ظاهرة اللجوءِ الى المبرجين والمبصرين، وكاشفي المستقبل والمستور،والضاربين في الرمل والمندل،والبخت، وقرَّاءِ الفنجان، والكرة البلورية، وغير ذلك من الاعيب السحر والشعوذة، قد تجد لها ما يفسِّرُها سوسيولوجياً، نفسياً، وتربوياً، ولكن لن تجد ما يبررها، عقلانياً، دينياً، أوإيمانياً.
ما الذي يفسِّر تفشي ظاهرة الدَّجَلِ والانحراف، ولماذا هذا التهافت عليها؟
ظاهرة، تفسِّرها ظروفٌ سوسيولوجية، تتصدرها حالات الفقر والعوز والتشرد، وسوء الاوضاع الاقتصادية وصعوبات الحياة، وهي مآسٍ صنيعة حكَّام الشعوب وإجرامهم !
كما يفسرها، تراجع التربية الاسرية والعائلية، وانهيار القيم على إختلافها، وغياب التضامن الاجتماعي، وتدني جودة التعليم والتربية الى مستوياتها الدنيا، في مختلف مراحلها.
ظاهرةٌ تفسرها حالات نفسية واضطرابات، وصَدمات عاطفية، وحالات قلق وعقد متراكمة، وغيرها الكثير ، يضاعف من تأثيرها ضعف العقل وقدرته على الادراك، والتحكُّم، والسيطرة، وعلى تحمُّلِ الصعاب والضغوطات بكل أبعادها وأحجامها.
ألانسانُ كلُّ إنسان، عرضة للصَدمات النفسية ، والخيبات والسقطات الكثيرة؛ غير أنَّ البعض قادرٌ على المواجهة والصمود وتخطي الصعاب والازمات، والبعض الآخر عاجز عن المواجهة ،مستسلمٌ، ينهار أمامها، فيلجأ الى المبرِّجين والمبصِّرين المشعوذين، والى علاجاتهم أو توقعاتهم المنحرفة !
ظاهرة الدَّجَلِ هذه، تجد بيئتها الملائمة وسط هؤلاء الناس الضعفاء، فتنشط وتزدهر، فيظنها هؤلاء الطيبون المغرَّرِ بهم، أنها ملاذهم وخلاصهم من واقع مأساوي يتخبطون فيه؛ فيعمَّ الفسادُ وتزدهرُ أساليب النصب والاحتيال، وتزدهرُ تجارة الخداع، وتتفشى ثقافةُ الجهْلِ والهبلِ والتسخيف .
كشفُ أرقام الحظ، وأيامُ السعد، وفك الكتابة ، ومعرفة الغيب، وتحديدُ المستقبل الى ما هنالك من شعوذات، تذكرنا بما حصل مع سيدة لم ترزق بمولود، فقادتها جارتها الى " مُغْرَبي" يجول القرى يصطاد الضحايا، فصنعَ لها حجاباً، بعد أن ابتزَّها وسلبها مصاغها ومالها، وطلب منها أن تضع الحجاب تحت الفراش، ودون معرفة الزوج، الى أن إنكشفت خدعة هذا المغربي النصَّاب، وقرأ الزوج ما كتب في الحجاب، فكان النص الآتي: "... يا مقسم الارزاق، ارزقنا من هبل الناس، فان حبلت فلانة الفلانية،كان خيراً وان لم تحبل، فلهونيك شغلي ما تحبل ..."!
بالامس كان المُغربي، والبصارة والبرَّاجة، وكاشف البخت، أساليب للنصب البدائي، أما اليوم وفي عصر التكنولوجيا ووسائل الاعلام ، والتواصل الاجتماعي، تطورت تقنياته ، وازدهرت هذه السلع، وأصبح مروجوها نزلاء الشاشات والاذاعات ، يحتلون باعلاناتهم صدارة الصحافة على اختلافها، ويتسابقون في نشر ثقافة الجهل والغباء، ونحن نتلقفها وننتظرها بشغف وهوس هستيري، حتى بتنا نسمع بعض هؤلاء يقول لهذا الدجال أو ذاك : " نحن نؤمن بك ... وبكل كلمة تقولها ..." !
إنحطاط قيمي غير مسبوق، دجلٌ أصبح تسويقاً Marketing غير مبرَّرٍ ، يتصدَّرُ سوق الاعلانات، ولا من مجيب . معيب ٌ ما يقدِّمه الاعلانُ والاعلامُ لشبابنا وأطفالنا، من دجل وكذب، ونحن نتلذذ هذا الهبل والسخف.
ثروات طائلة تبذَّرُ عندنا وفي العالم كله، وتنثر هباء، أمام هؤلاء الدجالين، في حين أن ملايين البشر يموتون جوعاً،وتشرداً، وفساداً، وجريمتهم أنهم أغبياء وجبناء!.
بربكم قولوا لنا ، أي عقلٍ أو دينٍ يبررُ هذا الدَّجل، وهذه الانحرافات والسخافات؟
بالامس صدَّرنا الحرفَ، وأضأنا ظلمة العالم بالكلمة المتجسدة ، وذهنَّا وهذَّبنا كلَّ آدمي، واليوم يأتينا مسحاء دجالون، نصغي الى أكاذيبهم بشغف واهتمام، وننتظرهم بلهفة، لاسيما زمن الاعياد المباركة.
كفرٌ ما بعده كفرٌ، وتخلُّفٌ لم تشهد مثله عصور الانحطاط ؟!
أولاد ابراهيم، أتباع الديانات السماوية، تدَّعون الايمان، تتقون الله، تصومون، وتصلون، ثم تؤمنون بالباطل وتمجدون المخادعين ؟! إتقوا الله، وانبذوا العرافين، والمبصرين، والمبرجين، وتوابعهم من الكذبة والدجالين. عودوا الى ينابيعكم الايمانية والقيمية، والى هدي عقولكم،ونور معرفتكم !
أمَّا لماذا، لم نطلب من دولتنا التدخل، للحد من هذه الظاهرة الخطرة، وإيقاف هذه الملهاة- المأساة ؟ فلان المؤمن لا يُلدَغُ من الجُحْرِ مرتين، ثم أنَّ الضربَ في الميْتِ حرامٌ، ونحنُ مؤمنونَ !
حنا الحاج