سعاد مارون -
مثُل المتّهم الأبرز بتفخيخ السيارات نعيم محمود، الملقّب بـ«نَعيم عباس»، أمس، أمام هيئة المحكمة العسكرية الدائمة لاستجوابه في ملف جديد إستند الى قرار إتهامي عطفت إليه عملية اغتيال اللواء فرانسوا الحاج من دون اتهامه مباشرة بها.على غير عادته لم يوزّع عباس الإبتسامات على الحاضرين، حيث أدخل قاعة المحاكمة برفقة أحد الجنود بعد نحو خمس دقائق من مثول رفيقه في الدعوى الفلسطيني بلال حبالي. وعلى رغم ارتدائه لباس المساجين الجديد، إحتفظ عباس بسترته الرياضية وقلنسوته الصوفية، فيما بَدا وجهه قاتماً وملامحه قلقة.
ربما لم يسبق لسجين أن استدعى كل هذا الإهتمام بشخصه وبالتهم الخطيرة الموجّهة اليه، مثلما يحصل مع نعيم عباس الذي غالباً ما يحضر البعض جلسات محاكمته ومنهم صحافيون، لمجرّد مراقبة ملامحه وتحليل جوانب من شخصيته.
هو الذي اشتهر بتنقّله بين المنظمات «الجهادية» ثم «الإرهابية»، الى أن بات الرأس المدبّر لعمليات تفخيخ السيارات وتجنيد إنتحاريين، وصولاً الى اعترافاته السهلة وتبنّيه معظم العمليات الأمنية المشتبه بارتكابها، ثم مجاهرته أمام المحكمة بصوابية أفعاله لأنّ هدفه «مقاومة اسرائيل» والرد على رفيق السلاح القديم «حزب الله» بعد تورّطه في حرب سوريا بإرسال سيارات مفخخة الى الضاحية أودَت بحياة الكثير من المدنيين.
وقف عباس أمام قوس المحكمة أمس، مطأطئاً الرأس يلفّ يديه خلف ظهره، ليخضع لاستجواب مطوّل، تداخلت فيه أسئلة رئيس المحكمة العميد الركن الطيار خليل ابراهيم، بين ملفّات عدّة أقلّها ثلاثة أدرجت أمس على جدول الجلسات للمرة الأولى.
وقبل التركيز على موضوع الدعوى المتعلق بتأليف «خلية أبو الغوش» المتهمة باقتناء متفجّرات، والتي تمّ اكتشافها خلال تعقّب منفّذي اغتيال اللواء فرانسوا الحاج، جالَ رئيس المحكمة على أسماء عدد من الإرهابيين وعلى التحضير لعمليات أمنية ضد «اليونيفيل» والجيش، فضلاً عن إطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل.
بعد ذلك، أتى اعتراف عباس بصوت خافت، عن علاقته بالمتهم محمد عز الدين، الذي وفّر له مخبأً في مزرعته في البقاع ليومين حيث تمّ إيداع ذخائر داخل مغارة قريبة، نافياً أن يكون قد أمَر عز الدين بتسليمه شريحة هاتف بنفسه بدلاً من المدعو محمد قسطا بغية التمويه.
وقبل الغوص في تفاصيل هذه الواقعة، سأل إبراهيم المتهم: ألم تحاولوا مراقبة تحرّكات اللواء أشرف ريفي (وزير العدل)، ورصد أرقام الضبّاط، والتخطيط لاستهداف مساكن الضبّاط في رأس النبع؟ فأجاب عباس: لا علاقة لي بأيّ شيء يخصّ الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، «ومستحيل أن أطلب أنا من الليبي «الشتيبي»، مواد لصنع متفجرات، ليش هو شو كان؟».
وهنا سأل ابراهيم ماذا يعني لك تاريخ 12 / 12/ 2007؟ (الموافق لتاريخ اغتيال اللواء فرانسوا الحاج). فقال بصوت بالكاد يُسمع: «لا شيء». ألم تخرج من المخيّم في شهر 12 / 2007؟ «بلى طلعت مع عز الدين الى سوريا». ولماذا في حينه أعطيت هاتفك الى توفيق طه (القيادي في كتائب عبدالله عزام)؟، «عادي، كلما ذهبت الى سوريا أعطيته هاتفي»، يردّ عباس.
سيرته ومسيرته الأمنية
وهنا، توقف ابراهيم للمرة الثانية، ضمن سلسلة محاكمات عباس أمامه، عند نشأة الأخير السياسية والامنية، فأسهبَ عباس في سرد سيرته بدءاً من الانتماء الى منظمات جهادية في العام 1985 والانتساب الى «فتح» ثم الانقلاب عليها لـ»كذبها ونفاقها» حسب تعبيره، الى انتسابه للقاعدة عام 2002 مروراً بالإنتماء الى حركة «الجهاد الإسلامي» ثم مبادرته الخاصة بإطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل إثر انسحابها عام 2000.
