علا بطرس-
كشف تنفيذ حكم الإعدام السعودي برجل دين من الطائفة الشيعية، من المنطقة الشرقية، هو الشيخ نمر باقر النّمر عمق الأزمة بين الرّياض وطهران من جهة، وداخل المملكة نفسها وخارجها بين أفرقاء يدينون بالولاء الى إحدى الزعامتين الإقليميتين. وتبقى مسألة حقوق الإنسان أدنى قيمة في الوطن العربي والإسلامي حيث تتفوّق اعتبارات شكل الدولة ونفوذها وأمن نظامها على ما عداها.
يأتي إعدام الشيخ النّمر من خلفية شعور المملكة بالخوف والقلق من "ربيع" يؤدي الى الإخلال بالإستقرار والى تغيير في بنية النظام. فالقرار السعودي كان متوقّعاً في سياق تجربة مأزومة لم تتهاون معها المملكة في محيطها القريب ونعني بها البحرين واليمن. في الحالة الأولى، قمعت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الحراك الناجم في محيط دوار اللؤلؤة بالقوة العسكرية. كانت أهداف "درع الجزيرة"، الأداة العسكرية للمجلس، واضحة للحؤول دون إسقاط العائلة الحاكمة "آل خليفة"، وللقضاء على مطالب إصلاحية أرادتها شريحة من المواطنين الشيعة عبر المشاركة في صنع القرار السياسي في البلاد. وفي اليمن، الحالة الثانية، لم تكن الأوضاع أفضل مع مطالبة الحوثيين بدور لهم في السلطة. فأعلنت المملكة الحرب، لأول مرة في تاريخها، من خلال "عاصفة الحزم" ثبتت عدم مقدرتها على تحقيق الأهداف في إضعاف قدرة الحوثيين العسكرية أو حتى في إرساء حل يرضي الأطراف المتنازعة بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح والرئيس المشير عبد ربه منصور هادي من ناحية، ومع الحوثيين من ناحية أخرى. وتأتي سوريا، المثال الحيّ الثالث، على دعم المملكة لقوى المعارضة المسلّحة بهدف إسقاط الرئيس بشار الأسد على خلفية حلفه الإستراتيجي مع إيران، وشعور الإنتقام بفعل اتهام سوريا باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في بيروت عام 2005.
في العام 2011، اعتقد دعاة الديمقراطية أن بشائر الربيع ستزهر في المنطقة العربية للتخلص من أنظمة سلطوية، حيث استفادت كل فئة مهمّشة المطالبة بدور لها في النظام السياسي من خلال الإحتجاجات، ولا تشذّ أوضاع البحرين، اليمن، المملكة العربية السعودية أو حتى سوريا عن هذا المناخ، لكنّه جعل الدول في حالة من الإضطراب على كياناتها السياسية وهلع من انفراط عقدها. فانزلق "الربيع" مع ولادة "داعش" وأخواتها الى شتاء تكفيريّ مدمّر، وتحولت الحرية وحقوق الإنسان الى مسألة معيارية بفعل صراع عنيف بين قوتين إقليميتين بدأ فعليّاً مع الغزو الأميركي للعراق عام 2003. يومها، كان الهدف الأميركي التخلص من نظام صدام حسين تمهيداً لولادة شرق أوسط جديد، فحلّت الفوضى التي أرادوها كاشفة عمق الصراعات الإقليمية وتصاعد قوى التكفير مع موجات التهجير والهجرة والإرهاب كوقود سائل الى جانب النفط لإشعال المنطقة دون رحمة، ولمزيد من الغلوّ في التطرف على حساب الإعتدال ورجاحة العقل.
أما لبنان، المتأثر بحكم جغرافيته وتكوينه الديمغرافي بتقلبات الأحوال المحيطة به، فإنّه جزء لا يتجزأ من الصّراع الإقليمي وذلك بانعدام فرص التسوية وبفقدان القدرة على خلق آلية لانتظام عمل المؤسسات بالحوار، لتبقى العقدة كامنة بين حزب الله وتيار المستقبل منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006. وجاءت ظروف المنطقة لترسّخ انعدام الثقة بين الطرفين، حتى وصل الأمر الى تباعد كبير في وجهات النّظر في مسائل أساسية من المحكمة الدولية الى الأزمة في سوريا.
وعليه، تبقى مسألة حياد لبنان وهم بعيد المنال في ظلّ الإنحدار في الصراعات الإقليمية. إذ ما إن يطل السيد حسن نصراالله للإدلاء بموقف معين منتقداً المملكة العربية السعودية، حتى يردّ عليه الرئيس سعد الحريري من موقف المدافع عن داعمته الإقليمية. وفي حين، يحتاج التعقل السياسي الى مقاربات ناضجة تتعلق بالدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق المواطنين التي من أجلها أشعل البوعزيزي جسده، نرى نار الفتنة تستعرّ بين أبناء الدين الواحد. وبدلاً من أن يحقّق التفاهم الغربي النووي مع إيران الإنفراج المطلوب لتحقيق السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة عبر تبريد العلاقة مع المملكة العربية السعودية تنهي نتائج حرب العراق، سوريا وأزمة الحجاج الإيرانيين في منى... حتى جاء إعدام الشيخ النّمر ليضرب العلاقات الديبلوماسية بين البلدين ويؤجج لصحوة محتملة. وعليه، فهل ستتجه مملكة آل سعود وجمهورية الملالي الى الحرب المباشرة بدل الحروب بالوكالة؟