د. حنا الحاج -
أشباه حكام ومسؤولين، يتولون قيادة شعوبهم، وهم غير مستحقين، ولا يستوفون شرطاً واحداً من شروط القيادة، ولا يحملون في شخصيتهم، أو في نفوسهم صفة واحدة من صفات القائد، أو قيمة واحدة من قيم الشرف والنبل والفروسية والكبر، فكأننا في زمن السقوط الكبير، أو في زمن إنقلاب المعايير، والمفاهيم... ولبنان نموذجاً !
قديماً كانت كلمة الشرف عندنا ميثاقاً ، أوعهداً، لا تسقطه المغريات مهما تنوعت أو كبرت، فشعرةٌ من الشاربين كانت صكاً أبدياً، أو رهناً غالياً جداً، يؤرِّق صاحبه ويقض مضجعه، الى أن يفي الديْن في موعده، فيسرع لاسترداد الامانة ( شعرة الشاربين)، التي تفوق قيمتها قيمة كلِّ كنوز الدنيا، لانها رمزُ الكرامةِ والعزةِ والامانة والشهامة ...
واليوم، نسأل عن كلِّ هذا، عن قيمنا العائلية، و المجتمعية، والوطنية، والانسانية، فنجدها محنَّطة في نصوص الشرائع، وبين صفحات كتب تآكلها العفن، بعد أن أفرغناها من جوهرها ، وجعلناها لزوم ما لا يلزم، أو " دقة قديمة " لا تلائم عدة الشغل لدى معظم المسؤولين والسياسيين، الذين جعلوا منها منمَّقاتٍ كلامية، تخفي وراءها نفوساً مسكونة بالطمع والحسد والانانية، والتقية، والدجَلِ، والغدر، والخداع، والكذب. أليس" الكذب عندنا ملح الرجال "، ونِعْمَ الرجال ؟!
هؤلاء قيمهم في جيوبهم، أو في أمعائهم، أو عند أعتاب الكراسي والمناصب، وفي أماكن أخرى أكثر انحداراً. قيمهم والمبادىء محكومة بـفكر مكيافللي، " الغاية عندهم تبرر الوسيلة "، و غايتهم لا عزة فيها ولا نبل، ووسيلتهم لا تبررها أخلاق أو شهامة أوفروسية، كما يتغنون دائماً.
فماذا بقي لنا من المبادئ، ومن إلارث القيمي العظيم، وقد أفسدته دمى السياسة المتحركة، اللاهثة خلف السلطة والمال، وباي ثمنٍ؟
ماذا بقي لنا ؟ فمنذ لعنة الطائف، ونحن مسلوبو الارادة، مسيرون ،خانعون. نتنكَّرُ لهبة الله، وقد خلقَنَا أحراراً، فارتضينا أن نسلِّم أمرنا ونستسلمُ لزعماء الصدفة، أو لاقطاع متعدد الاوجه، يفتخر باقطاعه، ويعتز به. زمنٌ كثرت فيه الدمى التي تحركها أصابعُ الخارج، وهي لا تجد حرجاُ، حتى لوكان الثمن سيادة الوطن ومستقبل أبنائه، فامام الكراسي تهون كل العظائم وترخص كل القيم !
قيل " ما دخلت السياسة شيئاً إلا أفسدته "، ونحن نقول ما دخل الساسة أو معظمهم مجالاً إلا أفسدوه. فالسياسة علمٌ من أرقى العلوم وأسماها. والعلة لم تكن يوماً في نصوصها، بقدر ما كانت في ممارسة من أفسدها. السياسة علمٌ قياسه الرقي والتطور، وخير الانسانية أفراداً وجماعات ، معه تصان المجتمعات وتحفظ الدول. وقد إعتبر الاغريق، أن السياسة حالة عبور من التوحش الى التمدن.
الفساد لا يكمن اذاً في السياسة، بل في السياسيين الفاسدين ، اللاهثين وراء السلطة وهم لا يستحقون شرف ادارة المجتمع وخدمة الانسان . فلا ترجموا السياسة، بل ارجموا السياسيين الفاسدين، ونماذجهم منتشرة على امتداد لبنان.
هؤلاءَ جعلوا من الوطن مشاعات و إقطاعات يتوارثونها، و من خيراته وثرواته حصصاً يتقاسمونها. هؤلاء لا يريدون بناء دولة، فمزارعهم ومناطق نفوذهم تكفيهم. فحدود الوطن عندهم حدود مصالحهم والامثلة تفوح منها روائح النفط والغاز، و النفايات وغيرها الكثير. فهلا سألتم لماذا لم يبصر قانون ضمان الشيخوخة النور حتى تاريخه؟ ببساطة يريدون وضع اليد على ادارة صندوقه، على غرار سائر الصناديق السوداء، وما أكثرها في هذه الدولة السائبة ، المسيبة !
منذ الطائف اللعين وحتى اللحظة، والوطن معلقٌ على خشبة العار، و معروضٌ في أسواق النخاسة، تتناتشه حيتان المال، و يتكاثر فيه اللاهثون وراء السلطة ، على حساب شعب معذب، مقهور،منهوب، لا حول له ولا قوة. المجرمون معروفون، ولا من يحاسب، فكما أنه لا يخرج من العوسج تينٌ، كذلك لن يخرج من الدمى المتحركة عندنا، حكامٌ أو قادةٌ !