أمين أبوراشد -
حماوة القبلات في بداية حفل البيال، وإن تصادفت مع عيد العشَّاق، تناقضت مع التصريحات والمساجلات التي لم يجفّ حبرها بعد بين الرئيس الحريري وحلفائه لا بل أهل بيته خلال الأيام والأسابيع الماضية، وإخراج النهاية بصعود أقطاب 14 آذار الى "خشبة المسرحية"، لم يخطف اللبنانيين الى مشهدية "جبال الصوَّان" والشموخ اللبناني، فلا البداية انطلت على أحد، ولا النهاية كانت موفَّقة، ولا نصّ الكلمة جاء بحجم الغيبة الطويلة لسعد الحريري الذي يعتبر عدم حضور الجلسات عملاً غير دستوري من الخصوم، ويحلِّل لنفسه الإقامة سنوات "آكل شارب نايم سايح" على حساب الدولة اللبنانية براتب نائب ورئيس وزراء سابق بالإضافة الى المخصصات المرئية منها وما تحت الطاولة.
وكما كانت خشبة البيال حافلة بالمشهديات، فإن مضمون الكلمة تكرَّر فيه سيناريو يستدعي التفصيل:
أولاً: إطلالة الحريري من البيال لم تأتِ بجديد بعد هذه الغيبة، والمُلفت في ثقافته السياسية أنه سواء أطلَّ من السعودية أو من لبنان، يبدو سعودياً زيادة عن اللزوم، وحامل لواء مملكة "طويل العمر"، ويُهاجم اللبنانيين ممَّن يتحاملون على المملكة العربية السعودية التي لم تبادرنا يوماً على حدّ قوله بأي أذى وهي صاحبة المكرمات، وهنا تكمُن مشكلته في عدم إمكانية عودته الى ذاته اللبنانية، وإذا كانت مصالحه الخاصة سواء في السعودية أو لبنان، مرتبطة بالرضى السعودي، فإن أكياس طحين "أهل المكارم" ليست على عتبات بيوت اللبنانيين.
ثانياً: مقابل هذا الولاء للسعودية، شدَّد في إطلالته كما عادته، على أن لبنان لن يصبح ولاية إيرانية، فإننا في الإجابة، لا نجد أصدق مما يكرِّره سماحة السيد نصرالله ويصدِّقه اللبنانيون وتُثبته الوقائع، أن حلفاء السعودية في لبنان هم رهن الإملاءات السعودية، بينما حلفاء إيران يُملون على إيران ما هي مصلحة لبنان والمقاومة، ومقارنة بسيطة بين أداء أي سفير سعودي يتواجد في لبنان مع أي سفير إيراني، تُبرز الفارق بين من لا يعترف بلبنان دولة مستقلة ذات سيادة وبين من يعتبره وطناً كبيراً رغم صغر حجمه حقَّق ما عجزت عنه كل أمَّة العرب ويستحق الدعم.
ثالثاً: حملت كلمة رئيس تيار "المستقبل" جملة من التوضيحات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، معلناً قبوله بانتخاب أي شريك في الوطن يحترم القانون والطائف، لنسأله ماذا بقي من ميثاقية الطائف المشوَّه أصلاً، طالما هو شخصياً لو نفض جيبه لتساقط منه نوابٌ غالبتهم من المسيحيين مُصادرون بحُكم استغلال شهادة الشهيد خلال سنوات الرقص على الضريح، وطارت حقوق شركاء في الوطن جوائز ترضية مستمرَّة حتى العام 2017 منعاً لحدوث فتنة سنِّية – شيعية، وهنا مكمن قوة الحريري ونومه على حرير حتى العام المذكور!
رابعاً: في دعوته النواب للنزول الى المجلس وانتخاب رئيس طالما هناك ثلاثة مرشحين (فرنجية، حلو، عون)، فهو يُدرك أن وصول فرنجية بشروط حريرية للعودة الى السراي مدة ستّ سنوات هو أمرٌ مرفوض سورياً ومرفوض لبنانياً، أولاً بسبب التورُّط في التحريض على دولةٍ جارة وتزويد الإرهابيين بالأسلحة المغلَّفة بالحفاضات وعلب الحليب، وثانياً بسبب موقف الحريري - المطلوب سعودياً - بحقّ المقاومة.
وإذا كان ترشيح النائب هنري حلو، لا يعدو كونه دعابة مماحكة جنبلاطية، فإن تزكية العماد عون ممنوعةٌ ممنوعة، لأنها تُكرِّس الهزيمة القاسية لحركة 14 آذار وداعميها الإقليمين الذين أثخنتهم الهزائم سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، ونواب الحريري حالياً مجرَّد ودائع في خزائن المملكة وأغلى من كل أسلحتها بمواجهة إيران.
خامساً وأخيراً: إذا كان الرئيس الحريري يعتبر أن "الحريرية السياسية" تعيش في ضمائر اللبنانيين كمدرسة، وطالما أن الإستفتاء الشعبي لا ينصُّ عليه الدستور اللبناني، وطالما أن حجم البعض إنكفأ من الساحات الى القاعات، فها هي الإنتخابات البلدية على الأبواب، وسوف يقرأ الرئيس الحريري في نتائجها أسباب غياب أبناء عكار والشمال وبيروت والبقاع وصيدا عن ساحات الإستعراضات و "خلع القمصان"، بعد أن انتفت ذريعة أن تكون الشهادة "قميص عثمان"، وستكون أصوات اللبنانيين واضحةً وصاعقة في صناديق الإقتراع، تماماً كالعبارات التي كُتبت علناً في صيدا على صور الرئيس الشهيد...
الثبات