«وقد تلاقيتُ مع فكر صالح القبلاوي (المسؤول عن حراسة أبو مصعب الزرقاوي)، وكنّا شاركنا في عمليات مع «حزب الله». بعد ذلك، أطلقتُ الصواريخ بالإتفاق مع القبلاوي من دير ميماس بتمويل ذاتي. كان سعر الصاروخ 100 دولار، وكنتُ أصنع منصّاتها الخشبية، أمّا إطلاقها بواسطة قوارير الغاز فبدأ عام 2006، وقد أنّبَتني حركة «الجهاد» لذلك، وجمّدتُ عضويتي موقتاً».
الإنتماء الى «القاعدة» وتجنيد إنتحاريين
وأكمل عباس: «في العام 2002 انتميتُ الى «القاعدة» من دون إبلاغ «الجهاد»، إثر تعرّفي الى اللبناني مصطفى رمضان في السجن (خلال توقيفه بتهمة إطلاق الصواريخ) وكان أمير «القاعدة» في لبنان، وتعرّفت الى أبو مصعب الزرقاوي (أمير أحد فروع القاعدة في العراق قبل اغتياله عام 2006)، من خلال القبلاوي وكان معي المتهمان محمد جمعة وأحمد خلف والنميري، ولم أصبح أميراً لـ«القاعدة» لأنني ذهبتُ الى العراق وقابلتُ خالد عبد الهادي مسؤول الساحات في القاعدة، وكان الهدف تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، وهو مُرسل من أسامة (بن لادن) وقيادي سرّي».
بعد ذلك، اعترف عباس بتجنيده 10 إنتحاريين الى الضاحية الجنوبية لبيروت، مُستهزئاً بمقالة وردت في احدى الصحف القريبة من «حزب الله»، «بَنتها على كلمة استهداف الشياح (بالصواريخ) من دون أن تلتفت الى الإنتحاريين».
«سوريا اغتالت الحاج وطلبت تصفية جنبلاط»
ولدى سؤاله: هل حضّرتم لاغتيال النائب وليد جنبلاط والوزير السابق وئام وهاب؟ قاطعه عباس بالقول: المخابرات السورية أرسلت الى توفيق طه عبر وسيط أجهَل إسمه طلباً باغتيال جنبلاط، عام 2010. نافياً أن يكون طلبَ من المدعو وليد عمار تحضير مستودع لتفخيخ السيارات.
ولماذا أجريت مخابرة هاتفية من بيروت قاصداً أن تكون من خارج نطاق صيدا لتحضير عملية أمنية؟ سأل ابراهيم. فأجاب عباس: «إسألوا سوريا».
ماذا تقصد؟... عباس: لقد أرادت سوريا اغتيال اللواء فرانسوا الحاج، لأنه انتصر على «فتح الإسلام» ولأنه طلبَ ترسيم الحدود في شبعا حيث كانت هي ترسل معظم عناصر «فتح الإسلام» الى لبنان. فعلّقَ القاضي: «ما خَصّ اللواء الحاج بترسيم الحدود، كان هناك ضابط آخر مولَج بالمهمة.
ولماذا ركّزت على اغتيال الحاج مع أنني لم أسألك عنه؟»... ليجيب عباس: «هذا ما تريد السؤال عنه منذ بداية الجلسة، وفي فرع المعلومات قالوا لي لا علاقة لك باغتيال اللواء الحاج». فاستهجنَ ابراهيم: «لا يقولون هذا في المعلومات، ولِماذا يفعلون؟».
بعد ذلك بادرَ مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار الى توجيه أسئلة محددة، مباشرة الى عباس من دون أن يُعاد طرحها من رئيس المحكمة كما هي الأصول. فأنكرَ عباس مجدداً علاقته بالتخطيط لتفجير «اليونيفيل»، وأنكر كذلك علاقته بتفجير السفارة الإيرانية في بيروت، «لكنني بدأتُ بتفخيخ السيارات وإرسالها الى «الضاحية» بعدما وزّعوا الحلوى فيها إثر سقوط القُصير».
وعندما سأله الحجار: ما كان توجّه «القاعدة» من العام 2002 الى عام 2011 في لبنان؟ قال عباس: عبد الهادي كان يهمّه استهداف إسرائيل وأن يكون لبنان مقراً وليس مستقراً للسعوديين المُنتمين الى «القاعدة»، نافياً أن يكون لـ«فتح الإسلام» علاقة بـ«القاعدة».
وقبل الإنتهاء من الاستماع الى عباس الذي دام نحو ساعة وربع الساعة، قرّر رئيس المحكمة إرجاء الجلسة الى 13 حزيران لاستكمال الإستجواب.