اتهم الرئيس سعد الحريري، "حزب الله"، بأنه "يتصرف بأنه مسؤول عن كل أبناء الطائفة الشيعية في العالم"، وبأنه "على خطى الجمهورية الاسلامية الإيرانية، ينطلق من مرجعية سياسية زائفة، لإسقاط حدود السيادة الوطنية للدول القريبة والبعيدة". ورأى ان "حصر ردة الفعل على أحكام الإعدام التي صدرت عن القضاء السعودي بالحكم الخاص بالشيخ نمر النمر، هو وجه من وجوه التلاعب على الغرائز المذهبية"، مضيفا إن النمر "مواطن سعودي، يخضع كسائر المواطنين السعوديين والمقيمين في المملكة لاحكام القوانين السعودية، وليس مواطنا ايرانيا تطبق عليه قواعد الباسيج والحرس الثوري". ودعا "بعض قيادات الطائفة الشيعية في لبنان، للتعاون على رفض العمل الجاري لتأجيج المشاعر واثارة النفوس، والتزام الحكمة في مقاربة التحديات الماثلة وحماية الاستقرار الداخلي".
جاء ذلك في بيان أصدره الحريري، وقال فيه: "شهدت الساعات الماضية هبوب عاصفة هوجاء، مصدرها المواقع الإيرانية في طهران وبيروت وبغداد وصنعاء، استهدفت المملكة العربية السعودية، على خلفية الأحكام القضائية التي قضت بإنزال القصاص بسبعة واربعين محكوما بجرائم الارهاب والتحريض على أعمال العنف والتطرف.
وإذا كانت العاصفة قد بلغت حدود الاعتداء المنظم والسافر على السفارة السعودية في طهران، فقد كان من دواعي الأسف الشديد، ان يتولى البعض في لبنان، تشريع الأبواب أمامها ويتقدم صفوف التحامل على المملكة وقيادتها، بأساليب مرفوضة ومقيتة، على صورة ما قرأناه وسمعناه من قيادات حزب الله والأتباع من مقلديه والمحيطين به".
أضاف: "هناك من يتحدث عن السعودية ودورها ويطلق الاتهامات بحقها، كما لو انه يتحدث عن نفسه وعن الحالة التي تعيشها ايران ويعاني منها الشعب الإيراني.
الكلام عن الاستبداد والقهر والارهاب والقتل والاجرام والإعدام وشراء الذمم، والكلام عن التدمير والتهجير والتشريد وتعطيل الحوار وارتكاب المجازر والتدخل في شؤون الآخرين، والكلام عن الايغال في الفتن وتعميم ثقافة السب والشتائم وإقصاء المعارضين ورفض الآخر واجتثاث الاحزاب والجمعيات ورجال الدين وتهديم بيوتهم ومقارهم فوق رؤوسهم، هي كلها صفات طبق الأصل تنطلق على ألسنة القيادات في حزب الله، وتنطبق قولا وفعلا وممارسة وسلوكا على الحالة التي يمثلها النظام الإيراني ومشروع التمدد الإيراني على حساب العرب ودولهم ومجتمعاتهم".
وتابع: "ان حزب الله، وعلى جري عادته، يتصرف بأنه مسؤول عن كل أبناء الطائفة الشيعية في العالم، من نيجيريا إلى البحرين إلى الهند والباكستان وصولا إلى المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج. وهو على خطى الجمهورية الاسلامية الإيرانية، ينطلق من مرجعية سياسية زائفة، لإسقاط حدود السيادة الوطنية للدول القريبة والبعيدة، ويعطي نفسه حقوقا غير منطقية للتدخل في شؤونها والاعتراض على قراراتها والاساءة لقياداتها، وإشهار سيوف التهديد والوعيد في وجهها".
وقال: "لقد بات من المؤكد، في ضوء المسلسل الإيراني الطويل الجاري تقديمه في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن ومصر والسعودية وغيرها من الدول، ان الخلفيات المذهبية هي التي تتحكم بسلوك ايران ومن معها، والذي أصبح علامة فارقة من علامات التوتر واثارة النعرات في غير مكان من العالم العربي".
واستطرد: "وقد يكون من المفيد التنبيه في هذا المجال إلى النقاط الآتية:
أولا- ان حصر ردة الفعل على أحكام الإعدام التي صدرت عن القضاء السعودي بالحكم الخاص بالشيخ نمر النمر، هو وجه من وجوه التلاعب على الغرائز المذهبية، ومحاولة متعمدة لإعطاء تلك الأحكام ابعادا خلافية عقائدية، لا تتوافق مع الحقيقة التي تشمل 46 مدانا آخرا طاولتهم أحكام الإعدام.
