لطف الله الحاج -
نظراً لأن المعيار الاساسي المعتمد في الخطة الشاملة لترتيب الاراضي اللبنانيـــة لا سيما في مجالات البيئـة والصرف الصحي والنفايات الصلبة والمقالع، هـــو المحافظة على الصحــة العامــة مــن خـــلال حمايـــة الموارد الطبيعية، لذلك، تُشكل البيئة بجميع مجالاتها، وعلى الاخص النفايات الصلبة اهمية قصوى بالنسبة للصحة العامة كمـا بالنسبة للاطار العام لعيش المواطنين.
فاذا تم الاستمرار في تبني خيار المطامر الصحيّة كخيار اساسي لمعالجة النفايات مع امكانية ان تكون مجهزة بارتفاع عشرين متراً (نصفها تحت الارض ونصفها الآخر فوقها)، سيتوجب استعمال اكثر من عشرة الى خمسة عشر هكتاراً من الاراضي سنوياً. واذا لم تكن النفايات مرصوصة بشكل كافٍ، فإن مساحة الاراضي اللازمة ستتجاوز، بسهولة 40 هكتاراً في السنة.
ويرتبط هذا التحدي بصعوبة كبرى في المنطقة المدينية المركزية. والسؤال المطروح هنا: أين يمكن ايجاد اراضٍ بمساحة ستة الى عشرين هكتارا سنوياً وتكون مواقعها نائية بشكل كاف عن اماكن السكن؟
اما في المناطق الاخرى، فإن المطامر تتطلب مساحة قليلة، باستثناء تلك المطلوبة حول التجمعات العمرانية الكبرى، والتي ستكون بالضرورة ذات حجم كبير.
وبالتأكيد، يمكننا العمل على خفض انتاج النفايات المعدة للطمر من خلال تدويرها إن للتسميد او لاستثمار الطاقة. ولكن تنفيذ هذه الحلول سيكون بطيئاً بالضرورة لأنه يتطلب تمويلاً كبيراً. وحتى في حال الوصول الى مستوى متفوق في ميدان التدوير، فإن حجم «النفايات النهائية» المفترض طمرها لن يكون اقل من 20 % من حجمها الاساسي كما تدل على ذلك تجارب الدول المتقدمة في هذا المضمار.
إدارة «المنزلية»
تتمحور مشكلة النفايات المنزلية في لبنان بشكل اساسي حول مسألة مواقع الطمر سواء كان ذلك يتعلق بمواقع المكبات العادية او بمواقع الطمر النهائي بعد عملية الفرز وإعادة التدوير.
كما تتناول مسألة النفايات موضوع المعالجة قبل الوصول الى المكبات. حتى تاريخه، تمّ استبعاد عملية حرق النفايات لأسباب مالية وبيئية، وينبغي بالتالي تشجيع عمليات إعادة التدوير ولكن دون التوهم بأن ذلك سيكون سهلاً، نظراً للعوائق المالية. على المدى القصير، ينبغي ايجاد حل للوضع الحرج الذي تعاني منه التجمعات العمرانية الكبرى، وذلك من خلال إيجاد وتخصيص الاراضي الضرورية وإعادة تأهيل المواقع المتضررة.
إن العناصر الرئيسية التي يجب أخذها بالاعتبار في تصميم المكبات والمطامر هي الآتية: الكميات المرسلة الى هذه المكبات التي يجب العمل على تقليصها انطلاقاً من المصدر: يتم بشكل اساسي عبر خفض التعليبات بإخضاعها للضريبة او من خلال استعمال مواد مدوّرة او قابلة للتدوير او قابلة للتلف البيولوجي. والفرز الانتقائي (Presorting): في المصدر مع استعمال الاكياس قابلة للتحلل (Biodegradable) الامر الذي يؤدي الى تحسين نوعية المواد المستعادة، وفي المصنع لناحية استعادة المواد. وإعادة التدوير مع توسيع اسواق البيع للمواد المستعادة وتشجيع صناعات التدوير. والتسميد المفترض تحسينه. وتصنيع الاسمدة الحيوية (Biofertilizers). مع الاخذ بالاعتبار مسافات النقل اذ يجب ان تقام مواقع المعالجة اقرب ما يمكن من مصدر النفايات. بالاضافة الى الشروط المناخية والهيدروجيولوجية التي يفترض اخذها بالاعتبار. بالاضافة الى اختيار المواقع بالتشاور مع البلديات والمجتمع الاهلي. بالاضافة الى عمليات الجمع التي يمكن ان تقوم بها الشركات او البلديات. واعادة تأهيل المكبات القديمة.
