حالة من الغيبوبة خيّمت أمس على الشبّان والشابات الذين تجمّعوا بأعداد خجولة عند مدخل العاصمة تزامُناً مع انعقاد الجلسة الثالثة لطاولة الحوار. غابَ رشقُ مواكب السياسيين بالبَيض والبندورة، وعمليات الكرّ والفرّ بين المتظاهرين والقوى الأمنية، إلّا أنّ المشهد لم يخلُ من الغرابة وروح الفكاهة بين المعتصمين.حتى الحادية عشرة والنصف لم يكن بعد قد ارتسَم الشكل الذي سيأخذه الحراك المدني، والحديث عينُه يتكرّر بين الصحافيين: «قَولكن بتِولع اليوم؟ معقول في مفاجآت؟ فكانت التكهّنات ككرة ثلج تكبر، فيما شكّلَ الجدار الإسمنتي الذي وضِع عشية انعقاد الحوار، نجمَ مدخل ساحة النجمة.
فمنذ ساعات الصباح الأولى، بدأ يَعجّ بالشعارات والعبارات، منها: «لزقوا على الكراسي»، «زعيم أبو رخوصة»، «جدار الفصل الطبقي». وخلف الجدار، أسلاك شائكة، وقفَت في محاذاتها فرَق مكافحة الشغب في حال استنفار تحسّباً لأيّ مفاجأة «غير سارّة»، أو تطاوُل في اتّجاه البرلمان.
«حِمي الدَق»
مع اقتراب موعد الإعلان عن بدء الجلسة، بدت الأنفاس محبوسة والأنظار تغزل في كلّ اتجاهات مداخل العاصمة، «هلّق بيوصَلوا»، «بعد شوَي بطِلّوا»، «لأ مِش من هيدا المدخل».
ولكنّ الأمواج البشرية لم تحضر على عادتها، واقتصَر المشهد على مجموعة شبابية لم يتخطَّ عددها الخمسين، بدأت تتداعى ومعها عدد من الطابات الملوّنة، فانهمك الشبّان بتدوين الشعارات عليها، مثل: «مجلس فاسد»، «حرامية»، «طاولة حوار كذب»، «كلّن يعني كلّن والطابة بملعبكم»، قبل رميِها في اتّجاه ساحة النجمة. أجواء فكاهية غمرَت الساحة، قبل أن يعمرَ ملعب يضمّ عدداً من الهوايات عند الثانية بعد الظهر.
طوال فترة انعقاد الجلسة، حاول الشبّان مراراً رصَّ صفوفهم. وقفَ حسين على حافّة الإسمنت متجاهلاً القوى الأمنية محاولاً مخاطبة مَن حوله من الناشطين، «يلّا عيدو ورايي». وما إنْ يصمت حتى يتردّد صداه من دون أيّ صرخة مساندة.
فأخذت زميلتُه مكبّر الصوت من يده محاولةً استكمال المهمّة عنه، وهنا بدا الارتباك في صفوف الناشطين مع حال من الجمود، إذ على رغم تنويع الشابة لمطالبها من «زودة للعسكريين»، إلى «الحرية للعسكريين المخطوفين»، ثمّ ترداد أغنية «هلّي ع الريح...»، وجدَت أنّ الأفق مسدود أمامها، فبدأت بإلقاء النشيد الوطني علّها تُخرج المعتصمين عن صمتهم.
إلّا أنّ مساعيها في تنشيط الشباب وحضّهم على إطلاق الصرخات، باءَت بالفشل، حتى إنّ عدد المشاركين الذي زاد قليلاً لم يحدِث أيّ خرق، لأنّ معظمهم انهمكَ بالتقاط الـ Selfies مع التدابير الأمنية المتّخذة وبلوكات الإسمنت المزخرَفة.
«حِمي الدَق حمّودي»، يصرخ أحد الشباب، بعدما كان يلعب مع الناشط من طِلعت ريحتكم أسعد ذبيان وزملائه «دَق فوتبول»، فيما كانت مجموعة أخرى منهمكة بـ»الراكيت» أمام أعين القوى الأمنية.
«...لا تعني نهاية الحراك»
ومع اقتراب موعد انتهاء الجلسة عادت وتعزّزت التوقعات حيال إمكان حدوث تحرّك استثنائي، وكادت تصدق الرهانات مع وصول بوسطة على متنِها مكبّرات للصوت وشبّان لا يتجاوزون عدد أصابع اليد يطلّون برؤوسهم من النوافذ، على وقع أغنية «عم إحلمك يا حلم يا لبنان».
تدخُّل أشبَه بحقنة إنعاش للتجمّع، ولكن من دون نتيجة تُذكر، مجرّد حلقات دبكة عرقلت السير، وسرعان ما عاد الشبّان إلى جمودهم. وقد تبيّن لاحقاً أنّ مجموعة من حركة «صرخة وطن»، انضمّت إلى المعتصمين، بعدما أنهت اعتصامها أمام قصر العدل.
إنتهت الجلسة الثالثة، وبقي المعتصمون في برودة تامّة، حتى إنّ خبر عقد 3 جلسات للحوار متتالية الشهر المقبل لم يستفزّهم أو يحرّك لهم ساكناً. في موازاة ذلك، أكّدت إحدى الناشطات المؤثّرات في الحراك المدني، «أنّ عملية التقاط الأنفاس لا تعني أنّ الحراك انتهى، وما حدث هو مجرّد وقفة رمزية، ومن الطبيعي عدم القيام بأيّ خطوة أو ردّة فعل وسط التدابير الأمنية المتّخذة»، «مشيرةً إلى «أنّ سيلاً من المفاجآت سيبقى في «التلّاجة» ريثما تنضج الظروف».
فهل يكون الشوط الأطول من الحراك المدني متزامناً مع «ماراتون» الحوار في 6 و7 و8 تشرين الأول؟