أمين أبوراشد -
يوم أمس، إحتفلنا في لبنان بأحد الشعانين، وحملنا أطفالنا مع شموع الأمل، لإستقبال "الآتي باسم الربّ"، وحملنا آمالاً واثقة مع بدايات الربيع، أننا من أبناء الحق، وأجراسنا لا بدّ لها وأن تُقرع الى الأبد على امتداد الشرق، واحتفلت معنا "معلولا"، المحرَّرة من رجس الشياطين، وقرعت أجراسها التي أعادتها دماء أبناء الحق من شهداء المقاومة والجيش السوري، ولملمت جراحها، ورفعت أيقوناتها، وبات لديها الإيمان بنفسها، هي البلدة الناطقة بالآرامية، أن قدر المسيحيين في هذا الشرق كما سائر الأقليات، جلجلة لا بدَّ وأن تنتهي، عندما يعود الإيمان الى قلوب أبناء الأديان السماوية جميعها، ويتوقَّف القتل والنحر والتنكيل والتهجير مع انكفاء جماعاتٍ إرهابية تكفيرية تسكنها الشياطين.
إحتفلنا كما كل سنة بأمان، بفضل الجيشٍ والمقاومة والوعي الشعبي المُبهر، رغم تهديدات الدواعش لمسيحيي لبنان مؤخراً، بدفع الجزية أو القتل أو التهجير، وقدَرُنا كجزء من الشعب اللبناني أن نواجه ما يواجهه أبناء الشرق، ولسنا نخشى من الخارج وهَّابياً دعا ويدعو الى تدمير كنائس الجزيرة العربية، ولا يعنينا من يدَّعي تمثيلنا في الداخل، ويدعو بخفَّة ما بعدها خفَّة، الى أن الإنسحاب الروسي يستوجب تطبيق "إعلان بعبدا" وبالتالي انسحاب حزب الله من سوريا.
إن ربط مسألة وجود المقاومة في سوريا بوجود سواها، مسألة فيها من التسخيف في الرؤية الإستراتيجية، ما لم يعُد الإسترسال في شرحه مجدياً، وإذا كان الدور الروسي قد أعاد التوازن في مواجهة إرهاب الدول وإرهاب المنظمات على الأرض السورية، فإن وجود المقاومة هو أصيل ولإعتبارات مغايرة تماماً، و"حارس المرمى" اللبناني، ليس عليه مراقبة كرة النار على حدوده تهدِّد مرماه الداخلي، ولا رؤيتها تتدحرج لتحرق أكثر وأكثر محور المقاومة والممانعة والصمود بمواجهة إسرائيل من جهة أولى، وإرهاب الدواعش من جهة ثانية، والأعراب حلفاء إسرائيل والدواعش وأدوات أميركا من جهة ثالثة.
هو الفيلم الأميركي الطويل في مواجهة المقاومة وحلفائها بكافة الوسائل، منذ محاولة إدارة فيسبوك مُعاقبة الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي لمجرَّد أنهم يضعون صورة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على صفحاتهم، وقضية التقييد على المصارف التي يدَّعون أنها تُسهِّل معاملات مالية لمقرَّبين من الحزب، والضغط غير القانوني وغير الإنساني على العاملين اللبنانيين في بعض دول الخليج تحت ذرائع مناصرة المقاومة، وقرار مجلس التعاون الخليجي تصنيف المقاومة الأوحد والأشرف في تاريخ العرب أنها إرهاب، ثم ما تلا ذلك من مواقف غير مشرِّفة لوزراء داخلية ومن بعدهم وزراء خارجية عرب، الى أن اتَّضحت هوية "الجامعة العربية الجديدة"، عندما اختير أحمد أبو الغيط المقرَّب من إسرائيل والحاقد على الشعب الفلسطيني أميناً عاماً.
وإن الأساليب المذهبية المريضة، التي يحاول بعض دُعاة حماية أهل السنة استخدامها ضد إيران وحزب الله والحلفاء، هي ساقطة على المستوى الشعبي العربي منذ بدايات "ربيع الإنتحار"، وإذا كانت إيران قد انتصرت قومياً بالحق وعن جدارة في ملفها النووي، فإن حزب الله قد انتصر وطنياً وقومياً في قضيته الشريفة منذ العام 2000 على إسرائيل وأميركا وعلى الأدوات العربية، والنصر الأكبر المشترك لإيران والمقاومة اللبنانية هو في فشل المذهبيين في زرع المزيد من الشقاق والتدمير والتهجير وتسييل الدماء العربية فيما حدود إسرائيل وحدها الآمنة.
أين دُعاة حماية السنّة من سنَّة فلسطين وحرمة المقدسات المنتهكة منذ عام 48 وحتى اليوم، وهل أن إيران سنِّية عندما أعلنت دعمها المطلق للقضية الفلسطينية منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 79، وهل أن حزب الله انطلق من قواعد شعبية سنِّية لتكون فلسطين قُبلة مجاهديه ولا تقل أهمية وقداسة عن قضية تحرير لبنان وحمايته؟
أين دور إيران وحزب الله في الإشتباكات المستعرة في جنوب اليمن الآن بين السنَّة والسنَّة، وأينهما من الحروب الضروس بين الليبيين أنفسهم، وبين داعش التي تدَّعي السنِّية وسنَّة العراق في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالا، وأينهما مما يحصل في تونس وشمال سيناء وتركيا، ومن أية مدارس تخرَّج إرهابيو القرن، الذين يزرعون الموت في إفريقيا وأوروبا بعد أن عمَّدوا أوطان العرب بالدَّم وأحالوا بعضها رمادأ؟
الجواب جاء من الكويت منذ يومين،عندما قبضت السلطات على مواطنٍ سعوديّ بتهمة التحريض المذهبي، مع ما في الكويت من تنوّع طائفي ومذهبي، والتغاضي عن زرع الفتن المذهبية ضمن مجتمعها يهدِّد كيانها، وربما آن الأوان لبعض الأنظمة الخليجية وخاصة في البحرين والكويت أن تُعيد النظر بما سبَق وأن تنأى بشعبها واستقرارها عن المغامرات الوهَّابية والتركية الحمقاء، لأن ما قاله سيِّد الإرهاب من البيت الأبيض بحق حلفائه وخاصة السعودية وتركيا لم يقله جرير بالفرزدق، ونفضت أميركا، كما عادتها، يديها من أدواتها وعملائها، وشرق أوسطٍ جديد على قياس الشعوب المظلومة الثائرة سوف ينشأ، خلافاً لكل القياسات الأميركية والإسرائيلية ودكتاتوريات العائلات الخليجية.
وبانتظار الإطلالة التاريخية الشاملة لسماحة القائد المقاوِم السيد حسن نصرالله مساء اليوم الإثنين، والتي ستغنينا عن كل القراءات والإجتهادات، نكاد نجزم أن ما بعدها ليس كما قبلها، وآن أوان تنصيب الحق سلطاناً في هذا الشرق، وأن ينتهي زمن المتسلِّطين سفَّاكي الدماء القابضين على رقاب الأبرياء، وكرة النار مردودة الى مطلقيها، والسيف مرتدٌّ الى نحور حامليه، وإذا كانت الإرتدادات بدأت على أنقرة واسطنبول فهي ليست بعيدة عن كل كيانات "صناعة الموت"....