اختيار مواقع الطمر
يجب ان تكون عملية اختيار المواقع مدعومة ومقبولة على الصعد السياسية والاجتماعية والتقنية. كما ينبغي ان تكون المعايير التقنية والادارية اساساً لعملية الاختيار، يليها الاعتبارات السياسية والاجتماعية.
إن العوامل المطلوب دراستها من اجل تحديد ملائمة مواقع استقبال النفايات هي بشكل خاص الوضع الجيولوجي للينابيع والمياه الجوفية والتضاريس والتأثيرات البيئية. والشروط الملائمة من حيث الوضع الجيولوجي للمياه والينابيع تتكون من تضافر معقد بين عوامل عدة منها الارض وعمق التربة السطحية والمسافة الفاصلة بينها وبين المياه الجوفية والانهر. أما بالنسبة للتأثيرات البيئية الكامنة، فأخطرها هو المتعلق بإمكانية تلويث المياه .
بالاضافة الى ذلك، ينبغي ان تكون المواقع قريبة بما يكفي من المناطق الآهلة لتخفيف كلفة النقليات الى حدّها الادنى، بشرط ان تكون بعيدة بما يكفي للحفاظ على الصحة العامة ولتخفيض سعر الاراضي وإيجاد مساحات كافية لها.
إن دراسة شاملة للاراضي اللبنانية على اساس هذين المعيارين الاساسيين: بعد المسافة عن المناطق العمرانية وخطر تلوث المياه تتيح وضع خرائط للمناطق التي ينبغي تجنب اقامة اية مواقع للطمر فيها.
من الممكن الا تستبعد المواقع التي لا تجتمع فيها كل الشروط الملائمة لاستعمالها كمطامر، عن اعتمادها كخيار نهائي؛ ينبغي ولكن علينا ان ندرك ان كلفة تحضيرها وترتيبها لهذه الغاية ستكون باهظة.
ومن الممكن استخدام مواقع بعض المقالع القديمة لاستقبال النفايات، ولكن بعد دراسة معمقة لكل حالة على حدة، تتناول قياس مخاطر تلوث المياه والهواء والتأثيرات على الصحة وعلى المناظر المحيطة. كما ينبغي التشدّد على طمـــــر المواد المتعادلـــة ( Neutral ) فقط والاتجـــــاه نحو «صفــــر طمـــــر».
الجوانب الإدارية
من المسلّم به انه من الضروري ان تعمل وزارتا البيئة والداخلية معاً في سبيل ادارة مناسبة لهذا القطاع. ان مشاركة وزارة البيئة في اعتماد استراتيجية للقطاع، واختيار مواقع التفريغ، تبعا لمعايير تقنية وبيئية، والرقابة، هي امور ضرورية ومهمة من اجل ادارة مستدامة. اما مشاركة وزارة الداخلية في تحديد المواقع المهيأة وتوسيع الخبرة الادارية والمالية وتوفير أي دعم آخر للبلديات، فهي حيوية لتأمين النجاح في هذا القطاع. ان تعزيز القدرات التقنية والادارية لهاتين الوزارتين، في موضوع النفايات وادارتها، يعتبر جوهريا في سبيل ادارة ناجحة وفعّالة.
