حسان الحسن - الثبات -
بعد استعادة الجيش السوري وحلفائه مدينة تدمر الاستراتيجية، ثم توجُّههم نحو منطقة القريتين، ومحاولتهم ربطها ومهين بقرى القلمون الغربي، بات من تبقّى من مسلحي تنظيم "داعش" في الجنوب الشرقي لمحافظة حمص بحاجة إلى ملاذ آمن، ولم يجدوا مكاناً مناسباً أفضل من عرسال وجرودها، حيث النفوذ السعودي، والحضور الفاعل لـ"تيار المستقبل"، اللذين يوفران لهم البيئة الحاضنة، خصوصاً من خلال تبنّي مسؤولي "التيار" الخُطب والشعارات المذهبية.
كذلك يؤمّن هذا الثنائي الغطاء الأمني والسياسي اللازم لحماية "الدواعش" في عرسال، حيث يتمتعون بالحصانة الطائفية، لأن حزب الله لن يدخل إلى المنطقة المذكورة تلافياً لإثارة فتنة مذهبية، ويحظون أيضاً بالحصانة السياسية، لأن الحكومة لم تتخذ حتى الساعة قراراً بدخول الجيش اللبناني إلى عرسال، وبالتالي لا أحد يطاردهم فيها.
وعن كيفية انتقال فلول المسلحينمن جنوب حمص إلى السلسلة الشرقية، رجّحت مصادر ميدانية أنه قد يتم انتقالهم بشكل فردي، وسيراً على الأقدام، مؤكدةً استحالة انتقالهم الجماعي مع وجود الطائرات وأجهزة المراقبة الروسية والسورية العاملة في المناطق السورية المذكورة.
وتعرب المصادر مخاوفها الجدية من توسع "داعش" في الأراضي اللبنانية، أي في جرود عرسال ومحيطها، لاسيما بعد التطورات الميدانية الأخيرة في الشطر الثاني من الحدود، تحديداً في ضوء تقدّم الجيش السوري نحو القريتين، ومحاولة ربطها بمهين.
وفي سياق متصل، وعن المعارك المستعرة مؤخراً بين "جبهة النصرة" و"داعش" في السلسلة الشرقية، يؤكد مرجع عسكري واستراتيجي أن "تنظيم الدولة" يعتمد نظرية أحادية في "الحكم"، وبالتالي يرفض وجود أي فصيل مسلَّح يقاسمه النفوذ على الأرض، لذا يحاول السيطرة على كامل المناطق الخارجة على سلطة الدولة في الجبال الشرقية.
ويذكر المرجع أنه سبق لـ"داعش" أن حاول التقدُّم من جرود رأس بعلبك باتجاه مشاريع القاع ثم إلى جرود عرسال، لطرد "النصرة" منها، غير أن دفاعات الجيش اللبناني والمقاومة أسقطت "حلم الإمارة الداعشية" في البقاع، ويستبعد أن يجرؤ "الدواعش" وسواهم علىالتسلسل نحو المناطق ذات الغالبية الشيعية، كاللبوة ويونين، حيث الحضور الفاعل للمقاومة الجاهزة لصد أي هجوم محتمَل.
لا ريب أن هناك قراراً إقليمياً بالإبقاء على هذا الوضع الشاذ في عرسال، بدأ سريانه مع انبلاج الحلم السعودي بالإطباق على دمشق من الجهة الغربية، والذي تبدد، لاسيما بعد دخول الجيش السوري وحزب الله إلى الزبداني ودكّ معاقل المسلحين في مضايا ووادي بردى، ما أسهم في تعزيز طوق حماية العاصمة السورية من خطر الإرهاب.
وفي سبيل تعزيز حماية دمشق أيضاً، سبقت "عملية الزبداني" الإنجازات التي حققتها المقاومة في السلسة الشرقية، بعد سيطرتها على فليطا والجراير في سلسلة جبال القلمون، وجرود نحلة المحاذية للجرود السورية من الجهة الجنوبية لجرودعرسال.
إذاً، بعد الإنجازات التي حقّقها الجيش السوري والمقاومة في الجبال الشرقية، لم تعد جرود عرسال والقاع تشكل مصدر تهديد حقيقي وفاعل للاستقرار في المناطق اللبنانية والسورية المحيطة،فقد شلّت هذه الإنجازات القدرات الهجومية لدى "تكفيريي الجرود"، وأفقدتهم المبادرة في الميدان، ولم يعد بوسعهم سوى التسلل إلى الداخل اللبناني، ضمن مجموعات صغيرة، بقصد الاستشفاءوما إلى ذلك، لكن ستستهدفها نيران الجيش اللبناني وحزب الله؛ كما حدث في الأسابيع القليلة الفائتة في عرسال ورأس بعلبك.