Clik here to view.

العماد عون في "حديث الساعة" عبر تلفزيون المنار:
مقدّمة:
عند كلّ استحقاق أو مفترق طرق، تظنّ أنّ العماد عون يخوض معركته الأخيرة، لكنّه ما يلبث أن يفاجئك حيث لا يتوقّع البعض أو لا يجرؤ البعض الآخر. ربّما يخسر معركة أو اكثر، لكنّه مقتنع بأنّه سيربح الحرب في نهاية المطاف. في سنّ الثمانين، ها هو الجنرال يؤجّل تسريحه من خدمة القضايا التي يرفع لواءها، فتراه يجدّد شبابه الثوريّ عائداً إلى مسقط رأسه السياسي، إلى الشارع الذي يصنع الشرعية ويمنحها لمن يستحقّها. ولأنّ 14 آب، نال امتياز دخول التاريخ من بوّابة الانتصار على العدو الإسرائيلي في حرب تموز عام 2006، فمن الطبيعي أن يكون العماد ميشال عون ضيفنا في هذا اليوم التاريخي وهو الذي كان شريكاً في صناعة مجده وتاجه. ما بين حرب 2006 الوجودية ومعركة 2015 المصيرية، سيمتدّ الحوار مع رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في هذه الحلقة من "حديث الساعة" عبر شاشة المنار.
جنرال أهلاً وسهلاً بك.
العماد عون: أهلاً بكم.
س: ملفّات كثيرة نودّ أن نناقشها، ولكن لا بدّ من أن نبدأ من 14 آب 2006 ذكرى انتصار حرب تموز 2006. كيف يقرأ العماد عون هذا اليوم على المستووين الاستراتيجي والوجداني؟
ج: على الصعيد الوجداني، يعطينا هذا اليوم شعوراً بالفخر والعزّة والكرامة، ممزوجاً بالحزن
س: لماذا؟
ج: صحيح انّ الشهداء استشهدوا وباتوا في جنّة الخلد، ولكنّنا بشرٌ، نحزن عند فراق الأحباء، خصوصاً إن كانوا قد استشهدوا من أجلنا. لم يستشهدوا من اجل لا شيء ولم يُقتَلوا صدفةً، بل واجهوا الخطر بملء إرادتهم واستشهدوا دفاعاً عن الوطن والكرامة.
معركتنا لم تكن معركة عاديّة، فهي معركة عجزت عن خوضها كلّ الجيوش العربية ضدّ إسرائيل، وقد خضناها بوجع العالم اجمع.. وإذا سألنا من وقف إلى جانبنا في الحرب، نجد دولتين صديقتين وهما سوريا وإيران، ومن الطبيعي أن يشكر كلّ إنسان طبيعيّ هاتين الدولتين ويمدّ لهم يده..
س: أراك متأثراً بهذا الموضوع مع انّه قد مرّ عليه حوالي 9 سنوات..
ج: لا علاقة للوقت بهذا الأمر.. فأنا رجلٌ عاش الشهادة في حياتي المهنية وأعرف ما معنى أن يسقط المرء شهيداً، وأن تحمل صديقاً لك على كتفك أكان شهيداً أو مصاباً متألّماً.. هذه المواقف مؤلمة جداً. لذلك، إن أكثر من يكره الحرب هما الجندي والمسعف لأنّهما يعيشان هذه التجارب القاسية..
س: إلى أي درجة تشعر بأنّك لا تزال حتّى الآن تدفع ثمن خيارك بالوقوف إلى جانب المقاومة في حرب تموز؟ وبالتالي، هل توافق بأنّ هذه الحرب لا تزال مستمرّة حتّى اليوم ولكن بأشكالٍ وأنماط مختلفة؟
ج: من المؤكّد أنّها لا تزال مستمرّة، وطالما أنّه لم يتمّ الاعتراف بحزب الله كحزبٍ لبناني مقاوم، فسيكون لي نفس مصيره، سواء بالاضطهاد أو بمحاولات العزل أو بمحاولات التغلّب عليّ وعلى مواقفي.. لا يوفّرون طريقة للنيل منّي حتّى ولو كان ذلك جسدياً، ولذلك لديّ حرس للحماية الشخصية..
س: هل تعتقد بأنّك مستهدف بشكلٍ مضاعف لأنّك تقف إلى جانب المقاومة؟
ج: بالتّأكيد.. هذا السبب الرئيسي. في الأمور السياسيّة العادية يعمدون إلى وسائل أخرى للتغلّب علينا مثل دفع الأموال أو توزيع النفوذ.. هذه الأمور تُحلّ من دون ان يكون هناك حاجة للّجوء إلى الدّمّ.. ولكن موضوع المقاومة والعناد الذي نظهره في الدفاع عنها يسبّب "قطع الرّأس".. هذا هو الطريق الوحيد لمنعنا من الوقوف في المعركة وتقديم أيّ دعم من الممكن تقديمه..
س: كنت واثقاً في العام 2006 أنّ المقاومة ستنتصر. الآن، وإذا افترضنا انّ الحرب مستمرّة بوجهٍ آخر، هل أنت واثق من أنّ النصر سيكون إلى جانبك في هذه الموقعة؟
ج: أعتقد ذلك.. في محاضرة ألقيتها في جامعة دمشق قلت إنّه بعد حرب تموز لن تُكتب الغلبة لإسرائيل لأنّها وصلت إلى قمّة قوّتها العام 2000، بعدها استمرّت أفقياً إلى أن سقطت في العام 2006 سقطةً مدويّة. أضف إلى ذلك أنّ المصاب في إسرائيل كبير، فجيل اليوم لا يشبه الجيل الأوّل الذي قاتل للحصول على وطن. جيل اليوم يشعر بأنّ لديه وطناً وبدأ يفكّر باللهو. كما انّ سلاح المشاة الإسرائيلي ليس مصمّماً للمواجهات القاسية مع مقاتلين غير نظاميين، وهذا الأمر يؤذيهم كثيراً. والأهمّ من كلّ ذلك، إيمان المقاتل في المقاومة الذي يدفعه نحو الدبابة الإسرائيلية تحت أيّ ظرف ليزرع فيها المتفجّر.. هذا الاندفاع في القتال لا تجده لدى الكثيرين، فهو أمر نادر جدّاً..
س: ماذا عن استمرار حرب تمّوز بوجهها الداخلي؟ هل أنت واثق من أنّك ستحقّق الانتصار في المعركة التي تخوضها اليوم؟
ج: طبعاً.. نحن توصّلنا الى الكشف عن الكثير من الأمور ومنها التدخّلات الأجنبيّة التي يسمع عنها الشعب اللبناني من دون ان يلتمسها بشكلٍ مباشر.. اليوم، بات الخصوم يقولون، وبدون خجل، إنّ "هناك قوىً أجنبية تريد أن تحصل الأمور بهذا الشكل..". هذا يعني انّهم باتوا ملزمين بالتنفيذ..!! هل من وجهٍ أسوأ من ذلك للخيانة والعمالة؟ هناك قوى أجنبيّة وبالتحالف مع قوى داخليّة تحاول ضرب قوىً وطنية مستقلّة..
س: أنت معروف بمقولة شهيرة وهي "أنّ العالم يستطيع أن يسحقني ولكنّه لا يأخذ توقيعي". ألا تعتقد أنّ الوقت قد حان لكي تتوقّف هذه الدراما الإغريقية وتتصالح مع الواقع بدلاً من أن تستمرّ في مواجهته؟
ج: كل الحروب التي تشن علينا هي حروب إلغائية، وعندما تكون نية الإلغاء موجودة فمن الأفضل ان يتمّ سحقي على أن أستسلم. إذا سرق أحدهم منزلك، لا يجوز القول إنّك وهبته.. أن يكون مسروقاً يبقى لك الحقّ في المطالبة باسترداده..
س: ولكنّك مسؤول عمّا يحصل معك أحياناً.. خصومك يتّهمونك بأنّك لا تجيد الحساب جيّداً، ولا تجيد قراءة المعطيات المحلية والإقليمية والدولية، ولا تتكيّف مع مجريات الرياح وموازين القوى.. لا يجوز أن يكون الرجل السياسي شجاعاً ومغامراً دائماً، بل يجب أن يكون حكيماً وعقلانياً أيضاً.. تبدو وكأنّك تغلّب روح المغامرة والمثالية على القراءة الموضوعية والواقعية..
