
فاطمة سلامة
تسعة أعوام على الانتصار الإلهي عام 2006، وحزب الله لا يزال يدفع ثمن بطولاته سياسياً وعسكرياً. الهزيمة المدوية التي ألحقتها المقاومة بالجيش الذي لا يُقهر رُفعت لها القبعة في العديد من بلدان العالم. تماماً كما رفع البعض في الداخل اللبناني في وجه حزب الله البطاقات الصفراء، لا لشيء، بل لأنه يصر على "طمر الرؤوس في الرمال" والاستمرار في العداء لتلك المقاومة تنفيذاً لمشاريع خارجية. الانتصار التاريخي الذي أحرزته قلة قليلة من رجال آمنوا بالله، أثار حفيظة المعتادين على الخنوع والذل، ففتحت شهياتهم للتآمر. سعوا سعيهم لتدبير المكائد ونصبها في وجه حزب الله. تحديات بالجملة فرضها هؤلاء أمام المقاومة لثنيها عن مشروعها النضالي، فكانت النتيجة أن سارت القافلة الجهادية غير آبهة بأصوات النشاز الداخلي والخارجي.
ما يُقارب العقد على النصر الأسطوري، والعدو لم يستفق بعد من صدمة الهزيمة. حاله كحال البعض في الداخل اللبناني، الذين فقدوا صوابهم وجنّ جنونهم لأن الرياح سارت عكس ما اشتهوا. الكلام للعميد الركن المتقاعد أمين حطيط. يؤمن الخبير العسكري أنّ حزب الله يواجه اليوم تحديات بالجملة لا يمكن فصلها عن ثمرة الانتصار التي حصدها في آب 2006. البعض في الداخل اللبناني وبأوامر خارجية يعمل على محاصرته سياسياً. وبالتوازي يعمل العدو بكل ما أوتي من قوة على كل الجبهات لمحاصرته عسكرياً سعياً لتحقيق أمرين:
أولاً: إنزال العقوبة بالجهة التي أنزلت به الهزيمة (حزب الله) عبر حرمانها من مصادر القوة التي أدت الى هزيمته
ثانياً: منع تشكل الظروف الميدانية والسياسية التي قادته الى الهزيمة
في الحالة الأولى، يقول حطيط:" بدأ العدو العمل عليها منذ اللحظة الأولى التي توقفت فيها الأعمال القتالية". برأيه، عملت "إسرائيل" والجهات الدولية من خلال القرار 1701 على إبعاد حزب الله عن منطقة جنوب الليطاني أي الحاضنة الشعبية للمقاومة. والهدف، محاصرته لمنعه من نقل السلاح والتسلح. لكنّ ذكاء هذا الحزب، جعله يستفيد بشكل تام من طبيعة تكوينه. هو منتج من منتجات هذه البيئة الشعبية، وليس عنصرا مستوردا الى الجنوب، لذلك لم يستطع أحد أن يبعده عن بيئته. "لم يغادر المقاومون قراهم. ظلوا على اتصال مباشر بخطوط التماس مع العدو" يضيف حطيط.
يتفق الكاتب السياسي ادمون صعب مع ما يقوله حطيط. بنظره، لا نستطيع تجاهل فعل الانتصار بالصورة الاقليمية والدولية. لأول مرة قوة مدنية غير رسمية تواجه أقوى جيوش العالم، وهذا أمر سجلته كل المراجع الدولية التي محّصت في نتائج الحرب لتخلص لنتيجة واحدة :"الحرب جعلت من حزب الله رقماً صعباً في المنطقة وقوة لا يمكن تجاهلها". يستشهد صعب -وهو صاحب خبرة نصف قرن في السياسة - بمذكرات كتبتها كونداليزا رايس. تروي وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب يوميات تموز، فتكشف ان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني طرح على رئيسه جورج بوش آنذاك وخلال جلسة للأمن القومي في أميركا الطلب من "اسرائيل" سحق حزب الله، فكان الرد سريعاً:"أتريد أن تقتل أميركا قبل الشرق الأوسط"؟.
