Quantcast
Channel: tayyar.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 174721

هل سيلج لبنان استقراره مع تسوية مرتقبة أو يعود ساحة احتراب؟

$
0
0


جورج عبيد-


عناوين كثيرة تترادف تباعًا ترتبط بحقيقتها في واقعنا اللبنانيّ، ت�جمع من جوف قرار الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بالانسحاب الجزئيّ من سوريا. من هذه العناوين، عنوان أساسيّ وجوهريّ، لا يمكن الحياد مطلقًا عنه، هل سوريا متجهة نحو تسوية تكوينيّة أو تطويريّة تاريخيّة تقودها من الحرب إلى سلام ينبع ويبنلج من مجموعة إصلاحات دستوريّة وسياسيّة تمّ التداول بها مع الطرف السوريّ، وبخاصّة مع وزير الخارجيّة السوريّة وليد المعلّم، عنوانها كتابة دستور جديد لسوريا وتوطيد مشاركة معظم المكونات والأطياف السياسيّة في الحكم؟ وإذا ما تأمّن ذلك لسوريا والمنطقة، فهل لبنان مهدّد بالانفجار الأمنيّ لتوطيد التسوية في سوريا والمنطقة؟

 

طرح السؤال بحدّ ذاته، ضروريّ في مثل تلك الظروف، نظرًا لأن لبنان بتكوينه الداخليّ ومنطلقاته البنيويّة استجمع كلّ عناوين الصراع والاتفاق في الشرق الأوسط، فطورًا كان الانفجار فيه يؤمّن الاستقرار ويحميه في المنطقة كما حدث خلال الحرب اللبنانيّة الأخيرة، بل حروب الاخرين بنا، وحين تمزّقت المنطقة والتهبت في الآونة الأخيرة من اليمن إلى سوريا مرورًا بليبيا وتونس ومصر والعراق، تأمّن الاستقرار للبنان، من ضمن مسلّمة ترسّخت بقوّة وهي انّ الاستقرار مطلوب في لبنان لحماية الحرب على الإرهاب.

 


التأمّل بتلك المعادلة يعيدنا حتمًا إلى تاريخ الأحداث اللبنانيّة. ففي تلك المرحلة الأخيرة تقاتل الجميع على أرض لبنان باللبنانيين، تقاتل الفلسطينيّ والسوريّ، والسوريّ والإسرائيليّ، والعراقيّ والسوريّ، والمصريّ والسوريّ وبخاصّة بعد اتفاقية كمبد ديفيد الشهيرة بين مصر وإسرائيل وقد اعتبر زلزالاً كبيرًا في مندرجات الصراع العربيّ-الإسرائيليّ، وتحوّلاً كبيرًا في مدى الشرق الأوسط بأسره. لبنان-الشرق الأوسط الصغير (والتعبير لكريم بقرادوني) بصراع المحاور فيه وعليه، أمّن بحدود كبيرة الاستقرار في معظم بلدان المشرق العربيّ وفي الخليج العربيّ، أي في الشرق الأوسط الكبير والواسع. وممّا يذكر بأنّ ذلك كان مطلوبًا طبقًا لقاعدة رسمها في ذلك الحين هنري كسينجر وزير الخارجية الأميركيّ الأسبق، تجعل لبنان أرضًا محروقة، حاول فيها دمج القضيّة اللبنانيّة بالقضيّة الفلسطينيّة، علّ تلك القضيّة تحلّ في لبنان وعلى أرضه بدلاً من فلسطين وعلى أرضها.
هل التاريخ يعيد نفسه؟ مشكلة اللبنانيين وبعض نخبهم القادرة على الاستقراء والاستنباط، أنهم لم يوائموا بين تجربة التاريخ وما دفعناه من أكلاف غالية بسبب غبائنا وعدم قدرتنا على ترسيخ وفقانا وفقًا لقاعدة ميثاقنا، وبين حاضر عاد في تفاصيل كثيرة يجترّ العناوين عينها لا ليمضغها لكن ليفجرها في الظاهر والباطن. لم تعد المسألة في حقيقتها مرتبطة بالفراغ الرئاسيّ، وفي الأساس ليس هذا الفراغ عنوانًا جوهريًّا على الرغم من إشارة الأمم المتحدة إليه في بيانها أمس الأوّل وفي معرض تقييمها للقرار 1701 ومدى تطبيقه. الفراغ الرئاسيّ تفصيل في أزمة كبرى تتبدّل عناوينها وخطوطها في سوريا وحولها بصورة دراماتيكيّة. ويتضّح في ظلّ التفلّت الاجتماعيّ والأخلاقيّ والسياسيّ والفوضى الغذائيّة مضاف على كلّ ذلك مسالة النفايات، بأنّنا مأخوذون إلى مرحلة صعبة للغاية وقاسية تتمحور بأنّ الوجود اللبنانيّ بات في أزمة تكوينيّة ويحتاج إلى عملية جراحيّة جديدة للخروج بعدها بتسوية يحدّد الآخرون معاييرها وأطرها مع غياب حدّ أدنى من التوافق النّاظم بشكله ومضمونه للانضباط الداخليّ بالحقيقة اللبنانيّة وليس بالمصالح الأخرويّة.