ج: عند عودتي من فرنسا، أردنا إبرام تفاهم على عدّة مواضيع خلافية داخلية لتتمّ حللحلتها، وبالتالي نتوصّل إلى بناء الدولة، فأين الروح الحربية في ذلك؟ يومها أدخلنا بنداً يختصّ بسلاح حزب الله الذي شكّل موضوع خلاف، فقلنا إنّه يجب البحث فيه من ضمن استراتيجية دفاعية كاملة متكاملة. تكلّمنا حوالي 6 سنوات عن الاستراتيجية الدفاعية لتقييم إذا كنّا بحاجة لسلاح الحزب في الدفاع عن لبنان، فيما يتكلّم الآخرون عن سحب سلاح حزب الله من دون أي خطّة بديلة. نحن نتكلّم عن استراتيجية دفاعيّة قد يكون حزب الله جزءاً منها أو قد لا يكون، فيما الآخرون يريدون سحب سلاح الحزب، وترك الدّفاع عن الوطن لله..!!
س: ولكن هناك معارك تبدو جليّاً أنّها خاسرة، وأنت تخوضها حتّى النهاية..
ج: أعطني مثلاً..
س: يتكلّمون عن حرب التحرير وحرب الإلغاء وصولاً الى معركة الرئاسة اليوم والتعيينات الأمنية.. فلو كنت تعتمد شيئاً من البراغماتية لكنت تفاديت الوقوع في الكثير من الأمور..
ج: لو أردت التعاطي بالبرغماتية الحيوانية، لكنت وافقت على كلّ شيء.. هناك البرغماتية الواقعية للإنسان وهناك واقعية الحيوان، وواقعيّة الحيوان تعني أنّه يقبل بكلّ ما يُرمى له، أمّا واقعيّة الإنسان فتدفعه إلى دراسة محتوى واقعه، قد يكون جيداً في مكان وسيّئاً في مكانٍ آخر، وعليه أن يدافع عن الجيّد، وإبعاد السيّئ.. هذه واقعية الإنسان، فعلى الإنسان أن يكون إيجابياً بطبعه، ولا يرضى بما يُفصّل له.. أنا لست قدرياً، فأنا اؤمن بحريّة الإنسان التي أعطانا إيّاها الله والتي على أساسها يحاسبنا.. لو كنت قدرياً، لما تحمّلت مسؤوليّة أي شيء..
س: ولكن من يراقب مسيرتك السياسية، يرى أنّك تخرج من كلّ معاركك إمّا خاسراً وإمّا شهيداً سياسياً..
ج: لم أكن يوماً شهيداً سياسياً.. أرادوا تحويلي إلى جثّة سياسية في 13 تشرين 1990، ولكن لم ينجحوا..
س: لماذا تتوجّه إلى الخيارات الانتحارية في حين أنه يمكنك ان تكون شريكاً في الأرباح؟
ج: ماذا تعني بالحصص؟ هل هي أرزاق نتقاسمها؟ ما هي الحصيلة المعنوية لأي سياسي لبناني؟ وعلامَ يختلف السياسيون؟
س: لو إنّك تعاملت بمرونة مع ملف التعيينات الأمنية، وتفهّمت ضرورات التمديد لما كنت وصلت إلى هنا..
ج: ما هي ضرورات التمديد؟
س: ألا تعرفها؟ هل تعتقد أنّ كل القوى السياسية قررت التمديد من دون أي سبب وجيه؟ هناك ضرورات داخلية وإقليمية ودولية وعلى رأسها الحفاظ على المؤسسة العسكرية.
ج: أنا أختلف في هذا الموضوع.. أنا اعرف الضبّاط جيّدا، وأعرفهم جميعاً ومن دون استثناء، وقد يكون بعضهم أفضل من الآخر، ولكن هناك كثر قادرون على تولّي القيادة. هل يعقل ألاّ يكون في الجيش ضباطٌ يستطيعون تولّي القيادة؟؟ أهمّ القادة في العالم تمّ تغييرهم أثناء المعارك وكان التغيير سبباً للانتصار .
س: لا علاقة للموضوع بالكفاءات، إنّما بعدم التوافق على إسم ليتولّى القيادة..
ج: عدم التوافق مصطنع.. القانون يفرض التعيين ومن واجبات الحكومة احترام القانون والقيام بالتعيين لو اضطرّها ذلك إلى العمل ليل نهار..!! نحن لا نتعامل مع عدو لنواجهه بالبندقيّة أياً تكن الظروف.. يجب تقديم الأسباب الموجبة للتمديد..!! طلبنا منهم أختيار السيرة الذاتية لأفضل 5 ضبّاط وتعيين الأفضل من بينهم.. إن لم تكن هذه الصورة كافية لتعيين قائدٍ جديد فلا داعي لجيش، ولا داعي للحكم ولا داعي للوطن أيضاً..!!
س: ولكن أنت فرضت التوافق كشرط أوّل لسير العمل الحكومي، وهم يقولون إنّه وفقاً لشرطك، لم يحصل التوافق على اسمٍ جديد لقيادة الجيش..
ج: هناك معايير يجب اتّباعها في كلّ الأمور.. لقيادة الجيش معايير مهنيّة مهمّة ومنها قدرته على القيادة، وطريقة عمله، وطريقة قيادته للوحدات التي تولاها، وتاريخه.. لا يمكن ان يتمّ طرح إسم لتولّي القيادة وهو لم يشغل يوماً موقع قيادة فصيلة.. يجب اختيار الأفضل للموقع عبر دراسة السيرة الذاتية لكلّ الأسماء المطروحة..
س: ولكن الأمر يحتاج إلى أكثرية الثلثين بأقلّ تقدير لإقراره..
ج: المشكلة ليست بالعدد داخل الحكومة، فهذه من الأمور البديهية، إنّما المشكلة هي بالمعايير الواجب اتّباعها في إقرار التعيينات.. يجب معالجة المعايير..
س: ما حصل قد حصل..
ج: لم يحصل لمرّة واحدة فقط، فقد تتكرّر الأمر وأصبح عادة.. كلّ أجهزة الدّولة صارت "ممغوطة"، وبقدر ما "مُغطت" بتنا نخاف من أن تنقطع.. (ضاحكاً)
س: كيف تفسّر انّ القوى السياسية التي عملت على إنضاج التمديد ذهبت في خيارها حتّى النهاية.. هل تشعر بأنّ هناك إيحاء بأنّك لم تعد رقماً صعباً ومن الممكن تجاوزك بسهولة؟
ج: عليك أن تراقب ما كتبته الصحف في اليوم التالي.. الصديقة منها والمختلفة معنا سياسياً.. كلّ الصحف تكلّمت عن كسر العماد عون بإيحاءات خارجيّة، وبعضها كتب أنّني لن أتجرّأ على النزول إلى الشارع لأنّ الجيش سيكون لي بالمرصاد.. لمَ وجّهت كلمة لقائد الجيش نبّهته فيها على عدم زجّ الجيش في وجه الشعب اللبناني؟ لم يكن من داعٍ لأقول هذا الكلام لو أنّ الممارسة كانت صحيحة، ففي المرّة السابقة كانت عناصر قوى الأمن الداخلي تقف في الصفوف الخلفية، فيما تقدّم الجيش وضرب شباب التيار..
س: مرّت التظاهرة على خير..
ج: طبعاً مرّت على خير بالرّغم من توافد الناس من جميع المناطق اللبنانية.. نحن شعب راقٍ ولا نحتاج لعناصر أمنية لضبط الأمن حيث نكون..
س: أو لأنّ التظاهرة كانت هزيلة كما وصفها خصومك..
ج: صوّروا الساحة قبل وصول المتظاهرين.. (ضاحكاً)
س: قيل الكثير في هذا الموضوع، ومن بين ما قيل انّه لم يعد لديك أيّ تاثير على الشارع..
ج: فليقولوا ما يشاؤون..
س: ما هو توصيفك لتظاهرة ساحة الشهداء؟ هل كانت على قدر توقّعاتك؟
ج: فاقت التوقّعات.. نحن لم نرسل وسائل نقل للناس. أن تطلب من الشعب ملاقاتك، فتجد السيّارات تقفل الطرقات لملاقاتك.. هؤلاء دفعوا من جيوبهم لملاقاتنا.. ماذا يمكن أن نقول عنهم؟ ماذا عمّن بقوا في مراكز التجمّع لأنّه لم يكن هناك من حافلات لنقلهم؟ فليتركوني أنا لأقدّر قيمتي عند الشعب اللبناني، وأعتقد أنّ إحساسي أصحّ ممّا قيل وكُتب..
