
هتاف دهام -
لا يبالغ أحد من المتحاورين 16 بالرهان على الطاولة المستديرة في المجلس النيابي. يتعاطى هؤلاء مع الحوار بحدود وزنه الحقيقي، لفهمهم الظروف الموضوعية التي فرضت عقده، وأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لجأ الى الدعوة للحوار كورقة أخيرة في ظلّ حال التهتك المنهجي الذي أصاب المؤسسات بدءاً بالشغور في الرئاسة الأولى، وصولاً إلى تعطيل مجلس النواب والشلل الواقعي الذي تعانيه الحكومة وإنْ كانت اجتمعت غبّ الطلب عقب جلسة الحوار مباشرة لأجل ملف النفايات، غير أنّ الأزمة السياسية والخلاف على مبدأ انعقاد الحكومة، وصولاً إلى آلية التعاطي مع صلاحيات رئاسة الجمهورية، عقدة لا تزال قائمة وجرى التعبير عن هذا الأمر بغياب الوزيرين السياسيين محمد فنيش عن حزب الله وجبران باسيل عن التيار الوطني الحر، عن جلسة مجلس الوزراء والاكتفاء بحضور الوزيرين التنفيذيين الياس بو صعب وحسين الحاج حسن، في تكتيك ذكي من حزب الله والتيار الوطني الحر للحفاظ على مبدأية الاعتراض على ما هو قائم من إدارة للجلسات الوزارية سواء في الداخل أو على صعيد الرئيس.
وضع بري اللمسات الأخيرة للورقة بعد مشاورات سابقة للحراك الشعبي المطلبي، استمزج في خلالها مجموعة من السفراء والدول، وكان في طريقه إلى توجيه الدعوات في ظلّ الأزمة السياسية، لكن هذا الحراك دخل على الخط وصار هناك نوع من التوازي والتوازن بين طاولة ساحة النجمة واعتصام ساحة الشهداء، وهذا ما دفع تيار المستقبل إلى إصدار بيان عشية الجلسة عالي النبرة أظهر حجم الطبقة العالية من التوتير المفاجئ فيه، ما أشعر المعنيين بأنه يريد أن يهرب من أيّ عملية مساءلة، لها علاقة بالحراك المطلبي قد توجه إليه من المتحاورين، ويريد حصر البحث في العنوان الرئاسي لأنه غير مرتاح للعناوين التي طرحها بري، ويرغب في أن يأخذ السياق من خلال البيان المتوتر إلى مكان آخر، لكن عقلانية عراب الحوار وهدوء الأطراف الآخرين على رغم السجالات العنيفة بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون من جهة ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة ووزير الاتصالات بطرس حرب من جهة أخرى، والكُمون الغاضب الذي عاشته مواقف البعض في الجلسة، أوصلت إلى نتيجة واضحة أنّ جلسة ستعقد الاربعاء المقبل.
عندما دعا بري الى هذه الطاولة اعتمد سبعة عناوين تكاد ترضي جميع الأطراف، إذ لا يمكن أن يحصر الحوار الحالي بعنوان واحد، ومن يعتقد كما تقول أوساط سياسية، أنه جاء إلى ساحة النجمة للبحث في الملف الرئاسي يدرك جيداً أنّ ظروفه الموضوعية لن تنتج الآن وإمكانات الخرق مستحيلة وأنّ صخرة العماد عون أصبحت أكثر تجذّراً، والاستفتاء الشعبي يوم الجمعة في 4 أيلول أو معمودية التعملق على الذات في التظاهرة، أفهمت من لا يريد أن يفهم أنّ تجاوز الجنرال في هذه اللحظة والذهاب إلى خيارات التفافية في الرئاسة بالتواطؤ مع دول الغرب هو أضغاث أحلام.
قدّم كلّ من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان ورئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، في شكل رؤيوي منهجي في جلسة الأربعاء من يرونه مناسباً لرئاسة الجمهورية في اللحظة السياسية الحالية بمعناها الاستراتيجي، بعضهم سمّى العماد عون مباشرة وبعضهم الآخر تحدّث عن مواصفاته بطريقة تكاملية، لأنّ أهميته كما تقول الأوساط تكمن ليس فقط كونه القائد المسيحي الوطني، إنما في إيمانه بالمقاومة كخيار استراتيجي لا يزال لبنان بحاجة إليه، وتنبّهه لأخطار الإرهاب، التي يمثلها على الكيان، والأهمّ من ذلك قوله إننا جزء من حلف ينتصر في المنطقة، والنظرة المشرقية للوجود المسيحي في المنطقة والأخطار المتجسّدة على الأقليات.
