ربى منذر -
لم تكن منطقة أنطلياس أمس كما عهدها سكانها، خصوصاً في فترة الأعياد، فالشوارع المُرتدية حلّة الميلاد امتلأت بالزجاج المتناثر، والمحال المُفترض اكتظاظها بالناس انتشرت في أرجائها الكلاب البوليسية. بعض الدراجات النارية تبعثر على الأرض ملطخاً بالدماء، فيما سيارات الصليب الأحمر ملأت المكان. حالة صدمة ارتسمت على وجوه السكان: هل يُعقل أن يوقع تسرّب غاز كل هذه الأضرار؟قرابة الساعة الثانية عشرة ظهر أمس، سُمع دويّ انفجار قوي صادر من مطبخ مطعم «Roadster» الموجود تحت أرض أحد المباني في منطقة أنطلياس، وقد عَزته المعلومات الأولية إلى تسرّب غاز، في وقت بلغت الحصلية النهائية للانفجار 34 جريحاً، حال اثنين منهم خطرة، توّزعوا على المستشفيات المجاورة.
يروي أحد أصحاب المحال ما حدث لـ«الجمهورية»: «بينما كنّا منشغلين بتحضير الطلبيات، سمعنا صوت انفجار كبير، وحُجبت عنّا الرؤية لبعض الوقت بسبب الغبار الكثيف. في البداية لم أدع الموظفين يخرجون من المحل، إذ اعتقدنا للوهلة الأولى أنّ العمل إرهابي، لتبدأ بعدها الأقاويل بأنه تسرّب غاز»، ويضيف منفعلاً: «إذا كان بإمكان الغاز افتعال كل هذه الأضرار، لتتسَلّح داعش به!».
وفيما النتيجة واحدة، كانت الروايات متعددة، فصاحب متجر آخر يقول: «كل المعطيات تشير الى أنّ القصة أكبر من مجرد تسرّب غاز، فهناك جهات كانت تتحدث عن دس قنبلة ما في حقيبة أحد شبّان «الديليفري»، وإذا صح الأمر فالمشكلة ستكون أكبر وسينعدم الأمان والثقة بين أصحاب المحال والموظفين».
الشرطة القضائية كانت دقيقة جداً في عملها، لدرجة توحي بأنّ السبب يتعدّى فعلاً فرضية تسرّب الغاز. رجال الشرطة والكلاب البوليسية كانوا مخوّلين فقط الدخول الى «مسرح الجريمة»، حيث كانوا يتحركون بدقة خصوصاً أنّ العملية حساسة جداً والاحتمالات مفتوحة على كل الجهات حتى تكشفها التحقيقات، فيما ساد الخوف من أن يكون أحد الموظفين ما زال عالقاً تحت الركام، فالمشهد تحت الأرض كان مخيفاً وكأنه ساحة معركة.
أمّا في الخارج، فانتشر عناصر الأمن الداخلي بأعداد كبيرة في ظل تشديدات أمنية، الزجاج مجمّع الى جانب الطريق، وعمال بدأوا التصليحات، وفي كل زاوية من الشارع يتجمّع الناس مُطلقين العنان لتحليلاتهم.
وفي ظل المعطيات الأولية المشيرة الى تسرّب غاز، يفتح رئيس نقابة موزعي الغاز في لبنان جان حاتم العيون على هذا الخطر الذي يُهدّد السلامة العامة فيقول لـ«الجمهورية»: «حصل تسرب غاز قوي جداً، لم يُعرف ما إذا كان نتيجة قارورة أو خزان، ونترك تحديد السبب للجهات المسؤولة.
لكنّ انفجاراً كهذا لا يمكن أن يحصل في لحظة، بل من المفترض أنّ الغاز بدأ بالتسرّب قبل نحو ساعتين ومن المفترض أيضاً أن يكونوا قد شعروا برائحته، ومن الممكن أنّ احتكاكاً كهربائياً ساهم فيه»، مشيراً الى «احتمال أن يكون العطل من القارورة أيضاً، وهو سبب دعواتنا المستمرة لمديرية النفط الى تسريع استبدال القوارير لأنها مهترئة جداً ولا صيانة عليها».
ويكشف حاتم أنه «في البداية وَلّد حجم الانفجار شكوكاً لدينا في أن تكون هناك عبوة، لكن حتى الساعة لا يشير شيء الى هذا الاحتمال، أمّا تسرب الغاز فمؤكد بنسبة مئة في المئة»، موضحاً أنّ «نوعية الغاز المستعملة في لبنان سيئة، والخطر يُهدّد الجميع، وما يساهم فيه هو غياب التوعية في طريقة استعمال القوارير».
من جهته، يشدد أحد المسؤولين في مطعم «Roadster» على أنّ «من كشف على قوارير الغاز أكد أنّ القوارير الخاصة بمطبخنا ما زالت ممتلئة ولا تسرّب منها، كما أننا سبق واتخذنا الإجراءات التي تحمينا من التسرّب وتشير إليه في حال حصل»، مرجّحاً «انفجار أحد أنابيب الغاز الذي يمر بمطبخنا، لكن لا يمكننا حسم الفرضيات إلّا من خلال التحقيق، لكنّ عطلاً تقنياً حصل بالتأكيد».
مهما كان سبب الانفجار، فإنّ النتيجة مأسوية، إذ انه في حال كان مفتعلاً فهذا يشير الى أنّ لبنان أصبح بكامله مهدداً، وفي حال كان تسرّب غاز، فإنّ السلامة العامة بخطر، وما حصل أمس بإمكانه أن يحصل في أي بيت أو مطعم أو فرن أو مستشفى أو في أمكنة أخرى... وهذا الأمر برسم المعنيين.