س: البعض يعتبر أنّك رسبت في امتحان الشارع.
ج: فليقولوا ما يشاؤون.. أنا اقبل التحدّي، وسأضاعف العدد في كلّ مرة.. ففي المرّة الأولى كانوا حوالي 5000 في مواكب سيّارة، وفي المرّة الثانية قالوا إنّ العدد حوالي 60 شخصاً.. لا ضير في ذلك، ونحن مستعدّون لخوض هذا التحدّي عشرات المرّات..
س: ما هو أفق هذا التحرّك؟ إلى أين تريد الوصول؟
ج: أريد الوصول حتّى النهاية.. أنا أقوم بحركة اعتراضية مع الشعب اللبناني، وهي حركة سلمية غاندية، ولكن إذا استمرّ الابتزاز، فسيكون لكلّ حادث حديث..
س: وما نهايتها؟ قد تصبح هذه التحرّكات اعتياديّة فتتآلف معها الناس، وكذلك الأمر بالنسبة للقوى التي تُوجّه ضدّها هذه التحرّكات..
ج: عندها انا استقيل.. إذا وصلت الأمور إلى الحدّ الذي تصفه، انا اغادر..
س: ناقل الكفر ليس بكافر.. فجريدة المستقبل عنونت اليوم "يا عيب الشوم"..
ج: علامَ؟
س: على التحرّك الذي حصل، وعلى اليافطات التحريضية وذات الدلالة الطائفية، وعلى أدائكم في الحكومة.. كلّ هذه الأمور..
ج: التكلّم بهذه الطريقة عن تظاهرة ضمّت حوالي 10 آلاف شخصاً يدلّ على الكثير من الإنزعاج.. ناهيك عن الذين اتوا من طرابلس والذين سبق ورأوا الويلات هناك من مسّ بالديانات والخطابات الطائفية والتحريضية، وحرق أشجار عيد الميلاد.... لم نسمع احداً من تيار المستقبل يستنكر هذا الكلام، لم نسمعهم يستنكرون تكفير المسيحيين والإيعاز بعدم معايدتهم في أعيادهم.. هل من الممكن ان نعتب على مسيحي سبق واستُفز من كلّ هذه الأمور وردّ عليها في مناسبة معيّنة؟؟ بكلّ الأحوال، لا يمكن للمرء أن يضبط كلّ الأمور في تظاهرة، نحن مسؤولون فقط عن الشعارات الموقّعة من قبل التيار..
س: إذاً أنت لا تتبنّى هذه الشعارات؟؟
ج: كان هناك الكثير من الكلام، ولكن الخطاب الرسمي للتيّار عبّر عنه المنسّق العام الدكتور بيار رفّول، وكذلك تصاريح النواب النواب والوزراء..
س: هناك صورة أدّت الى إشكالية وهي صورة علم تيّار المستقبل كُتب عليه "الدولة الإسلامية إمارة لبنان". ما قصّة هذه الصورة الظاهرة على الشاشة والتي كُتب عليها "ألوان الدولة الإسلامية" والتي ديست بالأقدام، وما قصّة صورة علم التيار الوطني الحرّ الذي ديس بالأقدام أيضاً؟
ج: في مراقبة للصورتين، نلاحظ أن نفس القدم تدوس على العلمين، مما يؤكد أنها صور مفبركة..
س: ماذا يعني ذلك؟
ج: نفس الفبركة اعتُمدت في الصورتين.. هذه الصورة استفزازية وهدفها إثارة الفتنة..
س: رُفعت دعوىً عليك بسبب هذه الصورة..
ج: أنا ايضاً سأرفع دعوىً عليهم بسبب الصورة الثانية.. بمجرّد أن يدوس أحدهم على هذه الورقة، أصبح انا المسؤول عن أفعاله؟ لمَ هم ليسوا مسؤولين عن أفعال من داس على علم التيار؟؟
س: ولكن هذا كله لا ينفي أنه كان هناك نفسٌ تحريضي وطائفي في ساحة الشهداء. أليس هذا الأمر مخيفاً؟ ألا تعتبر أنّك تستفزّ تيار المستقبل بهذه الطريقة؟
ج: لماذا أنا أستفزّه؟! أنا لستُ مسؤولاً عن كلّ خطايا العالم. ماذا حصل مع البقية في كلّ الحوادث السابقة؟ لنفترض أن الّذين حملوا هذا الشّعار قد أخطأوا، ولكن كم من الشّعارات القبيحة التي تم التوجه بها إلى المسيحيين في الأحداث، وكم استفزونا؟! ولكننا ضبطنا الأمور إلى أقصى درجة، ولم يحصل أيّ حادث ردّ على هذا الموضوع. لذلك يجب أن يشكرونا ونحصل على تنويه من الشّعب اللّبناني.
س: ولكن الجو كان مخالفاً تماماً في مجلس الوزراء، فنهاد المشنوق، وأشرف ريفي، ورشيد درباس، وغيرهم (مع حفظ الألقاب للجميع)، جميعهم حاربوا تحرك التيار الوطني الحرّ وخطابه السياسي.
ج: كنتُ أودّ أن أسمع منهم كلمة استنكار.
س: نهاد المشنوق قال نحن دفعنا دماً في مواجهة داعش، فيما أنتم تتفرّجون. فكيف تأتون اليوم لتتّهمونا بالداعشية السياسية..
ج: قل لي ماذا دفع هو؟
س: كونه وزيراً للداخلية فإنّه رأس حربة في هذه المعركة ..
ج: نعم، ولكن لا تزال عرسال كما هي، وقد قُتل اليوم قائد الجيش الحرّ في عرسال، فماذا كان يفعل إن لم يكن هناك من إرهابيين في عرسال؟! هل تعلم لما كلّ هذا الفجور؟
س: لماذا؟
ج: لأنهم "عاملين السبعة ودمّتها". وقد وجدوا اليوم ثغرة صغيرة ويريدون أن يبنوا عليها فصولاً.
س: ماذا تعني "السبعة ودمّتها"؟
ج: أي أنهم قاموا بكلّ شيء..
س: ماذا فعلوا؟
ج: من يضع الخطوط الحمراء؟! يقولون مثلاً، هذا مسموح وهذا ممنوع(...). أنا أعتبر أنّ التنكّر لشهداء المقاومة الّذين يسقطون على الحدود اللّبنانية هو أكبر تنكّر للوطن وللتضحيات، وللشهامة والشّهادة. ومن يعترض على هذه الشهادة يكون بمثابة من يدافع عن الإرهابيين.
لو تمّدد الإرهابيون أكثر وخرقوا الحدود ماذا كان سيحصل؟! لستُ أعلم ماذا كنت لأفعل كمسيحي لو خيّرتني داعش بين أن أرحل أو أعتنق الإسلام، ولكن ماذا بالنّسبة إلى المسلمين، فهل سيوالون أو تُقطع رؤوسهم؟!
س: الوزير بطرس حرب، قال لك بالأمس، أنا أرفض أن تضعني في موقف الذميّة، مشيراً إلى أنّ الدولة والجيش يحميانه، مضيفاً بالتالي أنه لا أريد من حزب الله هذا الأمر. وتابع متوجّهاً لك: "كفى تجارة بحقوق المسيحيين".
ج: هل أنا من أتاجر بحقوق المسيحيين؟
س: هذا ما يقوله الوزير بطرس حرب..
ج: بالطبع سيقول بطرس حرب ذلك، فكما يقول المثل: "وبالشّكر تدوم النّعم". هل تعتبره ممسكاً لوزارته؟؟
س: لقد قرّر الوزير بطرس حرب أن يعتكف عن المشاركة جلسات مجلس الوزراء، بسبب إصراركم على التّعطيل.
ج: سنرسل إليه وفداً لكي يأخذ بخاطره ليعود ويحضُر الجلسات، إذ أنّ هناك خوفاً من أن تتوقّف الهواتف من دونه..
