نخبة من أصحاب الاختصاص ناقشوا الحقوق والتحديات مقدّمين مقاربة فقهيّة وتعليميّة وقانونيّة
افتتح مركز دراسات الأقليّات في الشرق الأوسط RCMME في جامعة الروح القدس- الكسليك مؤتمراً دولياً بعنوان "الأقليّات في الشرق الأوسط: مسألة الحقوق وتحدّيات المواطنة". يستمر المؤتمر ليومين بمشاركة نخبة من أصحاب الاختصاص والامتياز من لبنان وكندا، وفرنسا والعراق وسوريا.
وحضر الافتتاح السفير البابوي المونسينيور غابريال كاتشيا، الآباء المدبرون في الرهبانية اللبنانية المارونية، وحشد من النواب والمقامات الروحية والقضائية والنقابية والحزبية والسياسية والجامعية والإعلامية ورئيس الجامعة الأب هادي محفوظ وأعضاء مجلسها.
الخازن
افتُتح المؤتمر بكلمة تقديم للدكتورة ماريا ماغدالينا الخازن شددت فيها على ضرورة الاعتراف الكامل بوجود الأقليات والاحترام التام لثقافتها والإقرار بجميع حقوقها بما فيها المدنية والسياسية والدينية.
الأب عقيقي
ثم ألقى نائب رئيس الجامعة للبحوث ورئيس المركز الأعلى للبحوث الأب يوحنّا عقيقي كلمة اعتبر فيها أنّ "مسألة الأقليّة والأكثريّة هي مسألة كونيّة طبيعية قبل أن تتكوّن في عقل الإنسان وتصوّراته المختلفة. لذا نراه باحثًّا في العلّة الوجودية الأولى سائلًا عمّا إذا كانت الأحد أم الكثرة. وغالبًا ما انتهى بخلاصة ترى تزاوجًا سرّيًا قدسيًّا متينًا، ومتناغمًا بين الاثنين، من حيث صورة الضدّين، المكونين المتكاملين، لكلّ موجود".
وتابع قائلاً: "لا أكثريّة من دون أقليّة ولا أقليّة دون أكثريّة. وكلاهما مقياسان نسبيّان للعائلة البشريّة الواحدة، لإنسيّة جوهريّة زاخرة بكلّ نفيس. فالتنوّع غنى الأكثريّة والأقليّة على السواء. والمساواة في الكرامة لا تحذف الحقّ في الخصوصيّة ولا يجب أن تفعل... مشكلة الأقليّات هي مشكلة حقوق منزوعة، وعدالة مشوّهة ضائعة، ومساواة لا نؤمن بها، لأنّا، وبكلّ صراحة، لا نريدها. "فأنا، مع من أمثّل وإلى من أنتمي، أهمّ وأفضل منك حيثما أنت وكيفما كنت!" وفي صدر كلّ منّا شريعة غاب لا تروض ولا تروحن إلّا باستئصال القلب الحجر وزرع قلب الرّحمة الذي يقبل بالآخر على اختلافه وعلى الرّغم من نجاحاته أو إخفاقاته! فحقوق الأشخاص والجماعات لا ترسمها القوانين التي تستر جمًّا من الاجتهادات المتناقضة والارتهانات السياسيّة الخبيثة، بل الأعراف والمواثيق الإنسانيّة ؛ ولا تسنّها النّخب التي تنال أجرها على عدد الكلمات، بل تكتب بالدماء، بالصدق، بالدموع وبالتراضي، القائم، هو أيضًا، على منطق التبادل المجتمعيّ الأساسيّ. فشخصيّة الفرد، المميّزة بمواهبها وطاقاتها المختلفة، لها من عجين الجماعة ملحًا وماءً وطحينًا، ويدًا كريمة، وخميرة صالحة، قادرة على العطف، والمزج، والعرك، والجمع في سبيل رغيف واحد لا غير".