ان الوضع المالي في البلديات يشكل بدون شك احد اهم القيود التي تعيق التشغيل السليم لقطاع النفايــــات. نظريا، يحق للبلديات اكثر من 35 ضريبة وجعالة ولكنها تواجه مشاكل كبرى في الجباية بالاضافة الى احتجاز قسم كبير من وارداتها من قبل الدولة التي تصرفها باسمها. ومن اجل اصلاح الوضع ينبغي التفكير باصلاح اداري مبني على الافكار التالية: اما ان تكون هناك اموال ثابتة مخصصة من قبل الدولة للبلديــات من اجل ادارة النفايات يتم دفعها لها بشكل منتظم، واما ان تكون هناك لامركزية حقيقية في المسؤوليات تمنح للبلديات سلطة اكثر وضوحا في موضوع جباية الضرائب المتعلقة بادارة النفايات الصلبة مباشرة من المكلفين. هذا الحل الاخير قد يكون مفضلا؛ ولكن تنفيذه بطريقة فضلى يستوجب التعاون ما بين البلديات (اتحادات وتجمعات البلديات).
الرؤية والخلفية
1ـ توضيح الصلاحيات باعتماد اللامركزية في ادارة ملف النفايات الذي يجب ترك امره الى اتحادات البلديات. ويمكن ان يتم ذلك لمصلحة اتحادات البلديات الموجودة حالياً، او اتحادات جديدة تختصّ فقط بإدارة النفايات.
2 ـ تأمين المصادر الضرورية لاتحادات البلديات لتستطيع مواجهة مشكلة النفايات. والحل الامثل هو في منح البلديات صلاحية تحديد مستوى ضريبة النفايات المنزلية وتحصيلها، على ان تضيف الدولة الى هذه الاموال مساعدات مالية للبلديات الفقيرة لتصحيح التفاوت بين المناطق.
3 ـ تحديد الاهداف المرجوة من قبل الدولة، وتنظيم الجدول الزمني لتحقيقها، ويمكنها عندئذ تخفيض مخصصات البلديات التي لا تحقق الاهداف المطلوبة في موعدها، ممّا يضطرها على رفع ضرائبها وتحمّل المسؤولية امام المواطنين.
4 ـ إعطاء وزارة البيئة صلاحية رفض الترخيص لإنشاء مطامر مقرة من قبل البلديات، اذا ما تبيّن ان اثرها البيئي غير مقبول، لا سيما على الصحة العامة (التأثير السلبي على المياه الجوفية، الزراعة، الصيد البحري... إلخ).
5 ـ لحظ تعويضات مالية، تدفعها اتحادات البلديات سنوياً (للطن مثلاً)، للبلديات التي توافق على اقامة المطامر ومصانع معالجة النفايات في اراضيها.
6 ـ بانتظار هذه الاصلاحات، من الضروري متابعة اعمال المشاريع المقّرة، والملحوظة في برامج مجلس الانماء والاعمار، كما يجب العمل لايجاد حلول لمشكلة مطامر بيروت الكبرى.
7 ـ من الملائم ان تقوم الدولة بإيلاء عناية اكبر لمسائل نفايات المستشفيات والنفايات الصناعية. ومن الممكن ان تقوم وزارة البيئة بإعداد الانظمة المناسبة في هذين المجالين بالتعاون مع وزارة الصحة (بالنسبة للمستشفيات) ومع وزارة الصناعة (بالنسبة للنفايات الصناعية).
8 ـ اصلاح ادارة النفايات في لبنان التي تصطدم بثلاثة عوائق: تنظيمية (توزيع ادوار وزارات الداخلية والبلديات والبيئة ومجلس الانماء والاعمار) ومالية (لا تمتلك البلديات الاموال الكافية لتمويل هذا القطاع)، واجتماعية (رفض البلديات اقامة المطامر ووحدات المعالجة في اراضيها).
9 ـ ان المعايير المشار اليها أعلاه مستوحاة من الخطة الشاملة لترتيب الاراضي اللبنانية في هذا المجال (مرسوم رقم 2366/2009) والمحددة في قانــون التنظيم المدنــي (المرسوم الاشتراعي رقم 69/1983) لا سيما المادتين 2 و 4 منه.