مارون ناصيف -
عندما تعمّد رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري أن يحوّل ذكرى إغتيال والده الى مناسبة لتصفية الحسابات مع الحلفاء قبل الخصوم، وعلى رأسهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وعندما حاول الحريري، بقوله لجعجع "ليت مصالحة معراب مع التيار الوطني الحر تمت منذ ٢٨ عاماً لكنت وفّرت الكثير على المسيحيين"، الإيحاء للرأي العام، بأن قلبه على مسيحيي لبنان وحقوقهم ومصالحهم، كان الهدف من كل ذلك محي الصورة التي كونتها الوقائع التاريخية في ذاكرة الرأي العام عن آل الحريري وطريقة تعاطيهم مع المسيحيين، من الأب وشقيقته وصولاً الى الإبن وإبن عمته.
نعم لو حصلت المصالحة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية منذ سنوات لوفّرت الكثير على المسيحيين، ولكن، على طارح هذه الفكرة، أن يسأل نفسه، ما الذي فعلته الحريرية السياسية للمسيحيين بالتكافل والتضامن والتواطؤ مع المحتل منذ عام ١٩٩٠ وحتى العام ٢٠٠٥؟ ولماذا يقيم تيار المستقبل القيامة ولا يقعدها في كل مرة تطرح فيها إستعادة ما سلب في زمن الإحتلال من حقوق نيابية للمسيحيين؟
ولأن الأمثلة كثيرة، ولا يمكن تعدادها بمقال أو بتقرير، سنتوقف عند مثال واحد، وهو كفيل بإختصار نظرة آل الحريري للشريك المسيحي في الوطن.
إنه قانون الإنتخابات الشهير الذي أقر عام ٢٠٠٠ وسُمّي بـ"قانون رفيق الحريري - غازي كنعان". ومن هذا القانون وتقسيماته، اليكم بالأرقام كيف "حافظ" رفيق الحريري على مسيحيي الشمال، وأوصل من يمثلهم حقيقة الى الندوة البرلمانية. ففي قانون الحريري – كنعان، قُسّم الشمال الذي يحق له بثمانية وعشرين نائباً، بينهم ١٥ نائباً مسيحياً، الى دائرتين: دائرة أولى جُمعت فيها أقضية عكار وبشري والضنية، ودائرة ثانية ضمت أقضية البترون والكورة وزغرتا وطرابلس والمنية. ففي الدائرة الأولى، كان الهدف كل الهدف من تقسيمها تضييع أصوات بشري وإختيار نائبيها مع نواب عكار الثلاثة المسيحيين، من قبل الكتلة الناخبة السُنية التي يمثلها الرئيس الحريري وبعض حلفائه التابعين للسوريين في كل من عكار والضنية. وكان الهدف كل الهدف من توزيع الأقضية في الدائرة الثانية، أن تقرر أصوات السنة في طرابلس والمنية، هوية نواب البترون والكورة وزغرتا، إضافة الى المقعدين المسيحيين في طرابلس. وهكذا أعطت الإنتخابات النتائج التي كان يريدها واضعو القانون، محولةً الشمال الذي يحق للمسيحيين فيه بـ ١٥ مقعداً من أصل ٢٨ الى دائرتين إنتخابيتين تملك الحريرية السياسية مفتاحهما.
تقسيمات الشمال هذه الإلغائية للمسيحيين، لم تكن مختلفة مذهبياً وسياسياً عن تقسيمات العاصمة بيروت التي قدم الحريري الأب مفتاحها لرئيس جهاز الأمن والإستطلاع في القوات السورية التي تحتل لبنان اللواء غازي كنعان. ١٠ نواب من أصل ١٩ هي حصة المسيحيين في العاصمة بيروت، وزّعهم قانون الحريري – كنعان على ثلاث دوائر انتخابية، لا يمكن لأي حزب مسيحي فاعل أن يفوز ولو بمقعد واحد منها.
إذاً نموذج الشمال وبيروت هو غيض من فيض عن "حرص" الحريرية السياسية على مصلحة المسيحيين طيلة سنوات الإحتلال وما تلاها منذ العام ٢٠٠٥ وحتى اليوم، أكان في صلاحيات الرئاسة الأولى ومجلس النواب أو في الإدارات العامة.
لذلك، فإذا كان يحق لأحد بأن يعيّر المسيحيين على عدم إتفاقهم سابقاً، فبالتأكيد لن يكون هذا الحق لمن لم يوفر فرصة لتهميشهم ووضع اليد على حقوقهم، ولا يزال، هذا إذا لم ندخل بمسألة تغذية الخلافات فيما بينهم للإستفادة منها.