س: كيف يقرأ العماد عون رسائل السيّد حسن نصرالله التي أطلقها في ذكرى الإنتصار اليوم. وان أردنا إختصار ما قاله السيّد نصرالله، يمكننا القول إنّ العماد عون خطّ أحمر في الإنتخابات الرئاسيّة، والحكومة وفي الشارع؟
ج: هذه الأمور التي قالها السيّد نصرالله تتعلّق بي، ولكن الحديث عن الإنتصار كان مهمّاً جداً. السيّد نصرالله قيادي إستثنائي، وتتميّز هذه الإستثنائيّة بأنّه رجل قرار في الوقت المناسب والحاسم، كما انّ إرتباطه بالقواعد المقاتلة مهمّ جداً، حيث انّه يواكبهم بقلبه وعقله، وهذا ما رأيناه في حرب تموز عام 2006. حتّى في الإنتصار كان متواضعاً، هو سيّد، سيد نفسِه وسيّد أعصابه. أحياناً لا تكفي الكلمات للتعبير، لأنّ الكلمة لا تستطيع دائماً أن تحمل كثافة الشعور وفي بعض الأحيان، يكون التعبير الأكبر صامتاً.
وبعد مرور 9 سنوات على توقيع وثيقة التفاهم، كنّا على توافق وتبادل دائم بالأفكار، من دون أن يحصل أيّ خلل، وذلك من خلال تعليقنا أو رؤيتنا للأحداث.. كلّ هذه الأمور تؤثر كثيراً.
س: لقد تأثرت مرتين في هذه الحلقة، في المرّة الأولى عندما تكلّمت عن الشهداء والآن عندما تتكلّم عن السيّد نصرالله، ممّا يعني انّ العلاقة بينكما تخطّت السياسة؟
ج: بالتأكيد، وانزعج كثيراً من الذين يشكّكون بتصرفات السيّد نصرالله، وذلك عندما أسمع الخصوم يسألون عن حلفائي وعن سبب غيابهم في مواضيع معيّنة، ومن غير المسموح لأحد أن يسألني عن مواقف السيّد نصرالله.. أثق كثيراً به وهو يبادلني هذه الثقة، ونحن مرتبطون من المرّة الأولى بكلمة شرف فقط..!
س: هذا الكلام على الصعيد الوجداني، أمّا على الصعيد السياسي، كيف ستنعكس رسالة "الدعم المفتوح" لكم التي أطلقها السيّد نصرالله على إستراتيجيّة وتكتيك العماد عون في المرحلة المقبلة، هل ستصبح أكثر تصلّباً في مواقفكَ وتجذرّاً في خياراتكَ؟!
ج: لقد أصبحت مواقفي واضحة ومُعلنة، وسنستمرّ بالمطالبة لتحقيقها. وان حصل تصعيد معيّن سيكون من أجل هذه المطالب، لأنّه لا يمكن أن يستمرّ هذا البلد في ظلّ اللاستقرار، ونحن ندفع ثمن هذا الإستقرار من خلال السكوت والقبول بواقع معيّن. كما ونجد عند الفريق الآخر نوعاً من الوقاحة، ولا يمكن أن نقبل باستمرار الأشياء الشاذة.
س: يتّهمونكم بتعطيل رئاسة الجمهوريّة، وتعطيل الحكومة..؟!
ج: لا يمكن أن يأتي بعد اليوم رئيس للجمهوريّة لا يمثّل المكوّن الذي ينتمي إليه، لم نتكلّم عن صلاحيّاته أو أيّ أمور أخرى، بل عن تمثيله، وهذا الأمر موجود عند الشيعة والسنّة، وهكذا يجب أن يكون عند المسيحيين.
س: في حال فرضت التسوية في المنطقة رئيساً توافقياً في لبنان، ماذا تفعل؟
ج: ماذا يقصدون بالرئيس التوافقي..؟! الرئيس التوافقي يعني انّه ليس رئيساً، وعليه أن يسترضي الجميع في كلّ قرار ومناسبة!
س: هناك حديث عن حِراك إقليمي كبير وواسع يمهّد إلى تسويات سيصل صداه إلى لبنان عاجلاً أم آجلاً؟
ج: نقبل بأن تكون التسوية متساوية عند جميع الطوائف، أيّ نقبل برئيس توافقي اذا شملت تسوية التوافقية الجميع، فتطبق ايضاً في اختيار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ، فيكونون كلهم توافقيين ولا يمثلون الأكثرية في طوائفهم.
س: أكّد السيّد نصرالله في كلامه اليوم انّ "حزب الله يرفض كسر وعزل أيّ من حلفائنا، خصوصاً من وقف معنا في حرب تموز، ونبّه إلى انّ التيار الوطني الحر قد لا يبقى وحده في الشارع إن لزم الأمر" وتوّجه إلى خصوم العماد عون بالقول: "لن تستطيعوا كسر العماد عون أو عزله".. كيف سيتلقى الفريق الآخر هذه الرسالة، وهل تعتقد انّه سيُحسِن قراءتها، ويُغيّر في طريقة التعامل معكم؟
ج: انّ الفريق الآخر يراهن في جميع المقابلات والأحاديث انّ حلفاء العماد عون تركوه وحيداً.. واليوم جاء الردّ من السيّد تصرالله. عندما تريد أن تغشّ الكاذب قل له الحقيقة، لأنّه يعتقد أنّ الجميع كاذبون مثله، أمّا الصادق يقتنع بالصادق.. وانا أقتنع وأثق بالسيّد نصرالله.
س: لقد حدّد السيّد نصرالله اليوم أسساً لقيام الدولة، من خلال العدالة، والطمأنينة، والشراكة الحقيقية للجميع بعيداً عن الغبن والعزل، وانّه لا يوجد ما يُسمّى "طائفة قائدة" في لبنان.. لمن يتوّجه السيّد في كلامه؟!
ج: هذا الكلام يمثّل المطالب التي نريدها.
س: من يمثّل "القائد المُحتكِر" في لبنان؟
ج: "القائد المحتكر" يعني عندما تقوم أكثرية معيّنة بعزل شخص عن ممارسة حقوقه في السلطة، تماماً كما يحصل معنا. هناك قاعدتين لتحديد الحقوق، وهما الميثاق والدستور. الميثاق بالممارسة والدستور بنصوصه. في الميثاق، هناك تشاور وارجحيّات بالقرار للطوائف بما يتعلّق بهم.. وقد ألغوا الأرجحيّات عند المسيحيين منذ 10 سنوات حتّى اليوم! للأسف، جميع الوسائل التي إستخدمناها في التعاطي مع الآخر باءت بالفشل، ولم يبق أمامنا سوى خيار الشارع.. وفي كلّ مرّة سيتضاعف عددنا وصولاً إلى اليوم الذي سينزل فيه كلّ اللبنانيين إلى الشارع، من رجال ونساء واطفال، ونستطيع أن نقفل الشارع بأجسادنا..!
س: هل سنشهد "تسونامي" مقبلة في حال رفضوا التجاوب مع مطالبِكَ؟
ج: نعم، هناك "تسونامي مقبلة"!
س: هل ما زال العماد عون يمكنه أن يكرّر "تسونامي" يوم العودة من فرنسا؟
ج: نعم، نستطيع أن نكرّر هذا الأمر.. عام 1902 كان "غاندي" تلميذ حقوق في لندن وتعرّف على "نهرو" الذي تسلّم الهند بعده. قرّر "غاندي" انّ يحرّر الهند، ونجح بذلك عام 1948، وكان أهمّ ما قام به من أجل التحرير، هو قطع سكّة الحديد الوحيدة والتي تربط الهند، قطعها مع المتظاهرين بأجسادهم ، تمددوا عليها بهدوء ومن دون أي عمل عنفي.. كلّ التحركات التي نقوم بها سلميّة، فهل يريدون منّا أن نقوم بتحركات "داعشية" ليشعروا بوجودنا؟؟!!
س: هل تصف تيار المستقبل بأنّ تصرفاتهم تدلّ على الداعشيّة؟
ج: عندما تصف الشخص بـ "داعش" من الممكن أن يكون قد تبنّى سياسته! من رفض أن يفهم لغة اللاعنف، كيف يمكنه أن يفهم..؟! وعندما ينكر عليك حريتك ولا يعترف بك، كيف يمكن أن تصفه؟! انّ تيار المستقبل لا يقرّ بالآخر، بل يريد سحب الجميع إليه!
س: لا تخاف انّ هذا الكلام يمكنه أن يدفع قواعد تيار المستقبل إلى التطرّف؟
ج: تيار المستقبل من دفعنا إلى التطرّف، اسمع التصاريح التي أدلوا بها في الأيام الأخيرة..!
