم الحصول على أي دعم من وزارة السياحة أسوة بباقي المناطق ولجان المهرجانات»، يؤكد أن «عملنا لن يتوقف بعد انتهاء المهرجان، فبدءاً من اليوم التالي سننطلق بمشروع إعادة ترميم الجسر والطريق الرومانيين القديمين، وكنيسة سيدة الجسر، وإعادة نفض غبار الأيام عن عشرات الكنائس والمحابس والمغاور، التي سكنها النساك قديما، وتحويل وادي المدفون الى معلم سياحي تراثي».
تنطلق المهرجانات يوم الجمعة المقبل مع المطرب جوزيف عطيه، وتحيي «فرقة ما في متلو» الليلة الثانية من المهرجانات مساء الأحد المقبل، ثم يُختتم المهرجان مساء السبت في 29 الجاري بسهرة تراثية وعشاء قروي.
تاريخ الجسر
يُعدّ وادي المدفون موقعاً يمر فيه نهر ينبع من أعلى قمم سيدة ايليج في القطارة على الحدود، ما بين البترون وجبيل على ارتفاع 2000 متر ويمر بعدة قرى ليصب في المكان المعروف بجسر المدفون. يضم وادي المدفون عشرات الكنائس والمغاور والمحابس، التي سكنها الرهبان والنساك خلال مئات الاعوام، فيما يضم شاطئ جسر المدفون حاليا منتجعات سياحية ويقصده رواد السباحة والصيد والرياضة البحرية.
قديماً، كان النهر يتدفق على مدار السنة، لكن منذ سنوات تحول الى نهر شتوي بسبب الانحباس الحراري واستعمال المياه في القرى. ومنذ الحضارة الفينيقية، كان لوادي المدفون موقع مميز، إذ يتوسط مدينة بيبلوس القديمة جبيل وبوتريس ـ البترون، وكان محطة ثابتة للقوافل التي كانت تمر على الطريق الساحلي أو صعودا باتجاه تنورين والبقاع.
بني أول جسر على وادي المدفون في أيام الحضارة الفينيقية، لكن الجسر الأهم كان في القرن الميلادي الاول، وهو المعروف بالجسر الروماني، الذي بقي يُستخدم حتى الحرب العالمية الثانية، عندما بنى الجيش البريطاني جسرا آخر حديثا. شهد الجسر أحداثا تاريخية كبرى، وعرفت المنطقة معارك عدة، أهمها معركة 676 بين الجيش البيزنطي والموارنة بقيادة البطريرك مار يوحنا مارون الذي كان محصنا في قلعة سمارجبيل، ومنذ ذلك التاريخ أصبح يعرف بـ «وادي حربا»، أي وادي الحرب باللغة السريانية. وكان قبل ذلك يعرف باسم «وادي اللزان»، أي النبتة البرية المشهورة والمنتشرة في الوادي.
أما المعركة الثانية التي جرت عند جسر المدفون فكانت في 1280 مع المماليك الهاجمين على جبيل حيث تصدى لهم الموارنة ومن يومها أصبح يعرف بوادي المدفون لأنه بعد انتهاء المعركة دفن المئات من المماليك عند الجسر. وجرت المعركة الثالثة بين جيش الامير فخر الدين الثاني وجيش والي عكار يوسف سيفا.
وفي العام 1661 جرت المعركة الرابعة بين جيش الامير يوسف الشهابي وآل حماده، فيما وقعت المعركة الخامسة بين رجال يوسف بك كرم وجنود المتصرف العثماني داوود باشا. وكانت هناك كنيسة تسمى بكنيسة «سيدة الجسر» قرب الجسر الروماني القديم، دفن بجانبها خلال الحرب العالمية الأولى المئات من الذين قضوا جوعا وهم تائهون على الطريق.
واعتبارا من صيف 1978 أصبح جسر المدفون حدا فاصلا بين الشمال والمنطقة الشرقية خلال الحرب الأهلية، وشهد سقوط عدد كبير من الأبرياء. وفي العام 2006 تعرض الجسر لغارة اسرائيلية خلال حرب تموز أدت الى تدميره بالكامل.