ميثاقنا الوطني، وإن لم يكن نصَّاً مكتوباً، موقَّعاً ، إلا أنه كان ضمانة وطنية أساسية، عجزت عن مثلها دساتيرنا المكتوبة، لاسيما ذاك المسمى " الطائف "؛ فالميثاق كان صناعة لبنانية خالصة، ونتاجَ عقولٍ مدركة صادقة، ونفوسٍ نقيَّة، مؤمنة بالصيغة اللبنانية، حريصة على استقرار لبنان ورخاء أبنائه، أمَّا " الطائف"، فمولودٌ مستنسخٌ، هجينٌ مشوه، أبصر النور في غربة المملكة العربية السعودية، وقد جاءَ ثمرة متعةٍ متعددةِ الجنسيات، أميركية-غربية- عربية، أمَّا نفقاتُ تصنيعهِ، وأتعابُ المهندسين ، ومكْرُماتُ أصحابِ الفخامة والمعالي والسعادة والحواشي، فكلها من فضل البترو - دولار !
الميثاقية روح الشرائع والدساتير والقوانين، وضامنة خصوصية المجتمعات وتمايزها، لاسيما المركَّبة منها و المتعددة الفائقة الحساسية، طائفياً، مذهبياً، اجتماعياً، وثقافياً. الميثاقية توفَّرُ مساحة من العدل، والامن والرخاء للجميع ، وتكفل توازنَ المجتمعِ ، واستقرارَه .
لبنان ثروةٌ تعددية ، إن أحْسِن إستثمارها وإدارة مواردها البشرية. فرادة لبنان، لن يصونها الطوائفيون، والمذهبيون، والفاسدون المستغلون، بل ميثاقية صادقة، لا غشَّ فيها، ولا تقية، أو محاباة.
ما نشهده في هذا الوطن المعذَّب والمصلوب، من أحقاد ، وتباعد، وتناحر ، وفساد وانهيار، سيستمر وبوتيرة متصاعدة، ما لم تتم العودة الى ينابيع العيش الواحد، عيش تحترم فيه الميثاقية، ويعاد معه بناء الثقة المفقودة بين مكوناته. والامر لا يتطلب غير جرأة وطنية وأخلاقية، بعيداً عن كلِّ دَجَلٍ سياسي، أو تسابق على نهب الثروات ، وتدمير القيم الوطنية !
أن نبشِّر بالميثاقية أمرٌ في غاية الاهمية ، لكنَّ الاهم هو أن نؤمن بها ، ونعمل بهديها، فنقدِّم مصلحة الوطن على ما عداها من مصالح. فيوم ضربت الميثاقية في لبنان، ضربت معها المواطنية وسقطت، ولم يبق لنا من إستقلال الدولة ومؤسساتها غير الذكرى.
الميثاقية مسلك آمنٌ الى دولة حديثة،ٌ قوامها أسس الحق، والعدل، والاستقرار، والازدهار، وقد دفع اللبنانيون من أجلها أثماناً باهظة . أما المسالك التي يروِّجُ لها بعض النفعيين، كإلغاء الطائفية السياسية، أو الفدرالية، فلا تعدو كونها خدعاً سياسية، أوقنابل موقوتة.
خلاصُ لبنانَ، عيشٌ واحدٌ، يؤمِنُ بالانسان قيمةً بذاته، ويضمن مستقبل أبنائه على أسس المواطنية المتوازنة بين الحقوق والواجبات، وهو وحده باب العبور من دوامة العنف العبثي، الى دولة لا نخجل بها...!
لبنان هبةُ الله، فلا تكفروا به، لانه الكرامة، و القيم، والهوية، وفسحة الحرية. ووحدتنا الوطنية، التي لا غش فيها أو خداع ،وحدها حامية الوطن من المخاطر، أمَّا التقيه فهي الطريق الى السقوط.!
في ذكرى إلاستقلال، وطنُ الارز ، يسألنا ما هذا الجفاء، ولماذا تتنكرون لما أورثتكم من حضارة ضاربة في كل زمن، وإهتدت بنورها البشرية جمعاء؟ وها أنتم تتنكرون لها، وتدفعون بلبنانكم، قبلة الاوطان، الى منظومة الدول الفاشلة ؟!
أبنائي الاحباء، يقول لبنان بفضلكم أصابتني أعراض الدول الفاشلة وأكثر؛ من حكومة مركزية ضعيفة، فاقدة السلطة والقدرة، هجرتها الشرعية، مقعدة عاجزة عن تأمين حاجات شعبها. الى نخب حاكمة فاشلة فاسدة، وغياب للشفافية والمحاسبة، وتفشي انتهاكات حقوق الانسان، وفقدان الامن، وعدم تطبيق القوانين، وغياب التنمية المستدامة، وتراجع الدخل القومي، وتفاقم الدين العام وتدني صرف العملة الوطنية، أضافة الي تصاعد الضغوط الديمغرافية والحركة السلبية والعشوائية للافراد واللاجئين، وصولاً الى سقوط مؤسساتكم الرسمية .!
من إستقلال الى آخر، وأنا أتدرَّجُ حتى استوفيتُ كاملَ مواصفات الدول الفاشلة وأكثر، فغمرني فسادُكم ونفاياتكم، الى أن أستحققت درجة عميدها بامتياز، فلكم مني كلَّ الشكر .!
أبنائي الاعزاء، لبنانكم يحبُّكم، وهو يدعوكم الي يقظة وطنية عقلانية صادقة ، تقودكم الى خلاصكم ، والى إستقلال حقيقي لدولة لن تبصر النور إلا بكم ومعكم ، لبوا النداء، أو احذروا الانتحار؟!
حنا الحاج