س: من التصاريح، نذكر ما قاله الوزير أشرف ريفي "انّه إذا بقي الجنرال في معركة دونكيشوتية، ويقاتل العماد قهوجي، سيوصله إلى رئاسة الجمهورية" وقال الوزير المشنوق "نحن من نحارب داعش، بينما التيار الوطني الحر مجرّد مشاهد" والنائب محمد كبارة "عون يلفظ أنفاسه السياسيّة الأخيرة" واشار فريد مكاري "لا ألوم ميشال عون، بل ألوم الشعب الذي لا يزال يسمع له" أمّا الوزير المعتدل رشيد درباس فقال "الكلام الذي صدر قرب ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا يملك أدنى شعور بعواطف الناس.. ألم تستحوا أن يخرج الرئيس الشهيد من ضريحه ويقول لكم يا عيب الشوم.." بالإضافة إلى أطنان من الكلام الموّجه ضدّكم؟!
ج: كمّ من مناسبة مرّت على لبنان، ويمكننا ان نقول فيها لكل هؤلاء الأشخاص "يا عيب الشوم!!" تذكرون في طرابلس، كيف قالوا لنا إنّنا كفّار وكيف أحرقوا شجرة عيد الميلاد، وكيف كفِّر المسيحيون في الخطابات وعلى شاشات التلفزيون وكيف لم نسمع أي استنكار من المستقبل لمثل هذه الأمور، وغيرها الكثير.. فعلاً "يا عيب الشوم"
س: هناك سؤال يطرحه الكثيرون، ان كانت المعركة التي يخوضها العماد عون هي لإستعادة حقوق المسيحيين، وان كانت هذه المعركة فعلاً مصيريّة كما تصفونها.. كيف تفسّر عدم إنخراط القوى المسيحية الأخرى معكم في هذه المواجهة؟! إيقاع بطيء للكنيسة المارونية، ولم نسمع أيّ كلام من جانب القوات اللبنانية، والكتائب ضدّكم، أمّا النائب فرنجية فبعيد نسبياً.. ألا تشعر كلّ هذه القوى المسيحيّة بنفس الخطر الذي تشعرون به؟!
ج: القوى المسيحية الأخرى حرّة في مواقفها ولا ألزمها بأي موقف، أنا أنزل لأدافع عن حقوقي، ومن يريد أن يشاركني، فليفعل.. ولكن كلّ موقف له نظرة خاصّة من الناس، ومن يضحك، يضحك أخيراً..! انّ سرعة إستيعاب الحدث وابعاده تختلف بين شخص وآخر، وبين مؤسّسة وأخرى، وهناك من يشعر بالخطر قبل غيره، لذا مهمّة إقناع الناس تتطلّب مزيداً من الوقت وصولاً إلى التفاعل في المستقبل.
س: حذّر السيّد نصرالله من خطر التقسم في المنطقة، واعتبر انّ المشروع الأميركي يستفيد من داعش من أجل تغيير خريطة المنطقة وتفتيتها، واشار إلى انّ الردّ المناسب يكون بالوحدة الوطنيّة، والدفاع عن النفس.. هل تشاركه الرأي في هذا الهاجس؟
ج: في رسالة الإستقلال، عام1989 ، توجهت للبنانيين بالقول "سنسعى بعد إنسحاب الجيش السوري لإرساء أفضل العلاقات مع سوريا" وكنا في حينه تحت المدفع، وبالرغم من صعوبة الموقف، هذا كان كلامنا.. وعندما ذهبنا إلى سوريا، إحترمنا الكلام الذي سبقَ وقلناه، والذي يجسّد قناعاتنا.
س: انّ كلّ المنطقة مهدّدة اليوم، من العراق إلى سوريا، واليمن حتّى السعودية، التي ستواجه خطر التقسيم، كما قال السيّد نصرالله.. إذاً كيف يجب أن نواجه هذا التحدّي، والا يؤثّر هذا الأمر بالعماد عون كي يعيد النظر قليلاً بأولوياته في الفترة الحالية؟
ج: كيف يمكن أن يدافع الشخص عن نفسه وعن بلده، وهو يتعرّض للطعن داخلياً في كلّ يوم..!! ألا يجب على الشخص ان يؤّمن نفسه قبل أن يدخل في المعركة الخارجيّة؟! من الضروري تأمين الخلفيّة الصحيحة والاّ ستخسر الحرب حتماً.. وهذه الخلفيّة عليها أن تأتي من خلال الحوار مع الآخر، ومن خلال إعطائه حقوقه الطبيعية وليس عبر الإستئثار بالسلطة بأكثرية لا تمثّل حقيقةً الشعب اللبناني، حتّى لو حصلت على القانونيّة في الممارسة، هناك فرق بين الشرعية والقانونية!
س: في سياق ردّ سعد الحريري على كلام السيّد نصرالله، أوحى انّ العماد عون يعيش في وهم الإستهداف، وذلك عندما قال "إخترعوا مقولة انّ هناك جهة تريد عزل العماد عون وكسره، فبركوا هذه الكذبة وصدقوها وجعلوها باباً مشرعاً للتحريض على تيار المستقبل"؟
ج: ليست المرّة الأولى التي يتصرف بها الحريري بهذه الطريقة.. واذكّره انّنا أول كتلة مسيحية، وثاني أكبر كتلة برلمانية، ولم نحصل في السنوات الستّ في عهد ميشال سليمان على أيّ وزارة سيادية..! هذا لا يُسمّى إستهدافاً؟! بدأ الإستهداف منذ عام 2005 ومع تأليف أول حكومة بعد عودتنا إلى لبنان.. يعانون من ضعف كبير في الذاكرة!
أرادوا إعطاءنا وزيرين في الحكومة، ونحن نمثّل 72 % من المسيحيين! أرادوا أن يزيحوا الياس سكاف والأرمن لخلافات شخصية معهم .. فقلنا لهم انّه لا يجوز ان تُحكم البلد بروحٍ ثأرية!
س: انّ الفريق الآخر يعتب عليكم، لأنّكم أطحتم مع حلفائكم بالرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة..؟
ج: حصل خلاف في الحكومة، وسقط الحريري.
س: هذا يعني انّكم في مرحلة معيّنة، أقصيتم الحريري من السلطة؟
ج: هذه الممارسة شرعية وقانونية، إذ تحجب الثقة من الحكومة وتستقيل، هذا التدبير القانوني موجود في الدستور.. أمّا ما قاموا به فهو خروج عن الميثاق، من خلال توزيع 4 وزراء، 2 مسيحيين و2 مسلمين على الوزارات السيادية، وانا اعارض هذا التصرف.. ما هو السبب لعدم حصولنا على وزارة من وزارات الداخلية، والمالية..؟! حصلنا في أول حكومة على وزارة الإتصالات، ولكن لا نعرف سبب منعنا من الحصول على الداخلية والمالية!
س: وماذا عن التعيينات الأمنيّة؟
ج: ما هي الوظيفة الأساسيّة في التعيينات الأمنية لدى المسيحيين، التي طرحتُ فيها إسماً ونجح بالوصول؟! علماً انّني إخترت من النخبة الموجودة لإيصالها!
س: يقولون دائماً انّ العماد عون يمزج بين الطموحات الشخصية العائلية وبين الحقوق المسيحية؟
ج: انّ الوضع الحالي هو حالة خاصّة، فلا من قريب لي في قوى الأمن أو في القضاء.
س: هناك سؤال يُطرح عن سبب التركيز في هجومكم على تيار المستقبل، خصوصاً بعد التمديد للقادة العسكريين، في حين انّ هناك الكثير من القوى السياسية التي شاركت في هذه "الطبخة" منهم خصوم ومنهم حلفاء، أمّا العماد عون يتجاهل الجميع ويركّز الحملة على المستقبل؟ لماذا هذه الإزدواجيّة في المعايير؟
ج: أختار من لا يكون صادقاً معي..! لا أفتري على أحد، وقد إتفقنا على مسار معيّن لتنفيذ تفاهم بيننا، واخلّوا بالعهد.
س: يقول مقربون من سعد الحريري وتيار المستقبل انّ في السياسة لا وجود لأخلاقيات، هناك مصالح وحسابات، وعندما حان وقت تنفيذ الوعود التي تكلّمت عنها، إكتشف الرئيس الحريري ربما انّه لم يستطيع ان يحصل على كلّ ما يريده، وبالتالي غيّر رأيه.. أليست هكذا هي السياسة؟!