 


لا تنطلق تلك القراءة من تحليل نظريّ مجرّد. ذلك أنّ معلومات أفادت بأن ثمّة تجييشًا لعناصر مخلّة بالأمن في بعض المناطق، يحاول فيه المجيّشون والحاشدون التسلل خلف تلك العناوين الصداميّة في لبنان باستقراء دقيق لتبدّل اللعبة بعض الشيء في سوريا، مع العلم أن استباق الأمر بالإشارة إلى عمق التبدّل قد يكون متسرّعًا مع احتفاظ الرئيس الروسيّ بحقّ الفيتو في الداخل السوريّ بواسطة السبعين بالمئة من الحضور العسكريّ في حميميم وطرطوس. لكنّ بعضهم بدأ بالإعداد والتجييش لإحداث قتنة داخلية في لبنان تنفجر تباعًا عن طريق حدث أمني وما تلبث أن تتطوّر ريثما تسير التسوية المطلوبة بين اليمن وسوريا نحو الحلّ والتسييل.


وخطورة الأمر ليست في ذلك التجييش المفتعل، بل في الخفّة الواضحة عند بعض السياسيين في التعاطي مع تلك المسالة الدقيقة وعدم كنه أبعادها ونتائجها. فخلال الحرب على الإرهاب جاء الإصرار الأميركيّ دامغًا بالمحافظة على الاستقرار الداخليّ وبشدّة واضحة. واستمرّ على وتيرته ومن ثماره تأليف حكومة الرئيس تمام سلام، وتأكّد ذلك الوضوح الشديد خلال تلك المرحلة الدقيقة، من خلال مأدبة غداء جمعت القائم بالأعمال الأميركيّ ريتشارد جونز مع رجال أعمال واقتصاديين ومصرفيين تمّت الإشارة إليه في مقال سابق وفيه شدّد على ضرورة ضمان الاستقرار الداخليّ الأمني والاقتصاديّ وعدم سقوط الحكومة والعمل على الوحدة الداخليّة. تلك مسلمات وفي ظروف دقيقة للغاية كتلك الظروف، يجب أن تكون هاجس كل اللبنانيين، في ولادة لحظة تسوويّة تاريخيّة مرتقبة في المنطقة، وبإدراك تام بأنّ المنظومة التسوويّة بفلسفتها الواضحة قد تواجه بتلك العناصر المجيّشة لسببين:


1-لأنّ الروس قرروا الانسحاب الميدانيّ جزئيًّا لصالح التسوية. وفي معرض الحديث عنها تتسرّب معلومات تقول بأنّ إعلان الحزب الديمقراطيّ الكرديّ استقلال المناطق المحيطة بكردستان، سيلحظ في جنيف إمّا بحرص على تمثيل الكراد لكي لا ينفصلوا في المطلق عن النسيح السوريّ، وإما بأنّ ثمّة انكشافًا للامركزية تتوسّع رويدًا رويدًا، ويعطى العلويون ولاية واضحة من الساحل السوريّ حتّى درعا مرورًا بالمناطق المتاخمة للحدود اللبنانيّة، وهذا ما سليقى معارضة واضحة باستغلال للساحة اللبنانيّة كورقة ضغط رافضة تبيح في الداخل اللبنانيّ الاحتراب.