لكن هل يمكن أن يصل رئيس تكتل التغيير والإصلاح الى بعبدا مجدداً؟
إنّ طبيعة الأشهر المقبلة وطبيعة المتغيّرات وصيرورة التفاوض على ملفات المنطقة المترابطة، ستدفع بالغرب إلى تقديم تنازل جوهري، فنحن الآن في ذروة موازين القوى وفي ذروة الصراع الإقليمي، ولذلك فإنّ جلسات الحوار لن تكون أكثر من جلسات تقطيع وقت وتعبئة فراغ ومحاولة امتصاص التوتر وحماية الطبقة السياسية لمصالحها، لتهيئة الداخل للحظة إقليمية قد تأتي لاحقاً ونكون على قدر حدّ أدنى من الجاهزية.
طرح وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس خلال زيارته الأخيرة إلى الجمهورية الإسلامية مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الموضوع اللبناني كعنوان أول، وحاول الدخول مع الإيرانيين في كيفية الوصول إلى الدفع بالأزمة الحالية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية لبنانياً إلى حلّ، لكن الجواب الإيراني كان ببساطة أنّ الأمر يقرّره اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً، واتفقا كنوع من الحفاظ على النقاش، أن يستكمل البحث في هذا الأمر على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المؤكد حتى الساعة أنّ فريق 8 آذار مجتمعاً لن يقبل برئيس توافقي لا يمثل وزناً شعبياً حقيقياً، وهذا ما ظهر في مواقفه المتباعدة جداً عن مواقف قوى 14 آذار في الشأن الرئاسي يوم الأربعاء، غير أنّ بعض الأطراف الداخلية في الفريق الشباطي والوسطي يعتبر أنّ الاستقرار الحالي إذا انفلت سيشكل خطراً على لبنان، ويحاول بالتعاون مع السعودية والولايات المتحدة أن يترجم ذلك في المسرح السياسي والميداني الداخلي، غير أنّ بلوك حزب الله وعون الذي يشكل متانة سيمنع الآخرين من تجاوز الجنرال كمرشح أول. ولذلك يبحث هؤلاء عن طريقة تسمح بكسر الجنرال والدفع بمرشح توافقي، ويتساءلون عن الثمن الذي يمكن أن يقبل به رئيس التكتل ليفتح باب الرئيس التوافقي ويكون هو صانع الرئيس مع حق الفيتو؟ غير أنهم تبلغوا أنه لن يكرّر خطأ ارتكبه في 2008.
وفي موازاة الفشل المتكرّر لتيار المستقبل والسعودية يتمّ التداول بسيناريو متدحرج لم نرَ فصوله بعد، ينطلق من التحرك المطلبي الشعبي، عبر بعض المنظمات والعبث بالأمن الداخلي، ويضع حزب الله تحت الأمر الواقع، من منطلق أنّ البلد ينهار، فإما إن يكون على مستوى المسؤولية ويتمّ الذهاب إلى رئيس توافقي أو أنّ كرة النار ستشتعل بين أيدينا.
وتؤكد أوساط سياسية «أنّ وعي حزب الله وعون والحلفاء جميعاً وإدراك الجميع للمؤامرات التي يخطط لها وتجري محاولات تسويقها واستمرار حلف المقاومة في الساحات المتصلة، فإنّ حزب الله سينجح في إسقاطها من دون أن يتخلى عن عون، وقد أبلغ وفده البطريرك بشارة الراعي في بكركي قبل أيام أنه لن يبحث في أي مرشح غير عون وكان صريحاً في تأكيد البعد الاستراتيجي لدعم ترشحه.
حتى إشعار آخر، فإنّ رئيس التغيير والإصلاح هو صاحب الحظ الأوفر كونه الأكثر تمثيلاً، لكن يبقى من الصعب تصوّر كيف سيكون المشهد في الأشهر المقبلة، لأنّ المفاوضات الحقيقية لم تفتح بعد، وملفّ لبنان مرتبط بالملف السوري الذي بدوره مرتبط بملفي العراق واليمن. وإذا كان بعضهم يتوقع أن تقبل السعودية برئيس قوي من محور 8 آذار غير العماد عون في لحظة معينة، فهذا مردّه الى أنّ هدفها الأساس والرئيس الحفاظ على النظام السياسي الحالي.