دخول حزب الله أتون المعادلة الأقوى، وتربعه على رأس القوة العسكرية، ما كان ليحصل لولا تغلبه على الحصار التجهيزي الذي سعى العدو جاهداً لفرضه. يتوقف حطيط عند هذه النقطة بوصفها الأهم بمعادلة الردع. حزب الله تغلّب على الحصار "الإسرائيلي" له في الجنوب بطرق متعددة، لا بل زادت قدرته الصاروخية، لتتحول من قوة تطال 120 كلم على الحدود الى قدرة صاروخية تصل الى كل نقطة في فلسطين المحتلة، وتجعل "اسرائيل" تحت النار. الأمر الذي يكرّره صعب ويضيف عليه :"عطّل الحزب بقدراته التسلحية الذكية مخطط العدو، وأنشأ منظومة "الردع" التي تمنعه من التجرؤ لشن حرب جديدة. الأمر الذي يحتّم، بنظر الكاتب السياسي، على كل لبناني تقدير بطولات حزب الله وعدم إقحام المقاومة في صراعات وحسابات ضيقة. 1200 بين مجاهد ومدني قدّموا أنفسهم لنحيا، وهذا دين في أعناقنا. فعلى بعض اللبنانيين عدم الالتفات لنداءات الخارج التحريضية في وجه حزب الله. عليهم الابتعاد عن تنفيذ الأوامر الخارجية لتصفية حسابات اقليمية على الأرض اللبنانية. ولا ينسى صعب كيف تآمر البعض اللبناني حتى إبان الحرب على حزب الله، ورفع شعارات واهية في وجهه متهما إياه بخوض مغامرات غير محسوبة، وبإقامة دويلة داخل الدولة. كل ذلك الحقد، حسب ما يشير الكاتب السياسي، فجرته الصدمة من الانتصارات التي حققها المقاومون في الميدان. يذهب صعب أبعد من ذلك، التمسك بخوض معركة المحكمة الدولية لأعوام، وما يجري داخل مجلس الوزراء اليوم والحرب التي تُشن ضد الشراكة الوطنية لايمكن فصله عن الامتعاض المزمن مما حققته المقاومة والذي خلق نقطة ضعف وعقدة لدى البعض من الصعب محوها".
يُلاقي حطيط صعب في كل ما يذكره. وفق قناعاته، يُصر البعض في الداخل على مناصبة العداء للمقاومة، عبر اتهامها بحمل السلاح خلافاً للقانون والطعن بشرعيته الدفاعية عن لبنان. ينتقل الى تحد آخر يواجهه حزب الله اليوم على الأراضي السورية. مشاركته في الدفاع عن محور المقاومة من بوابة دمشق هو دفاع عن لبنان بالدرجة الأولى. بالنسبة اليه، الحرب لا تستهدف سوريا كدولة بل تستهدف محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله. تلك الحرب التي تشارك فيها "اسرائيل" والمنظومة الدولية تهدف الى اسقاط سوريا وتحويل المقاومة في لبنان الى مقاومة محاصرة لسحب أوراق القوة منها. وفق حطيط، كانت المقاومة أذكى الأذكياء. واجهت المخطط العدواني بحنكة فور اكتشافها الخطة العدائية لسوريا. دافعت عن نفسها عبر ملاقاة النار بعيداً عن الدار. صحيح، دفعت المقاومة في عملها الدفاعي هذا الثمن الباهظ، يستطرد حطيط، لكنه أقل بكثير من الثمن الذي كانت ستدفعه لو لم تدافع عن سوريا. مساهمتها بمنع سقوط سوريا ومنع سقوط محور المقاومة ساهم في تغيير المعادلات وقلب المشهد الدولي رأساً على عقب. وهو الكلام الذي يؤيده صعب، بالإشارة الى انه لو لم يبادر حزب الله الى المشاركة في الحرب السورية ومحاربة التكفيريين لكان الثمن الذي ستدفعه أكبر بكثير. الحرب التي شنت على الأرض السورية كان هدفها القضاء على محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله" يختم صعب.