ثانيا- ان الشيخ نمر النمر هو مواطن سعودي، يخضع كسائر المواطنين السعوديين والمقيمين في المملكة لاحكام القوانين السعودية، وليس مواطنا ايرانيا تطبق عليه قواعد الباسيج والحرس الثوري، وهي القواعد التي لا تخلو للمناسبة من عشرات التجارب في نصب المشانق بحق الأبرياء وازهاق أرواح المعترضين على ولاية الفقيه واهدار دماء الآلاف من أبناء الشعب الإيراني المشردين في مشارق الأرض ومغاربها.
ثالثا- ان الإصرار على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة، والتطاول على كرامات الأشقاء وقياداتهم ورموزهم، مسألة مرفوضة وغير مقبولة للمرة الألف، لأنها مسألة لا وظيفة لها سوى الاساءة للدول الشقيقة التي لم تتخل عن لبنان يوما، وابقاء لبنان وشعبه فوق صفيح ساخن من التوترات المذهبية، وفتح النوافذ امام الخارج للتدخل في شؤوننا الداخلية.
رابعا- نحن على يقين تام بان المملكة العربية السعودية، تلتزم حدود المصلحة الاسلامية والعربية، وان القرارات التي تتخذها لن تتعارض مع هذه المصلحة في شيء، خلاف ما تراه الجهات الموالية للخط الإيراني التي تجد في المملكة، عقبة أمام مشاريع التمدد والنفوذ الخارجي.
وبناء على هذا اليقين، نعتبر ان المملكة ضنينة على سلامة لبنان واستقراره، وهي حتما لن تتوقف عند كثير من الترهات التي تتناولها وتسيء اليها، وستبقى على عهودها بمساعدة لبنان والمحافظة على وحدته الوطنية، مهما تعالت حملات التحريض ضدها.
واننا ننبه في هذا السياق، كل الذين يحبون المملكة ويعبرون عن التقدير والاحترام لقيادتها، الى أهمية عدم الانجرار للسجالات المذهبية، والذهاب الى حيث تريد بعض الأصوات والأبواق من النفخ في رماد العصبيات والفتن.
خامسا- ان معظم المزاعم الباطلة بحق المملكة العربية السعودية التي تطلقها ابواق ايران اليوم، هي تهم تنطبق حرفيا على ممارسات النظام السوري بحق شعبه، في وقت تقاتل ايران وأدواتها الى جانب هذا النظام الذي يعدم مئات الألوف من مواطنيه ويهجر ملايين منهم من دون تهم ولا محاكمات ولا شرع ديني أو بشري.
سادسا: ان أبناء الطائفة الشيعية في لبنان والسعودية والعراق واليمن، وفي أي مكان من العالم العربي، هم مواطنون في دولهم قبل أي شيء آخر، شأنهم في ذلك شأن كل المواطنين من مختلف الطوائف. وإن التصرف الإيراني مع هؤلاء المواطنين بصفتهم رعايا إيرانية في دولها، بات يمثل الخلل الأكبر الذي يهدد العالم الاسلامي، ويحرك عوامل الفتن في غير مكان ومناسبة".
أضاف: "لقد رفعت الجمهورية الاسلامية الإيرانية منذ انطلاقتها شعار تصدير الثورة وإقامة ولاية الفقيه كمرجعية سياسية ودينية، تعنى باستقطاب ولاء المواطنين الشيعة من كل اصقاع العالم. وتمكنت ايران، وعلى مدار سنين طويلة من تحقيق خرق سياسي واجتماعي وأمني، للعديد من المجتمعات العربية والإسلامية، أسس لحالات ولاء خارجة عن نطاق الدول الأم ومصالحها ونسيجها الوطني.
هذا الخلل، نشهد هذه الأيام على فصل من فصوله المريبة، التي لا تنفك عن استهداف السعودية واستقرارها، تارة من بوابة البحرين وتارة أخرى من بوابة اليمن، ودائما من خلال مجموعات يتقدم ولاؤها للمشروع الإيراني على أي هدف أو ولاء وطني".
وختم: "ان ايران مدعوة الى ادراك المخاطر الكامنة وراء هذا الخلل، والتوقف عن تصدير النموذج الإيراني الى البلدان المجاورة وما يترتب عليه من نزاعات وحروب وانقسامات طائفية. والدعوة موصولة الى بعض قيادات الطائفة الشيعية في لبنان، للتعاون على رفض العمل الجاري لتأجيج المشاعر واثارة النفوس، والتزام الحكمة في مقاربة التحديات الماثلة وحماية الاستقرار الداخلي الذي يجب ان يتقدم على كل الولاءات".