د. أيلي حداد
مشهدية العناق والقبلات بين الدكتور سمير جعجع والرئيس سعد الحريري وما تبعها من تصاريح رسمية وزيارات اثارت بعضاً من الذين باتوا يراهنون في الشارع المسيحي على التقارب العوني-القواتي واضافت الماء في طواحين المشككين.
ارتاح المسيحيون في لبنان بعد اعلان النوايا بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية واستشفّوا من خلاله بداية نهاية انقساماتهم التي كلفتهم الكثير في السابق والتي من شأنها ان تقضي نهائياً على وجودهم في حال استمرارها في ظل الداعشية المحلية والإقليمية.
وجاء تأييد سمير جعجع لترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية دليلاً عند البعض على التزام القوات الجدي ورقة النوايا، في حين اعتبره البعض الاخر تجسيداً حيّاً للمناورة الكبرى التي يقوم بها الحكيم في هذه المرحلة بالذات، نظراً لتاريخ علاقته ومواقفه تجاه الجنرال والتيار وهؤلاء لا زالوا يذكرون ويُذَكِّرون ب"الجنرال بيمون".
لا شك ان التقارب العوني-القواتي بات ضرورة وجودية للمسيحيين اذا أرادوا البقاء في لبنان والتأثير في القرار السياسي الداخلي وألّا يتحولوا الى ذمّيين. ومسؤوليتهم في التقارب والتكامل تتعدى الشارع اللبناني لتمتد الى كل مسيحيي الشرق الذين يتعرضون الى إحدى اعنف حملات التهجير والإفناء في تاريخهم. فقوة المسيحية المشرقية هي من قوة مسيحيي لبنان.
وحتى اعلان النوايا ومن بعدها اللقاء التاريخي في معراب في ١٨ كانون الثاني بين القائدين، ظلّ المسيحيون، او معظمهم، متفائلين بهذا التقارب ولكن "يدهم على قلبهم".
لذلك جاءت مشهدية اللقاء بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع وخاصة ما تبعها من تصريحات من قبل الأخير التي تحدث فيها بخفة عن ترشيحه للعماد عون ، لتزيد نسبة الشك في جدية مبادرته المعرابية .
على الدكتور سمير جعجع مسؤولية تاريخية اليوم ان يعمّق التقارب الذي بدأه مع العونيين وهو الذي رأى بأم العين نتائجه، إن في الشارع او في مجلس النواب. وهذا التقارب يتعزز بعمل جدّي وهادف في دعم العماد عون الى الرئاسة وعدم الاكتفاء باستعماله كورقة سياسية، كدعوة النواب الى النزول الى المجلس والاقتراع او كاستفزازه المجاني لحزب الله.
إن أراد جعجع واقعيّاً وعمليا وصول العماد عون الى سدّة الرئاسة لأسباب استراتيجية، فعليه ان يحسبها بدقّة ويعمل لها مع كل من يدعم فعلياً هذا الترشيح. اما الأسلوب الذي يتبعه اليوم فهو لا شك الطريق الأقصر لوصول هنري حلو الى سدة الرئاسة.
لا شك إننا امام الامتحان الاول لورقة النوايا والمطبّ الاول في طريق التقارب الطويل. على الجميع ان يعي أهمية هذا التقارب ويُمعِن النظر في كل موقف وكل خطوة بغية تفادي الوقوع في هذا المطب.
فحال المسيحيين في لبنان وفي الشرق، ديموغرافياً وسياسيّاً واقتصادياً ، بلغت الحضيض وأي مناورة جديدة في هذا التقارب قد تكون بمثابة رصاصة الرحمة على وجودهم الحر في هذا الشرق.
منسق أوروبا في التيار الوطني الحر