
منذ أيام ومع عودة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى لبنان ارتفعت وتيرة الكلام عن ضرورة احترام الدستور والأصول الديموقراطية من زاوية ضرورة نزول النواب الى المجلس النيابي والاحتكام الى اللعبة الديموقراطية لاختيار واحد من المرشحين الثلاثة المطروحين اليوم لرئاسة الجمهورية. هذا الكلام ارتفع منسوبه بقوة مع عودة الرئيس الحريري علما أنه رافق كل الجلسات الخمسة والثلاثين التي لم تنجح في انتخاب رئيس للجمهورية. المفارقة في الأمر أن دعوة النواب والقوى السياسية الى احترام الدستور هي دعوة ظرفية لمصالح محددة ربما لا تخرج عن اطار تسجيل النقاط في السياسة والاعلام. فمعظم القوى السياسية التي تدعو اليوم الى احترام الدستور واللعبة الديموقراطية في النزول الى المجلس لانتخاب رئيس هي نفسها لم تتجاوز الدستور وحسب بل اغتصبت الدستور وكل المواثيق وارادة الشعب وأوصلت في شكل أو بآخر الى حد امتناع البعض عن المشاركة في الجلسات قبل التوافق على الرئيس. فاذا كانت مسألة المشاركة أم لا في جلسات الانتخاب الرئاسية تخضع وخضعت للجدل في الكثير من المحطات الحالية والسابقة، فان ما ارتكبته بعض القوى الحريصة على الدستور أخطر بكثير من المقاطعة.
فهذه القوى السياسية نفسها هي التي مددت للمجلس النيابي مرتين على عكس الدستور وارادة الشعب وسلطته. في المرة الأولى لم تكن هناك أزمة رئاسية فتم التلطي وراء الظروف . ولتأكيد احترام بعض القوى للدستور واللعبة الديموقراطية تم تعطيل المجلس الدستوري من خلال تغييب ثلاثة أعضاء عن حضور الاجتماعات . ومع قرب انتهاء التمديد الاول تم التمديد للمجلس للمرة الثانية بحجة الظروف وفراغ الرئاسة. وعلى الرغم من تأكيد المجلس الدستوري على عدم دستورية التمديد وعلى عدم جواز حصوله الاّ أن المجلس الدستوري أخرج نفسه من تحدي القوى السياسية باعتبار أن التمديد تم في اللحظات الاخيرة ولم يعد ممكنا الغاؤه خوفا من الفراغ. وبالتالي فان القوى السياسية نفسها التي تطالب باحترام الدستور جعلت من المجلس النيابي مبدئيا ودستوريا سلطة غير شرعية وسلطة غير دستورية وجعلت النظام توتاليتاريا بدل الديموقراطي. فلم يرتكبوا مجرد خطأ بل خطيئة دستورية ورذيلة ديموقراطية في حق الشعب والنظام. فالسلطة الأم أي السلطة التشريعية هي اليوم غير شرعية ومنها يريدون انبثاق رمز وحدة الوطن أي رئيس الجمهورية.
اذا من قلب النظام ودمر الديموقراطية والتناوب على السلطة باللجوء الى خيار الشعب يبدي انزعاجه من حضور أم مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس. التجارب والسوابق لبعض القوى كثيرة على مستوى عدم احترام نصوص الدستور أو روحه خصوصا لجهة القاعدة الميثاقية في احترام الشراكة الحقيقية من خلال تخييط قوانين انتخاب هدفها التهميش وحتى الرفض العلني لارادة مسيحية رئاسية لو توفرت في أمكنة أخرى لحصل كلام آخر طبعا. فلتحصل انتخابات نيابية على قاعدة احترام النتائج والنزول الى المجلس النيابي لانتخاب رئيس عندها نكون أمام احترام حقيقي لكل نصوص الدستور .