وختم بالقول: "ولأنّا أبناء القيامة، في زمن القيامة، فلنعترف ببعضنا صادقين، مقرّين بأخطائنا متواضعين، لنحوّل فشلنا نجاحًا وموتنا قيامة. لنتحرّر من عقدة قايين وهابيل، ومن إرث اسحق واسماعيل، وإن اقتضى الأمر، فلتمح من مخيلتنا قصّة التكوين الأولى مع آدمها وحوّائها، ولنتمسّك بالثانية دون سواها، حيث الأنوار التكوينيّة صافيةٌ لا عتمة تكشح عنها. هذه هي خلاصة المسألة - القضيّة التي تثبّت الانتماء إلى إنسانيّة جديدة تعترف ببعضها البعض وتحترم حقوق بعضها البعض مهما اختلفت مشاربهم، وثقافاتهم، ولغاتهم، ودياناتهم".
ساويرس
ثم ألقى محاضرة الافتتاح رئيس شركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا، ومؤسّس "حزب المصريين الأحرار" الأستاذ نجيب ساويرس من مصر حيث تحدث عن "تجربة الأقليات في الشرق الأوسط، وقراءة في واقع الأقباط في مصر"، معتبراً أنّ " حكمة الله في خلقه أديان مختلفة هي أن يعيش كل إنسان بحسب دينه ويحافظ على التعايش وتقبّل الآخر، لأننا كلنا أولاد الله".
ثم أضاف: "يولد الصراع بين الأغلبية والأقلية من شعور فرد ينتمي إلى أقلية معينة بعدم معاملته بطريقة مشابهة لتلك التي يحظى بها فرد ينتمي إلى الأكثرية. وإنّ مسألة تهجير المسيحيين من الشرق، لاسيما في العراق وسوريا، تحزنني كثيراً لأنني أؤمن بأن التزاوج بين المسلمين والمسيحيين هو تزاوج إيجابي ومفيد لأنّه يقلل من حدة التطرّف ويزيل مشاهد الإجرام والوحشية".
كما عرض "لتطوّر وضع الأقباط في مصر عبر الزمن. ويمكن القول أنّ الوضع الحالي هو الأفضل، فأبناء الطائفة القبطية في مصر، حالياً، لا يعانون من أي نوع من أنواع الترصّد أو القتل أو الأذى، لاسيما بعد زيارة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي مقرّ البابا شنودة والمشاركة في قداس عيد الميلاد الذي أقيم في الكاتدرائية المرقسية في القاهرة في العام 2016".
وفي الختام، أصرّ على "التمسّك بالأمل كي تحصل الأقليات على كامل حقوقها مع تفضيل المصلحة الوطنية وحب الوطن على المصلحة الشخصية والمطالب الطائفية ورفض الطائفية وتخصيص المناصب بحسب الطوائف، وأكبر دليل على ذلك هو وجود 95% من العاملين في شركاتي من المسلمين".
