نصري لحود
مع اقتراب موعد انتهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية بعد اشهر قليلة، وبعد التمديد لمجلس النواب مرتين خلافاً للديمقراطية التي طالما تغنى بها لبنان في محيطه وخلافاً لرأي اغلبية الشعب اللبناني، ومع زيادة الحديث عن "تسويات" رئاسية ووزارية واقتصادية من هنا وهناك، وهو ما أدى إلى تعقيّد أمور المحاور القائمة في البلد منذ سنوات (8 و14 آذار) وجعلت التحالفات تهتز وتكاد تقع، يُطرح السؤال: اين الشعب اللبناني من كل ما يجري وماذا يريد هذا الشعب الذي يعيش اياماً إقتصادية صعبة ومرة، بعدما خبِر طويلاً الحروب وويلاتها على مختلف صورها واتجاهاتها؟!
في وقت تعيش المنطقة صراعات كبيرة، ويأتي الروس لتقاسم النفوذ مع الاميركيين فتستعر الحرب السورية وتتأزم أوضاع العراق ويتجه اليمن إلى حل مأمول بعد حرب طاحنة، وتتجه ليبيا إلى تفاهمات مفروضة، ليعاد رسم خريطة جديدة للمنطقة الغنية بالنفط والغاز، يبقى لبنان في أمان نسبي بفضل جيشه وقواه الامنية، إلا ان الاوضاع السياسية فيه تبقى الأكثر اضطراباً لألف سبب وسبب، ابرزها أن دولة بلا رأس، حكومتها معطلة ومشرّعوها في عطلة قسرية، لا يمكن ان تستمر طويلاً، ولو لم يكن الشعب اللبناني عنيداً ومعتاداً على التأقلم مع كل الظروف بعدما سبق واختبر الدمار والخراب والاجتياحات العسكرية والازمات الاقتصادية طيلة 20 عاماً من حرب الآخرين على ارضه، وبعدما تعايش اللبنانيون مع انقطاع المياه والكهرباء، وصولاً الى غرقهم في بحر النفايات، لما كان البلد بلداً ولما كانت هناك إمكانية لطرح مبادرات وتسويات رئاسية وغيرها!
غريب أمر من يتحكمون بالبلاد والعباد، فهم عندما يتيقنون من أن مصالحهم الخاصة واستمرار قبضهم على رقاب الناس في خطر، يهرولون إلى اجتراح حلول سحرية لو قبلوا بنصفها قبل فترة لما وصل البلد والشعب إلى ما وصل اليه من فراغ قاتل! والغريب أكثر أن بعض هذا الشعب لا يزال يؤمن بأن بعض الزعماء هم خلاصه، فيما أغلبيتهم تستعمل بعض هذا الشعب وقوداً في حروب مصالحها الخاصة ومصالح بعض الدول.
وفي ظل اشتداد الازمات السياسية في البلد، يمكن طرح العودة إلى الشعب كحل وحيد لحل تلك الازمات، وهو ما تقوم به الدول المتحضرة والمتقدمة التي تحترم نفسها وتحترم شعبها الذي، وكما يقال عندنا كعنوان بلا مضمون يفترض ان يكون مصدر السلطات. فماذا لو توافق الزعماء اللبنانيون على تسوية استثنائية ولمرة واحدة فقط وبرعاية الامم المتحدة (كما سبق وعدّلوا الدستور مراراً وليس مرة واحدة)، تعيد تركيب السلطة وتقوم على رأي الشعب وخياراته وتقضي بانتخابات شاملة في يوم واحد لمجلس نيابي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة وبالنسبية (ينتخب المجلس رئيسه)، ورئيس ماروني للجمهورية، ورئيس سني لمجلس الوزراء لمدة اربع سنوات، وإذا وجد أهل الحل والربط ان هذه الطريقة (الديمقراطية) يمكن اعتمادها وتعيد الخيار للشعب وحده، وتعيد البلد إلى حياة سياسية جديدة ومتجددة، قابلة للتطبيق على الأسس التي بني عليها لبنان لتصبح دستوراً، فعندها يصبح الشعب هو من يحكم نفسه.
في المملكة العربية السعودية اجريت اخيراً انتخابات بلدية للمرة الأولى شاركت فيها المرأة، وفي دول اوروبية وعربية كثيرة تجرى استفتاءات على امور ابسط بكثير من الأزمة التي نعيشها، كما اننا على ابواب انتهاء ولاية مجالس حيوية لمصالح الناس، لذلك يبقى السؤال، ماذا يريد الشعب من المسؤولين عما وصلت اليه البلاد؟
الجواب: الشعب يريد انتخابات.