إسراء الفاس
"مناهجنا خرّجت إرهابيين فجروا أنفسهم" اعتراف أدلى به محمد العبدالله الفيصل بن عبد العزيز في مقابلة مع قناة العربية عام 2008.
ورغم هذا الاعتراف الذي أراد فيه ركوب الموجة الأميركية الداعية إلى "إصلاح" المناهج التربوية في المملكة، قال الأمير السعودي، الذي عمل في وزارة المعارف السعودية حتى عام 1983: "ذات يوم ذهبت لوزير المعارف الشيخ حسن آل الشيخ، وقلت إن الكتب الدينية التي ندرسها هي كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا يجب تغيير مضمونها، ولكن يجب تغيير اللهجة ".
المضمون الذي خرج إرهابيين من المملكة لم يتغيّر، بالفعل كانت اللهجة وحدها ما تغيّر... ولذلك فإن المضمون الذي خرّج 15 انتحارياً من 19 سعودياً شاركوا في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، هو نفسه من الذي خرّج مقاتلين وانتحاريين التحقوا بصفوف داعش والقاعدة وأخواتهما.
كيف رسمت المناهج التربوية في المملكة صورة العدو؟ وكيف حددت مسار "مجاهدته" الذي يأخذ إلى ساحات قتل المسلمين تحت عنوان الشرك والتكفير، ويبرر الغياب عن ساحات مقارعة الاحتلال والاستكبار بدواعي "طاعة ولي الأمر"؟
تطبع وزارة التربية والتعليم مقررات "التوحيد" على نفقتها، وتوزعها مجاناً، كما مختلف الكتب الدراسية. يستمد المقرر اسمه كما مضمونه من كتاب "التوحيد" الذي صاغه محمد بن عبدالوهاب، وينطلق من مسألة التوحيد، التي تفتح له الباب على مفاهيم كالشرك والتكفير، لتصل به إلى الولاء والبراء، وأخيراً طاعة الحاكم. ووفق المضامين المطروحة، يتبيّن أن التوحيد المحددة أطره ومواصفاته على مقاس الوهابية، يدفع إلى رمي مختلف الفرق الاسلامية المخالفة بالشرك والكفر تماماً كما أتباع الديانات السماوية. ليكون الولاء لهذا النوع من التوحيد واجب، والبراء المقرون بالكراهية لمختلف الفرق الإسلامية الأخرى وأهل الديانات متمم للإيمان.
في السنوات الدراسية الأولى من المرحلة الابتدائية، ينشأ الطفل السعودي على عبارات مشرك وكافر ومبتدع.في مقرر التوحيد الذي اعتمد عام (2005-2006)، يدرس الطفل (دون 7 سنوات) أن "غربة الإسلام" تتجلى "بمظاهر كثيرة منها: كثرة البدع والشركيات كالقباب والمشاهد والقبور... وتقديس الأشخاص والأحياء والموتى"، علماً أن التقديس المرفوض هنا سيُفرض في سنوات لاحقة على الطالب إلا أنه سيكون محصوراً بـ "ولي الأمر".
وفي المقرر المعتمد لطلاب الصف الثالث ابتدائي (صفحة 22) تصف المناهج الدينية احتفال المسلمين بذكرى الإسراء والمعراج بأنه "بدعة"، بالقول: "كبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج، وعيد الأم"، منسجماً بذلك مع تحريم الوهابية للاحتفال بالمولد النبوي أيضاً.
هدم القبور... والشرك الأكبر
تُركز مقررات التوحيد على مسألة القبور، فتعتبر أن تشييد القباب على قبور الصالحين "بدعة" موجبة للشرك والكفر، وترى بأن عبادة الله على هذه القبور مخرج من الملة، وأن التقرب إلى الله بطلب الشفاعة من الصالحين الموتى من نواقض الدين. تشدد المناهج الدينية على ضرورة مواجهة هذه "البدع" و"الضلالات".
ينقل كتاب الصف الثالث الابتدائي للعام الدراسي (2014-2015) صوراً لمسلمين يزورون أحد الأضرحة المقدسة، واضعاً إياه تحت خانة الشرك في الألوهية.
كما يذكر كتاب الصف السادس الابتدائي (2007-2008) أن "طلب الشفاعة من... أصحاب القبور بالتوجه إليهم بالدعاء وطلب الشفاعة باطل، وهو من الشرك بالله".
