جاد ابو جودة- إذا كان من المسلَّم به وفق منطق الأمور أن اللجنة القضائية- الأمنية التي أوصى بتشكيلها قرار مجلس شورى الدولة الصادر عام 2003 للنظر في الطعن الخاص بملف المجنسين لم ولن تتوصل إلى أي نتيجة، فهذا يعني أن الأثر السلبي للتجنيس العشوائي صار واقعاً، وبات من الصعب بمكان إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 1994، حين صدر المرسوم الشهير.
فبتوقيع رئيس الجمهورية الماروني الياس الهراوي ووزير الداخلية الأرثوذكسي بشاره مرهج، تمكن الموقِّع الثالث على مرسوم التجنيس آنذاك، رئيس الحكومة رفيق الحريري، من "تبشير" من سماهم "المستحقين" بنيلهم الجنسية اللبنانية، مفاجئاً نواب الأمة بالموضوع في 21 حزيران 1994، خلال جلسة نيابية كانت مخصصة للمناقشة العامة لسياسة حكومته.
المرسوم الحريري لم يحدد عدد الذين نالوا الجنسية وتوزعهم على الدول، وملفات كثيرين بينهم كانت خالية من أي وثائق تثبت حقهم في اكتساب الجنسية، ما انطوى على فضائح كبيرة، منها مثلاً تجنيس أحد المسجونين بجريمة قتل.
وفي إطار الفضائح أيضاً، تجنيس أشخاص لقاء مبالغ مالية ضخمة، من دون أن يعرفوا لبنان أو أن تطأ أقدامهم أرضه سابقاً.
في تشرين الثاني عام 2006، نشر وزير الداخلية والبلديات بالوكالة أحمد فتفت أرقاماً تشير إلى أن عدد المجنسين بلغ 157,216 شخصاً، وبعد إضافة الزوجات الأجنبيات والأولاد صار العدد 202,527 شخصاً.
بالنسبة إلى التوزع الطائفي والمذهبي للمجنسين، فقد جاء كما يلي: 159,011 مسلماً، أي 78.5 في المئة، بينهم 119,532 شخصاً من السنّة أي 59 في المئة. أما المسيحيون، فعددهم 43,516 شخصاً، أي 21,5 في المئة.
ولناحية التوزيع المناطقي، حل الشمال في المرتبة الأولى، وبيروت في المرتبة الثانية: فقد بلغت نسبة مجنسي الشمال 25,7 في المئة من مجمل المجنسين، في مقابل 25,5 في المئة للعاصمة بيروت.
ومن ناحية أخرى، حل المجنسون السوريون في الطليعة وبلغ عددهم 65,734 مجنساً، أي 42 في المئة، تلاهم حاملو جنسيات قيد الدرس وبلغ عددهم 32,564 مجنساً، أي 20,7 في المئة. أما الفلسطينيون فعددهم 25,168 مجنساً، أي 16 في المئة، فيما تشكل المجنسون الآخرون من مكتومي القيد وعرب وادي خالد والجنسيات الأخرى...
إشارة في الختام إلى أن عدد اللبنانيين المسجلين بداية عام 2010 بلغ 4,816,464 لبنانياً، فيما حقق متوسط النمو السكاني بين عامي 2004 و2009 نسبة 1,33 في المئة سنوياً، وهو ما يقدم إشارة واضحة إلى عدم قدرة لبنان على استيعاب عدد إضافي من السكان...
كل ما تقدم سبق ونشر، وغالبية اللبنانيون ملوا على الأرجح التذكير بتفاصيله.
غير أن العودة إلى طرحه اليوم تنطلق من سؤال تكرر على ألسنة معظم المسيحيين، ولاسيما الزحليون، مع رؤية الحفاوة التي استقبل بها سعد رفيق الحريري في عاصمة الكثلكة.
السؤال ليس موجهاً إلى جهة سياسية محددة، بل إلى الجميع. جميع الذين التقاهم الحريري، زائراً في المنازل والمكاتب، أو ملبياً الدعوات إلى الغداء.
قبل أن ترحبوا وتصفقوا وتهللوا، وقبل أن تمننوا النفس بروافد الأصوات الحريرية الناخبة... هل سألتم رئيس تيار المستقبل عن هذا الملف؟ هل ذكرتموه بأن التزوير المقترف عام 1994 هو المدخل إلى شراكته وإياكم في القرار الزحلي؟ هل استوضحتم مسألة نقل النفوس التي أسهمت إلى حد كبير في إسقاط الراحل إيلي سكاف ولائحته عام 2009؟
الجواب الأكيد: كلا لم تفعلوا. فاسترجاع المناصب المسروقة والمقاعد المنهوبة أولى برأيكم من أي سؤال، ولو كان الاسترجاع الموعود عن طريق السارق والناهب أو وريثه من دون سواه... لا فرق.