ج: لا يمكنه أن يرتبط بعقد، ويعود فيما بعد ليُطالب بأمور أخرى، فكان عليه أثناء العقد وضع كلّ الشروط.. اذا كانت كلّ الأمور مرتبطة بالمصالح وخالية من الأخلاقيّات، فلا يعود هناك وطن، ولا يستشهد أحد من أجل بلده، وانتم تدركون تماماً أهميّة الأخلاقيّات.
س: هل قطعت التجربة المريرة ، وفق توصيفك لخطة في الحوار مع الرئيس سعد الحريري، الطريق أمام أي فرصة أخرى. أو بشكلٍ أوضح، هل من شروط أو اعتبارات محدّدة يطلبها العماد عون من أجل استئناف الحوار مع رئيس تيار المستقبل؟
ج: القسم الأوّل من التفاوض الّذي قمنا به مع تيار المستقبل انقطع بسبب مداخلات خارجية،
س: لقد كان الحوار آنذاك يتعلّق برئاسة الجمهورية؟
ج: نعم. أمّا بالنسبة للحوار الثاني المتعلق بقيادة الجيش، فكان هناك تفاهمٌ تام عليه، وقد قمنا بما علينا مع الحلفاء، لأنه كان هناك قسمٌ يخصّ سعد الحريري، ويتعلق بمدير قوى الأمن الدّاخلي. وقد تحدّثنا مع الجميع، وتفاهمنا على هذا الأمر وتوافقنا عليه. إلاّ أن التمديد حصل.
س: نعم، ولكن هل هناك من شروط لاستئناف الحوار مع الرّئيس سعد الحريري؟
ج: أنا لا أضع شروطاً لاستئناف الحوار. ولكن كيف سيبرّر عدم وفائه بكلامه؟ بالنسبة إلينا، وكما قال السّيد حسن نصرالله، فإنّ الأخلاقيات مهمة جدّاً، ونحن لدينا نفس المفهوم للأخلاقيات الّتي هي فوق القانون. الأخلاقيات تفرض التزامات أكثر من القانون. القانون قد يسمح بأمور كثيرة لا تسمح بها الأخلاقيات. معظم اللّبنانيين سيتفاجأون بأنّ التفاهم بيننا وبين السّيد حسن نصرالله لم يُوقّع على ورق إنّما كان كلمة. كان عبارة عن كلمة وقد بقيت الكلمة.
س: أي أنها كانت كلمة شرف.
ج: يسمّونها كلمة شرف، ولكنّنا لم نحدّدها. نقول إنّها كانت كلمة استمرّت بالأخلاقيات. وهذا الأمر سيفاجئ كلّ اللّبنانيين الّذين يظنون أنّنا وقّعنا على أوراق بوجود شهود وربما كاتب عدل. ولكن لا، كلمتنا كانت كافية.
س: أي أنّ هناك أزمة ثقة بينك وبين الرّئيس سعد الحريري اليوم؟
ج: هناك أزمة ثقة مع الأغلبية، لأنّنا نتعاطى من منطلق مبادئ فيما يتعاطون هم من منطلق مصالح. وأغلب الأحيان تكون المصالح مخبّأة. من هنا فإنك لا تعرف من أين ستبدأ مع الطّرف الآخر، فلا تعرف أين هي مصلحته، وقد تظن أحياناً أنّك تسير معه خصوصاً أنّ حديثه الشفهي يشبه حديثك، فيغشّك. وترى في النهاية أنّك تلقّيت المقلب.
س: ما هي هذه الأشياء المخفية؟
ج: عندما يقول لك إنّك على حقّ في هذه النقطة، ويصرّح بذلك، ثمّ ترى أنه شرد بعد ذلك.
س: بعد التمديد أو تأجيل التسريح للقادة العسكريين، قيل أن هناك قراراً إقليمياً دولياً كبيراً بكسرك. إذا أردنا أن نظهّر هذا الكلام، ماذا تقول؟! فهل تقول أن استهدافك، وعدم الإستجابة لمطالبك يأتي في إطار الإشتباك الإقليمي؟
ج: كلاّ، لا أعتقد وهذا الكلام ليس سوى تبرير ل"ضرب" غير نظيف معي. هم يحاولون إخافتي بالقول إنّ هناك قراراً محلياً وإقليمياً بكسر العماد عون. وحتى قبل حدوث المظاهرة، استنفروا الجيش ضدّي لكي "يطبشوني"، واتّهموني بأني أريد أن أهدم الجيش. لذلك قلتُ حينها كلاماً صارماً باتجاه قائد الجيش.
أنا في العادة لا أتوجّه لقائد الجيش بمثل هذه الطّريقة، ولكنهم وضعوه "فزّاعة"، فيما هو لا يتكلّم، خصوصاً أنه حصلت حادثة مع الجيش وقد ضُرب شباب التيار بطريقة كمين.
س: هل هناك بصمات سعودية أو أميركية في قرار تأجيل تسريح القادة العسكريين؟
ج: لا أعتقد ذلك.
س: أي أنّ كل تلك المسألة هي صناعة محلية برأيك؟
ج: بالتّأكيد. فهل ستقول لي مثلاً أن الأميركيين أو الفرنسيين أو السعوديين لا يعرفون كلّ ضباط الجيش اللّبناني؟! ولكن هناك مصالح فئوية هنا.
س: ولكن الوزير نهاد المشنوق أبلغ الوزير الياس بو صعب عن رأيه وقال له أثناء الجلسة، لقد أخبرتك في مكتبي يا الياس أنّ هناك دولاً كبرى وصُغرى لها علاقة بقرار التمديد هذا..
ج: ونحن كلّما سمعنا خبرية كهذه تصغُر قيمة الوزير في نظرنا. لماذا يقوم شخصٌ بتولّي منصب وزاري، ويتحدّث بالسيادة والاستقلال أمام الشعب اللبناني إذا كان كذلك؟
س: لماذا تبدو متفاجئاً بهذا الموضوع؟ دعني أقدّم لك مقاربة في هذا الشّأن. النظام اللّبناني ككلّ ليس صناعةً لبنانية، فهذه التركيبة لم تكن يوماً صناعةً وطنية أو محلية، فإذا بدأنا من مؤتمر "فرساي" الّذي حصل منذ عقود، إلى اتّفاق القاهرة الّذي حصل في مصر، واتّفاق الطائف في السعودية، وأخيراً اتّفاق الدوحة في قطر. كل تلك الأمور توصلنا إلى استنتاج أن كل شيء مستورد. لذلك ألا تعتقد أنّ كلّ هذا التحرّك الّذي تقوم به ليس له مفعولاً في ظلّ أزمة مظهرها داخلي فيما مخرجها بيد الخارج؟
ج: من هي أدواتها؟
س: أدواتها داخلية.
ج: حسناً إذاً، فالخيانة داخلية. لا يمكن للعبة دولية أن تمرّ إلاّ بأدوات داخلية.
س: هل تعتبر أنّ هناك خونة في الحكم اليوم؟
ج: فلتخبرني متى تآمرت مع قوة خارجية على فريق سني أو شيعي أو يهودي أو أيّاً كان؟
س: هل هذا يعني أن هناك خونة في التركيبة الحالية الموجودة في السّلطة؟
ج: بالطّبع، فهم ينفّذون أوامر سلطة أجنبية لتحجيمي. ماذا فعلتُ لهم؟! ولماذا يجب أن أُحجّم؟ فهل عملتُ لصالح اسرائيل أو أميركا؟! ضدّ أيّة فئة لبنانية عملتُ أنا؟!
عندما أقمنا الاتفاق مع حزب الله، دعوْنا السنة لكي يطّلعوا عليه، فجاء في جريدة الحياة صباح اليوم التالي، مقالاً تحت عنوان"اتّفاق شيعي- ماروني ضدّ السنة".
س: البعض يرى مطالبك مشروعة ومحقّة، ولكنه يجد في الوقت عينه أنّ أفقها مسدود، خصوصاً أنّ هناك من يقول بأنّ الدولة اليوم محكومة بقاعدتين، الأولى هو أنه، ممنوع اسقاط الحكومة، والثانية هي أنه ممنوع تهديد الاستقرار وتغيير قواعد اللّعبة.