وجاء في كتاب الصف الأول المتوسط ( 2007-2008)، صفحة 52، أن من بين "من لا تنفعهم كلمة لا اله الا الله: من عبد الله، ولم يعتقد أن عبادة القبور باطلة"، وفي تناقض صريح مع حديث نبوي يجمع عليه المسلمون: فمن قال لا إله إلا الله عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابه على الله". وعبادة القبور وفق ما يتضح يُفهم منها تقديس أهل هذه القبور وزيارتهم، وهذا يتضح فيما ذُكر بكتاب الصف الثاني المتوسط (2007-2008)، صفحة 28، أن "عبادة الله عند قبر رجل صالح وسيلة الى الشرك الأكبر"، الذي يخرج من ملة الإسلام، ويبيح الدم والمال بحسب المقرر المخصص للصف الثالث ثانوي، صفحة 16.
ويأتي كتاب الثالث ثانوي، صفحة 127، ليؤكد أنّ "ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً الى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم".
هكذا صارت التربية وفق منهج توحيد محمد ابن عبدالوهاب، تربية مهمومة بالحرب على معتقدات الغير، لا بتنقية النفس، تبحث في اعتقادات الآخر عما تعتبره بدعاً وضلالاً وترى اكتمال إيمانها يتحقق بملاحقة ما تعتبره أخطاء إيمان الآخرين، مستبسلة في حربها ضد هؤلاء، تتقن رسم مواصفات البدعة بإبداع يُظهره التلاعب بالكلام، تدمر ولا تعمر، تتخلص من الآخرين تكفيرا عن ذنوبها ولا تخلص نفسها من مآزقها من أجل الآخرين.
نصوص التوحشهذه التي تربى عليها أجيال من السعوديين، تفسر إحراق وتدمير الأضرحة المقدسة، من الجماعات التي تتبنى العقائد نفسها والتي التحق بها آلاف السعوديين الذين هيأتهم المدارس السعودية للالتحاق بهذه الجماعات. في الموصل عمدت هذه الجماعات إلى تدمير ضريح النبي يونس(ع) وغيره من المراقد. في ليبيا دمرت الجماعات نفسها بصيف العام 2013 ضريحاً صوفياً يعود لـ سيدي محمد الاندلسي والذي يعود إلى القرن الخامس عشر، وفي العام نفسه دمرت الجماعات التكفيرية في سوريا كنيسة معلولا والمعهد الآرامي وسرقوا محتوياتهما. عام 2013 أيضاً تم تخريب ضريح الصحابي صُعصعة بن صُوحان في البحرين. وفي عامنا هذا أقدمت القوات السعودية على استهداف المساجد التاريخية في صنعاء ومنها ضريح الإمام الهادي إلى الحق التاريخي، بعد تدمير ضريح الشهيد حسين الحوثي في إطار حربها ضد اليمن.
في ما كتبه حول المناهج الدينية بالسعودية، يقول الباحث السوداني بابكر فيصل بابكر : "وهذا يعني أنّ مئات الملايين من المسلمين في العالم... علمائهم هم من الجهلة والمضلين، وأنّه لا تحل زيارتهم ومجالستهم وهو ما يكرّس لنهج التعالي والعزلة الذي يؤدي في نهاية المطاف لاستخدام العنف ضدّهم".
ويتوقف بابكر عند قصة قتل خالد القسري للجعد بن درهم الذي يرد في المقررات السعودية، وفق بحثه: "قام بنحره في المسجد يوم عيد الأضحية،وذلك بعد أن خطب في الناس وقال في خطبته تلك: أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم...ثم نزل فذبحه في أصل المنبر". يستدرك بابكر بالقول: وهو الأمر الذي رأينا صداه في مشاهد الذبح المرّوعة التي قام بها تنظيم القاعدة وأبومصعب الزرقاوي في العراق. ثم يتساءل: "فهل يصلح أن يدرّس التلاميذ تصفية الخصوم بالقتل والذبح؟"
لم تعد قصة خالد القسري مجرد قصة تاريخية، أحالتها المناهج الدينية في السعودية إلى نموذج استرشادي، يقاس عليه ويهتدى به ويتربى عليه، وقد تجسد هذا النموذج في جرائم الذبح التي نُفذت في العراق وسوريا ونيجيريا. وتكرست تحت شعار: "جئناكم بالذبح".