2-لأنّ الأميركيين المصرّين على الاستقرار الداخليّ قد ينحدر منسوب الإصرار من الفعل إلى اللفظ الهشّ بسبب انكفائهم نحو معركة الانتخابات الأميركيّة، وتبدو المعطيات بأنّه لن يكون لديهم المتسع من الوقت للاهتمام المكثّف بالمسألة اللبنانيّة قبل تبلور واقعهم. فيصير الانكفاء منطلقًا متلازمًا مع قرار فلاديمير بوتين الانسحاب من سوريا لإعطاء التسوية فرصة نجاح فيعمد المخرّبون على استهلال الساحة اللبنانية واستغلالها للعبث بالأمن وأخذ البلد نحو المجهول القاتل.

 


ليس المشهد بهذا المعنى مشهد انتخابات بالتحديد. بل هو مشهد متلاطم بعناوين تتفجّر وتتراكم وتتصادم من النفايات إلى القمح المسرطن إلى أخطر قضية وفضحية يواجهها البلد وهي فضيحة الإنترنت والقرصنة الإسرائيليّة خلفها إلى الخلافات في مجلس الوزراء وصراع الديكة كما تمّ التصوير، وما هي سوى عناوين تروي ببساطة قصة بيت بلا سقف، بيت بمنازل كثيرة وهو عنوان كتاب للدكتور كمال صليبي رحمه الله، ونظام بانظمة عديدة طوائفيّة وعشائريّة مرتبطة بما هو خارجيّ بالضرورة، تملكه وتحكمه إما بالتوافق الهشّ أو تمزّقه بالاحتراب. والأزمة بهذا المشهد الفاقع ليس مشهد دولة كائنة وواقفة وضابطة أو ناظمة. إنها دولة اللادولة، دولة الموت والفساد وانهيار الأخلاق والقيم بهذه العناوين القبيحة والنتنة والعفنة، إنها دولة عبثيّة من الخارج والداخل... وفي كلّ ذلك إنّ تلك الأزمات بخضاتها وارتداداتها وارتجاجاتها وتداعياتها تشي باننا أمام أزمة وطن فسد وكيان ضمر ودولة مستحيلة ومواطن مأزوم غير مغلوب على أمره بل يستلذّ العلاقة الزبائنيّة مع الطبقة السياسيّة ويطوّعها لمصالحه الشخصيّة عوضًا من الإدارك بانّ المصلحة الشخصية جزء من مصلحة الكيان، والدليل بأنّ الطبل الطائفيّ حين يقرع تراه يسير خلف زعيمه بلا إيضاح ولا استيضاح بلا سؤال ولا حساب أو جواب، وقد نسي أو تناسى أنّه مصدر السلطات وصاحب السيادة.

 


وبعد فكيف لا يكون لبنان معرّضًا للاهتزاز بتلك العناوين على الرغم من اقتراب المنطقة نحو تسوية مقبلة ومرتقبة؟ هل الانكباب على الملفّ الرئاسيّ أساسيّ وجوهريّ، أو الانكباب على تكوين الدولة بنظام سياسيّ عادل في الأساس هو جوهر كلّ شيءّ وبدء كلّ شيء ينطلق من قانون انتخابات للوصول نحو انتخاب رئيس للجمهوريّة في ظلّ هذا الانهيار القاتل والعبثيّ، ومن ثمّ هل تلك العناوين وجدت لنبلغ الانفجار حتّى منه تولد تسوية داخلية نرتقي بعدها من العدم إلى الوجود؟ أيضًا لننتظر ونرَ علّ النور يضيء من تلك الظلمات الداكنة وعلى الرجاء دائمًا...


Viewing all articles
Browse latest Browse all 174721

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>