ج: ليس هناك ما هو ممنوع . نحن من نضع الممنوع، ممنوع أن يقع لبنان في مسلسل النار والدّمار والحديد ويجب أن يبقى مستقرّاً.. إذاً، نحن من نصنع استقرارنا ولا أحد يفرضه علينا.
س: ولكن هل يمكننا أن ننكر أنّ هناك مصالح خارجية تحمي الاستقرار؟ أوليست موجودة؟
ج: هي لا تحمي الاستقرار. ليسوا هم من يحمي الاستقرار إنّما نحن من نحميه.
س: ولكن أصحاب هذا المنطق يقولون إن من حقك أن تمارس رياضة أو هواية التظاهر، ولكن ضمن هذه الحدود، على أن تختار يوماً في الأسبوع تنزل فيه إلى الشارع لكي تتظاهر.
ج: أنا ألتقي كلّ السفراء، ولم يقل أي سفير عربي أو أميركي أو روسي، إنّه يتدخّل بشؤون لبنان. فلماذا لا يقولون لي هذا الأمر؟
س: ربّما هم لا يجرؤون على قول هذا الأمر لك.
ج: حسناً، لماذا يجرؤون على قول ذلك للبقية؟
س: هل لديك مخرج عملي للأزمة؟ هل من الممكن أن يكون مشروع رفع سن تقاعد الضباط العسكريين مدخلاً إلى تهدئة؟ من أين سنبدأ؟
ج: مثل هذا الأمر يحتاج إلى تعديلاتٍ لكي يسير، ونحن لدينا تعديلات لهذا الموضوع، ولكن ليس هناك إرادة لذلك، خصوصاً أنهم يقولون إنّه في هذه الحالة يصبح هناك الكثير من العمداء لأن نظام الترقية "مخربط" والأقدمية في الخدمة تقوم بشكلٍ خاطئ. جميع هذه الأمور بحاجة إلى تصحيح.
لقد كان الجيش على شكل هرم، أمّا الآن فقد أصبح على شكل أسطوانة، حيث أصبح عدد العمداء يساوي عدد الملازمين. إذاً، فسياسة العديد في الجيش سيئة جدّاً جدّاً.
س: هذا على مستوى التفاصيل التقنية، ولكن ما هو الحل؟!فهل المطلوب اليوم هو حلٌّ جزئي يبدأ من مكانٍ ما؟! أم أنّك تدعو إلى سلّة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية، قيادة الجيش وقاون الإنتخاب؟
ج: جميعهم يقولون إنّ رئاسة الجمهورية أولوية. لذلك أنا أدعوهم لكي نتحدّث بموضوع رئاسة الجمهورية. وليقل لي فلانٌ لماذا لا يعجبه شكلي كي يتخبني رئيساً للجمهورية. ولكن أن أُحارب لكوني أحارب الفساد ولكوني ممثّلاً شعبياً في الوقت الّذي يجب ألاّ يكون هناك أحدٌ ورائي، ويجب عليهم هم أن يعطوني وزرائي، فهذا غير جائز.
س: كلاّ ليس الأمر كذلك، إنّما هم يعتبرونك جزءاً من محورٍ إقليمي. وقد دعوت في بداية الحلقة صراحةً إلى مدّ اليد إلى سوريا وإيران..
ج: قلت ُإنه يجب أن نمد يدنا إليهم لأنهم ساعدونا منذ البداية، ونحن لسنا قليلي الوفاء تجاه دولة فتحت لنا حدودها، فكم من مرّةٍ طُوّقنا؟! من الّذي فتح حدوده لنا في حرب العام 1982؟
س: سوريا.
ج: نعم، ومن الّذي فتح حدوده لنا في الحرب الأخيرة، أي حرب العام 2006 بعد أن أُقفل البحر علينا؟! إذاً، هناك أمور حيوية نحن ملتزمون بها مع سوريا.
س: لقد قلتً منذ يومين أنّك موجودٌ في الخطّ الرابح. هل كنتَ توحي أنّك موجودٌ في خطٍّ إقليمي رابح؟
ج: نعم، ولكن كنتً ضدّ الإرهاب، فمن كان ضدّ الإرهاب أيضاً ويحاربه؟!
س: إيران وسوريا؟
ج: نعم، إيران وسوريا.
س: أي أنّ الخطّ الرابح هو الخطّ الإيراني – السوري؟
ج: الخطّ الرابح ضدّ الإرهاب.
س: ولكن كيف ستتظهّر نتائج هذ الرّبح؟
ج: ستتظهّر تماماً كما تتظهّر نتائج أخرى.
س: ولكن كيف ستتظهّر، إذا لم تستطع منع تأجيل تسريح القادة العسكريين وجرى التمديد، كما لم تستطع تعيين قائد للجيش، ولم تتمكّن من أن تضمن الرّئاسة؟
ج: يوجد في لبنان دستور وقوانين وميثاق، تتمّ تحت رعايتها مجتمعة إدارة شؤون الدولة. وعندما يصبح هناك خلل في الممارسة من خلال عدم احترامها سيظهر هذا الخلل.
أمّا اليوم، فتجدر الإشارة إلى أن هناك خللاً بالدستور والقوانين، كما بالممارسة، وقد أتى هذا الخلل على حسابنا نحن، وحصل التجاوز لمصلحة الآخرين. المسألة بسيطة جدّاً، فإذا احترموا قانون الدفاع والدستور والميثاق لا يعود هناك مشكلة بيني وبين أحد. إذاً، هذه الأمور الثلاثة تمنع علينا الاصطدام مع أحد. بالتالي فإنّ عدم احترام التعيينات الصحيحة والتي تُجرى في وقتها ويُراعى فيها مبدأ الكفاءة، يجعلنا نخالف كلّ هذه المعطيات الأخلاقية والقانونية للجمهورية.
س: سماحة السيد نصرالله أكّد اليوم، أنّك ممرّ إلزامي للإنتخابات الرئاسية. فهل لديك أفكار جديدة لمعالجة هذا الموضوع؟
ج: بما أنني الممرّ الإلزامي، ليتفضّلوا ويتحدّثوا معي بهذا الموضوع.
س: أي أنه لديك الاستعداد للبحث في اقتراحات جديدة؟
ج: لقد زارني موفدون من عدة دول وقد كان الحديث مستفيضاً، فمشكلتنا ليست بانتخاب رئيس للجمهورية فقط، إنّما تتخطّى هذا الموضوع نحو الإصلاح، التغيير، المراقبة المالية، ضبط الموارد، وغيرها.. نحن بلدٌ اخترب.
س: ولكنّك قلتَ منذ قليل، إنه من الممكن أن تكون البداية من الرّئاسة.
ج: إذا كانت كلّ هذه الأمور متوفّرة، أقبل أن يأتي رئيساً أخر للجمهورية، بشرط أن يكون له توقيع على كلّ شيء، حتّى ولو كان ذلك رمزياً، فيعتكف مثلاً عن التوقيع على الأمور الشاذة. وهذا الأمر يكفينا. هل تعرف لماذا؟
س: لماذا؟
ج: لأنه سيكون بيده سلطة غير موجودة لا مع رئيس الحكومة ولا مع رئيس مجلس النواب، وهي القسَم على المحافظة على الدستور والقوانين، قيقول مثلاً، أنا ضدّ هذا القانون، وقد أقسمتُ على تطبيق القانون، وليوقّع عليه أحدٌ آخر غيري.
هل رأيتَ إذاً لماذا هم لا يحبّونني؟! ليس لأنني قمتُ بشيءٍ سيّء، فأنت وكلّ لبنان تعلمون ماذا يوجد في الدّولة من ناحية الفساد وكلّ شيء. وهنا أسأل من يملك بيروت اليوم؟
س: من يملكها؟
ج: لستُ أعلم.
س: إذا كنت أنت لا تعلم، فهل سأعلم أنا؟!
ج: لقد كنتَ هنا عندما تمّ الانتقال من مرحلة الاستملاك إلى مرحلة البناء. أمّا أنا فقد أتيتُ عندما تمّ إعمارها. وسأسأل أيضاً، من يملك البحر اليوم؟ يملكه من يقوم بطمره.
س: هل حمل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أي جديد في ما خصّ ملف رئاسة الجمهورية؟
ج: لم أطّلع على هذا الموضوع.