الطاولة الأولى
الأب أحمر
وانعقدت طاولة مستديرة أولى حول موضوع: "الأقليّات الإثنيّة والدينيّة في الشرق الأوسط: مقاربة فقهيّة وتعليميّة وقانونيّة"، أدارها عميد كليّة اللّاهوت الحبريّة في جامعة الرّوح القدس – الكسليك الأب أنطوان الأحمر الذي اعتبر "أن لهذه الوقفة الأولى إذًا من اللقاء بعدٌ ديني وحقوقي. هي مقاربة فقهية، ولاهوتية أو تعليمية، وقانونية، لمسألة الأقليات الإثنتية والدينية في الشرق الأوسط. ثلاثة من رجال الفكر، يمكنني القول المرجعيات، سيحاولون الإجابة على سؤال يطرحه كل إنسان في هذه الأزمنة العصيبة التي يمرّ بها شرقنا، مع أنه، أو ربما لأنه، منبع الديانات. ماذا تقول الديانات، تحديدًا المسيحية والإسلام، في التعايش بين البشر؟ وما هي القوانين التي تحمي وجود الأقليات؟"
المفتي الشعار
وتحدث فيها مفتي طرابلس والشمال، الشيخ الدكتور مالك الشعار عن "حقوق الأقليّات في الفقه الإسلاميّ". وقد أوضح سماحة المفتي موقف الإسلام في موضوع الأقليات، كي لا يبقى الحديث في العموميات. واعتبر أولا "أن المشكلة الأساسية في وجود الأقليات وحقوقهم هي غياب القيم السماوية، وكلها أتت لتحقيق الخير والمصلحة للإنسان. لا تضارب بين الرسالات السماوية والأنبياء كلهم إخوة". ثم ذكّر أن مصطلح الأقليات نفسه غير موجود في الإسلام. لقد استجدّ مع تقهقر السلطنة العثمانية. الإسلام يعتبر الجميع مواطنين. يستند هذا التصريح على أسس أربع: ١- البشر إخوة بالخلق. ٢- والأخوة الإنسانية تفرض أن يعمّ العدل، لا بل الإحسان. 3- المساواة، بحسب المبدأ القائل: لهم ما لنا وعليهم ما علينا. ٤- الحرية، بحسب القول الشهير: لا إكراه في الدين، إنما فقط تذكير بالرسالة. ودعم سماحته كل من هذه الأسس الأربعة بآيات من الكتاب، وبأقوال ومواقف من السيرة والأحاديث. في الختام، اعتبر المفتي أن ما يحدث في أيامنا من عنف وإرهاب تجاه الأقليات لا علاقة له مطلقًا بالإسلام.
المطران حداد
وتناول المطران الدكتور إيلي حداد موضوع "تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة وموقفها حول الأقليات". وقام بعرض تاريخي للكنيسة، "كنيسة كانت المدافعة دائمًا وباستمرار عن الأقليات، على سائر أنواعها. برز ذلك من خلال تعليمها، لا سيما رسائل البابوات، ومواقفها التي مهدّت لشرعة حقوق الإنسان. وأساس هذه المواقف نظرتها إلى الإنسان كإنسان، وهمّها المحافظة على كرامته الإنسانية وبناء مجتمع بشري يليق بهذا الإنسان". ثم توقف سيادته على تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني وما تبعه من سينودسات، في مجال حقوق الإنسان والحرية، حرية الفرد والمجموعات البشرية. والحرية الدينية، بحسب يوحنا بولس الثاني هي أساس كل الحقوق. وأضاف: "إن الكنيسة تعتبر التعددية غنى للشعوب، وليست مشكلة. هذه الحقيقة هي واقع، أو يجب أن تكون واقعًا في الشرق، كما شدّد عليه البابا بنديكتوس السادس عشر الذي قال أن المسيحيين والمسلمين واليهود جميعهم أبناء الشرق ويتقاسمون غنى هذه الأرض المقدسة. ووصل المطران حداد في عرضه لتعليم الكنيسة إلى فرنسيس، بابا الفقراء، الذي اعتبر أن الفقراء هم الأكثرية في هذا العالم.
نجّار
واختتمت الطاولة الأولى بمداخلة للوزير السابق البروفسّور ابراهيم نجّار تطرّق فيها إلى مسالة "الأقليّات وإشكاليّة استعادة ذاتيّتها القانونيّة." وقد وضّح البروفسور نجّار معاني وأبعاد بعض المصطلحات: الطائفية، المواطنية، الأكثرية، الأقليات، العددية، التعددية، إلخ. وذلك انطلاقًا من الدستور اللبناني والقوانين التي يرجع بعضها إلى الحقبة العثمانية. بالمقارنة مع القوانين المتّبعة في لبنان، ونظام الأحوال الشخصية لكل طائفة، لا ضمانات حقيقية للأقليات في البلدان العربية الأخرى. لبنان هو بالفعل نموذجًا في هذا المجال.
↧
مؤتمر عن "الأقليات في الشرق الأوسط" في جامعة الروح القدس
↧