جهاد حيدر -
كشفت عملية اغتيال المقاوم سمير القنطار عن حقيقة أن المعركة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي كانت وما زالت مفتوحة. ولئن اتسمت اعمال المقاومة وابطالها – كعادتها – بالسرية، لكن ردة فعل العدو كانت كافية للكشف عن حجم الدور الذي كان يلعبه القنطار ومدى حضوره لدى صناع القرار السياسي والامني في تل ابيب.
اكدت عملية الاغتيال على أن العدو يدرك أن رهاناته على انشغال المقاومة بالحدث السوري عن مواصلة الاعداد والجهوزية، تبددت. وهو ما دفعه مرة اخرى لمحاولة معالجة التهديد الذي تمثله المقاومة باساليب تؤشر إلى مستوى الحزم والجدية التي يتعامل بها إزاء التحدي الذي تمثله المقاومة في سوريا. وهكذا بدا ايضا، أن قرار استهداف القنطار كان أمراً ملحا بالنسبة لقيادة العدو بسبب موقعه ودوره المقاوم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في الجولان.
مرة اخرى تعزز الدماء حقيقة أن معركة حزب الله مع العدو الإسرائيلي لم ولن تخمد، لكن لكل ساحة صيغها واشكالها، ولكل ساحة معادلاتها التي تتبلور في ضوء ظروفها ومجريات الصراع فيها، أضف إلى أن لكل مرحلة اولوياتها وضوابطها.
إلى ذلك، يأتي استهداف القنطار امتدادا للاعتداءات التي تنفذها “إسرائيل” ضد حزب الله في الاراضي السورية. وكل محطة كانت لها عناوينها وشعاراتها. تارة ضمن سياق استهداف كوادر المقاومة وعناصرها في سياق المعركة الدائرة معها، واخرى لاستهداف القدرات النوعية لحزب الله، التي اقر نتنياهو بنفسه أن “إسرائيل” تستهدف ما تلحظه الاستخبارات الإسرائيلية. في اشارة إلى أنها لا تعلم بكل ما يتم نقله. وبحسب تقارير اعلامية إسرائيلية لا يشكل ما تستهدفه “إسرائيل” سوى نقطة في بحر قدرات حزب الله.
سمير القنطار
يعكس قرار العدو تنفيذ عملية الاغتيال، مستوى الرهان الذي يعقده على دور الجماعات التكفيرية في توفير الظرف الملائم لاعتداءاته. وهو مفهوم حضر بقوة في مقاربة الكثير من المعلقين المختصين الإسرائيليين الذين تناولوا سيناريوهات ما بعد هذه العملية بالقول إن حزب الله ليس من مصلحته فتح جبهة اخرى مع “إسرائيل” في الوقت الذي يخوض معركته القاسية مع الجماعات الارهابية والتكفيرية. وهكذا تحولت هذه الجماعات إلى عامل اساسي في تمكين الإسرائيلي من تعزيز قدرة ردعه في مقابل سوريا وحزب الله. مع الاشارة إلى أن هذه الحسابات قد أخطأت في العديد من المرات عندما رد حزب الله على اعتداءات سابقة في القنيطرة وجنتا..
رغم أن هذا النوع من العمليات تلعب فيه الاعتبارات العملانية والميدانية دورا اساسيا في بلورة توقيته، وحتى احيانا تفرض الاداة المستخدمة، لكن تبقى للمستوى السياسي اعتباراته التي عادة ما تكون اشمل. وتتسع دائرتها لتطال المفاعيل السياسية لهذه الخطوة أو تلك، وصولا إلى اختيار التوقيت المتصل بالظرف السياسي الملائم..
وعلى ما تقدم، ليس أمرا تفصيلياً أن يتزامن الاعتداء الإسرائيلي مع تراجع الجماعات التكفيرية في مواجهة الجيش السوري وحلفائه. ويراهن العدو بذلك على أن يضع حزب الله بين خيارين، إما تجاوز مسألة الرد، على اساس امكانية احتواء مفاعيل العملية من دون تداعيات استراتيجية سلبية على حزب الله، (كما يراهن الإسرائيلي)، أو الدخول في رد ورد مضاد بما يؤدي إلى انشغال قوات محور المقاومة بالمواجهة مع “إسرائيل” وايقاف الزحف ضد الجماعات التكفيرية، بل قد يفتح لهم آفاقاً عملانية في بعض الجبهات..
وهكذا يصح القول إن “إسرائيل” نجحت في إحداث خرق في معادلة الصراع، بفضل الجماعات التكفيرية التي مكنتها من توسيع هامش حركتها من موقع المبادرة وحتى الرد.
إلى ذلك، وجهت “إسرائيل” رسالة، من خلال اغتيال القنطار، وفي ضوء الوسائل التي استخدمتها وبلحاظ المكان المستهدف -بالقرب من دمشق - مفادها أنها على استعداد لتحمل الاثمان المقابلة. لكنها تبقى اسيرة الحسابات والرهانات المتصلة بالاستناد إلى دور الجماعات التكفيرية التي وفرت لها الظروف لهذا الاعتداء وما سبقه وما قد يعقبه في مراحل لاحقة.
في مقابل كل الرسائل الإسرائيلية، تبقى رسالة المقاومة الأكثر حضورا ودويا وهي أن انشغالها بمواجهة الخطر التكفيري لن يكون على حساب أولوية العداء الإسرائيلي والاستعداد للمواجهة معها.