س: ولكنه التقى بوزير الخارجية جبران باسيل.
ج: لم يُحكى بالموضوع، ولكن إذا كان هناك موضوع confidential فسيضعه باسيل في الدرج.
س: هل لا يزال الفيتو السعودي قائماً عليه؟
ج: في الواقع لستُ أعلم ولم أسألهم.
س: هل تعتقد أن الاتفاق النووي سيُسيَّل لمصلحتك رئاسياً؟
ج: هناك أمور "أبدى" منّي الآن، فهناك شعبٌ يموت في اليمن. هناك حريق وجوعٌ ودمار... هناك مشاكل كثيرة تعترضهم وهي أهم منا الآن. فعلى الأقل نحن اليوم نتشاجر ولكنّنا ما زلنا نأكل ولسنا جائعين.
س: ولكنّك لا تزال على خياراتك الرّئاسية؟
ج: أنا لن أتراجع عن شيء، إلاّ إذا أتى من يريد مني شيئاً آخر وشرح لي، وأقنعني برأيه لسببٍ وجيه. ولكن أن يقول لي، إن مظهرك لا يعجبني لتولي الرّئاسة فيما أنا صاحب حقّ، فهذا لن يمرّ. أنا صاحب حقّ ولا أعتدي على غيري.
س: ولكن ألا تخاف أن تتمّ أو تُطبخ التسويات في المنطقة على حسابك؟
ج: بدايةً، ليست لدي أي طموحات إقليمية، ولا أريد قطعةً من سوريا أو غيرها.
لدينا قانون ودستور وميثاق لبناني، وطموحي هو أن تُطّبق هذه الأمور الثلاثة. فلينفّذوا القانون الّذي قدّمته إلى مجلس النّواب، أي إنشاء محكمة خاصّة ومتخصّصة بالجرائم المالية المُرتكبة على الدولة اللّبنانية، وسيكون هذا كلّ ما أريده، على الرّغم من وجود العديد من القوانين النائمة، كقانون ضمان الشيخوخة، وقانون تملّك الأجانب، وقانون فصل النيابة عن الوزارة..
س: ولكن إلى متى سيستمرّ شلّ الحكومة خصوصاً أنّ مصالح المواطنين مرتبطة بهذه المسألة. هذا بالإضافة إلى الهبات والقروض والرواتب المهدّدة؟
ج: لما تسألني أنا هذا السّؤال. فلتسأل هذا السّؤال لمن هو السبب. فلتسأل رئيس الحكومة مثلاً عن هذا السّبب. إسأل رئيس الحكومة، فأنا لستُ رئيساً للحكومة.
س: ولكن وزراءكم لا يقبلون المناقشة بأيّ موضوع قبل بتّ موضوع التعيينات الأمنية.
ج: لماذا؟
س: التعيينات أصبحت وراءنا، ولا يمكننا البحث بهذا الموضوع بعد الآن..
ج: كلاّ، فلا تستطيع أن تفرض علينا أمراً واقعاً خلافاً للقانون ولكلّ شيء، ثمّ تدعوني للإستمرار بالعمل في الحكومة. لقد قاموا بهذا الأمر أكثر من مرّة، ولم يعد لدينا ثقةً بهم. ما هو المِعلم الّذي يجب أن نحترمه نحن وإياهم عندما نريد أن نتصرّف في الحكومة بعد ذلك؟!
س: ولكن لماذا يجب أن تكون مصالح المواطنين ضحية النزاع السياسي بينك وبين خصمك؟
ج: فلتدن من يعمل على خربطة القانون واللعبة البرلمانية وممارسة الحكم، ولا تلمني أنا لأنّني أدافع عن القانون.
س: وزير الدفاع سمير مقبل، حّذر أمس من أن الضرر سيصيب الجيش جرّاء عدم صرف الاعتمادات الخاصّة بالتغذية والأمور اللوجستية..
ج: فليعطيه الرئيس سلام commission ويجيّر له مبلغاً معيناً نردّه له لاحقاً.
س: سماحة السّيد نصرالله دعا القيادات المسيحية الوطنية إلى مراجعة موقفها في ما خصّ تشريع الضّرورة في مجلس النّواب.
ج: سيكون هناك مراجعة.
س: هذه النقطة مهمة. هل سيكون هناك مراجعة؟
ج: نأمل أن نصل إلى تفاهمات معينة في هذا الموضوع.
س: كيف هي العلاقة مع الرئيس نبيه بري؟
ج: على الصّعيد الشّخصي ليس بيننا أيّ شيء، فنحن لا نتصرّف ضدّ الشخص، إنّما نتصرّف عند التجاوز، وعند الإهمال.
عندما أنتقد رئيس الوزراء السُنّي، يتهمونني بأنني أهاجم السُنّة، ولكنني لا أهاجم السّنة إنّما أهاجم أداء رئيس وزارة. إلاّ أنهم يعودون ويقولون إنني أهاجم السُنّة. وهنا أسألهم إذا كنتُ أهاجم السُنّة، فلماذا كنتُ في أحيانٍ معيّنة أنتقد البطريرك مار نصرالله بطرس صفير؟! نحن ننتقد من يكون مسؤولاً عن أمر معيّن ولا يكون أداءه جيّداً فيه، ننتقد الأداء وليس الطائفة. وهنا نسأل إذا سقط رئيس الحكومة، وأردنا تأليف حكومة جديدة. من سيؤلّفها، الماروني أم السُنّي؟
س: الأمر نفسه..
ج: إذاً، نحن نكون أحياناً ضدّ الأداء وليس ضدّ الأشخاص.
س: ولكن هل العلاقة بينكم وبين الرئيس نبيه بري قابلة للتّرميم؟
ج: هي بالأصل ليست مهدّمة.
س: هل لا تزال النوايا بينك وبين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع سليمة؟
ج: طبعاً، بكلّ تأكيد.
س: ولكن ألم يُزعجك كيف استقبلوه في السّعودية بين الرّؤساء؟
ج: كلاّ، نأمل أن يلقى هذا التّرحيب أينما كان، فإذا كنتُ بحاجة إلى أمر ما من السّعودية سأتوسّط لديه لذلك.
س: ماذا تقول في كلمة أخيرة لجمهور التيار الوطني الحرّ الّذي استجاب لك ونزل إلى الأرض؟ وهل سيكون هناك تحرّكاً الأسبوع المقبل؟
ج: فالموضوع ليس قائماً بالأسابيع، فعندما يكون هناك مناسبة اعتراضية يجب أن نَشرك الشعب فيها من الآن فصاعداً، لأنّ أصواتنا في مجلسي الوزراء والنوّاب لم تُسمع في قضايا محقّة. من هنا، يجب أن نُطلع الشّعب عليها لكي يحاسب عليها في الوقت المناسب.
س: وهل ستصل الأمور إلى حدّ العصيان؟
ج: إذا منّ الله علينا بانتخابات، فليقاصصوا عندها من قاموا بأذيتهم.
س: هل من الممكن أن تصل في لحظة معيّنة إلى مرحلة العصيان المدني؟
ج: لقد قلتُ إنّ كل شيء مفتوح، ولستُ أعلم كيف ستتطوّر الأمور، خصوصاً أن التخطيط لا يأتي من جهة واحدة، فهناك في الواجهة الأخرى، أناسٌ يلعبون، ممّا يحتّم اتخاذ قراراتٍ في اللحظة الّتي يتمّ فيها القيام بخطوات مُضادة. ولكن نحن لدينا كلّ النيّة الطيبة بأن نكمل حركتنا المقاومة السّلمية. ولا حاجة لأن ينزل أي جندي وأي دركي لأنه لن يُكسر لوح زجاج.
س: ولكن ألا تخاف من طابور خامس؟
ج: الطابور الخامس ليس من عندي، ونحن نعلم كيف تتمّ فبركته. أنا أخاف من الطابور الخامس، وليس الدولة، فهي تعرف الطابور الخامس.
س: شكراً لك على هذه المقابلة، وتجدر الإشارة في النهاية إلى أنّك كنتَ مرتاحاً جدّاً الليلة، على رغم الضّغوط التي تتعرّض لها. وكما فهمتُ منك فإنّك تزداد استرخاءً عندما يشتدّ الضّغط عليك.
ج: نعم، وهذا الأمر معروفٌ عني قديماً منذ أيّام الحرب.
س: نأمل أن تبقى على هذا الهدوء دوماً.