حسن سلامة-
لم يكن مفاجئا اضطرار الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا اعلان وقف مفاوضات السلام حول سوريا التي كانت اجتماعاتها التمهيدية بدأت في جنيف مطلع الاسبوع لأن المحور التركي - السعودي والقطري سعى منذ بدء الاستعدادات الدولية لانعقاد مؤتمر جنيف وقبل ذلك صدور القرار 2254 عن مجلس الامن الذي تبنى مقررات «فيينا -2» الى تحوير مؤتمر جنيف بالاتجاه الذي يخدم «أجندة» هذا المحور من حيث فرض مسارات مختلفة لاجتماعات جنيف عن الهدف المطلوب منها، بحيث رفع هذا المحور شعارات ومطالب اسقطتها الاحداث وتطورات الميدان السوري وبالاخص حول ما يسمى المرحلة الانتقالية، عبر العودة الى ما يسمى مقررات جنيف الاولى.
اذاً، تقول مصادر ديبلوماسية ان اقطاب المحورالمذكور اضطروا تحت ضغط الديبلوماسية الاميركية، وما سبق ذلك من انجازات استراتيجية للجيش السوري وحلفائه في اكثر من منطقة، الى دفع ادواتهم في معارضة الرياض للانتقال الى جنيف للمشاركة في الاجتماعات التي كان يقوم بها دي ميستورا تحضيراً لانعقاد المؤتمر رسمياً، بعد ان يكون جرى حسم الاطراف التي ستشارك باسم المعارضة او المعارضات في سوريا.
لكن من الواضح، بحسب المصادر، ان معارضة الرياض من المحور السعودي - التركي - القطري عملت قبل انتقالها الى جنيف لرفع سقف مطالبها بما يخرج مسبقاً عن قرار مجلس الامن 2254، وحاولت هذه المعارضة تحت غطاء ادعاء رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من جانب الجيش السوري، ان تفرض مسبقاً شروطاً واملاءات يفترض ان تكون حصيلة الحوارات التي يديرها دي ميستورا بين الحكومة السورية واطراف المعارضة المختلفة، والتي تنطلق من الاتفاق على وقف اطلاق النار في بعض الجبهات، حيث تمون هذه المعارضة، مما يسمح بوقف الحصارات في غير اتجاه ومرور المساعدات بشكل طبيعي الى كل مناطق وقف النار وما الى ذلك من مسائل اخرى تضمنها قرار مجلس الامن 2254.
حتى ان المحور الداعم للمجموعات المسلحة الارهابية حاول وقف اندفاعة الجيش السوري في تطهير المزيد من المناطق وبالتالي احداث توازنات جديدة لغير مصلحة المسلحين في المفاوضات من خلال الضغط لوقف تقدم وحدات الجيش السوري، لان ذلك يفشل كل «اجنداتهم» التي يعتقدون انهم قادرون على تحقيقها في المفاوضات بعد ان عجزوا عن تحقيقها في الميدان، وقبل ذلك في مفاوضات جنيف الاولى والثانية، حيث كانت يومها معطيات الميدان تميل لمصلحة المسلحين، وبالتالي لم يكن الجيش السوري حقق انجازات استراتيجية في ريفي حلب الشرقي والجنوبي وفي ريف اللاذقية وريف دمشق ومناطق اخرى في حمص وغيرها.
لذلك، فالسؤال، ماذا عن المسار السياسي للازمة السورية من جهة والخيارات المطروحة ميدانياً من جهة اخرى؟
وفق زوار العاصمة السورية في اليومين الماضيين فان الصراخ الذي لجأت اليه معارضة الرياض ومن ورائها المحور التركي - السعودي - الفرنسي لن يغير في واقع الانجازات الميدانية ولا في المسار السياسي المتوقع في المرحلة المقبلة، وبالتالي فكل التهويل الذي يطلقه المسؤولون في تركيا او السعودية عن تدخلات عسكرية من جانب هذا المحور لمصلحة المجموعات الارهابية ليس اكثر من محاولة لرفع المعنويات المنهارة للمسلحين.
ولذلك يبدو هؤلاء الزوار على ثقة ان المسار السياسي لاطلاق مؤتمر جنيف لن يتوقف، حتى ولو جرت عرقلته من قبل المحور المتضرر من الحل السياسي في سوريا. ويضيف هؤلاء ان الادارة الاميركية، رغم ما يصدر عنها احيانا من مواقف تخدم عرقلة معارضة الرياض، الا ان هذه الادارة على توافق مع موسكو للعمل من اجل اطلاق مؤتمر جنيف، لان قرار الدولتين يقول بان الحل للازمة السورية هو الحل السياسي. ولهذا ترى الادارة انه اذا لم ينجح المسار السياسي لمؤتمر جنيف بتحقيق نتائج خلال الستة اشهر التي حددها قرار فيينا بما يوصل الى وقف لاطلاق النار، الا ان الجهد الدولي سيستمر حتى انجاز وقف النار ولو تأخر عن المدة المحددة.
وفي موازاة المسار السياسي، يؤكد الزوار ان الجيش السوري لن يوقف عملياته العسكرية على طول الجغرافيا السورية وعرضها، بل بالعكس فالاشهر المقبلة ستشهد مزيداً من العمليات النوعية، وهناك تحضيرات اكبر واوسع مما حصل في الاسابيع الماضية لاستعادة مناطق استراتيجية، ويوضح هؤلاء انه بعد معركتي ريفي حلب الشرقي والجنوبي ومعركة ريف حلب الشمالي التي بدأت مؤخراً. فالعمليات العسكرية في الاسابيع المقبلة ستكون وجهتها، استكمال تطهير جبل التركمان في ريف اللاذقية، لكن الاهم سيكون باتجاه تطهير عاجل لمنطقة حلب من اعزاز الى منطقة الباب حيث معاقل داعش وما هو محتل من المدينة بما يؤدي الى استعادة كامل محافظة حلب وحدودها مع تركيا وهذه العملية يرجح لها ان تنجز في فترة تمتد بين شهرين وثلاثة اشهر، على ان تستكمل في الوقت ذاته محاصرة المسلحين في ريف دمشق - اي في دوما وداريا - بعد ان فصلت الاخيرة مؤخراً عن المعضمية.
وعلى هذا الاساس يؤكد المراقبون انه اذا تمكن الجيش السوري وحلفاؤه خلال هذه الفترة من انجاز معركة تطهير حلب فذلك سيؤدي الى تغيير الكثير من المعادلات في كل ما له علاقة بالحرب الكونية ضد سوريا، على اعتبار ان عودة حلب الى الدولة السورية لها دلائل وابعاد استراتيجية، اضافة الى ان هذا الانجاز سيشكل ضربة قاسمة للتركي في الدرجة الاولى ولكل المحور الداعم للمسلحين ثانيا.