
قد تكون مع وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر، او قد تذهب بعيداً في رفضها، لكن الأكيد، أنك لا يمكن ان تنكر أنها من المحطات التي يصح القول فيها وعنها، أن ما بعدها ليس كما قبلها.
فقد جاء اعلان السادس من شباط 2006 ليشكّل "ضربة معلم" اعادت خلط الأوراق، لتتحوّل الورقة، بما تجسّده بين حزبين وجماعتين، الى ضابط إيقاع للساحة الداخلية، التي كانت خارجة لتوّها من خضة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، قبلها بعام، والمفتوحة على كل الاحتمالات، طالما أن لهيب نيران الانقسام يترك اثره الكبير من تحت الرماد.
ترك التفاهم اثره المباشر ليسهم في مصالحة بين الوجدانين المسيحي والشيعي. فطوال سنوات، بدا كما لو أن هناك غربة بين الاثنين. الأول خرج من رحم التهميش وغياب شراكة ما بعد الطائف، والثاني اوجد لنفسه دوراً اقوى في المعادلة الداخلية في الفترة نفسها. الأول عرف مقاومة المحتل ورفض الهيمنة، والثاني لا يزال يعيش فعل المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، فكانت السنوات السابقة بمثابة التعارف بين الفكرين للالتقاء على أرضية مشتركة قوامها النقاط ال10، لبناء الدولة واستعادة الشراكة، وتكريس الديموقراطية التوافقية، بعد الانتقال من المواجهة الى اللقاء...فالتفاهم.
صحيح أن الظروف السياسية والأمنية، المحلية والإقليمية، أخّرت تطبيق بعض جوانب التفاهم، لكن الأهم أن المطبات عينها، لم تنجح في فسخه، فبدا اثبت مما اعتقده كثيرون، وبقي في كل الظروف مفتوحاً للالتقاء مع الآخرين، على الأسس التي يحملها.
في الذكرى العاشرة، تبقى الخشية من أن يتعاطى البعض مع لقاء مار مخايل باعتباره "مجرّد ذكرى"، بينما المطلوب أن يستمر متفاعلاً حياّ يرزق الى ان يطبّق ما حمله من تطلعات وأفكار، تبقى أهمها بناء الدولة القائمة على الشراكة الفاعلة والمناصفة الحقيقية، والتي يأخذ فيها كل ذي حق حقّه، تحت سقف المساواة بالحقوق والواجبات. ومن ملامحها الأساسية هذه الفترة، قانون الانتخاب الذي يجب ان يكون المعبر الرئيس لتكريس قبول الآخر بحضوره وحجمه ودوره وقدرته.
في الثامن عشر من كانون الثاني 2016، حدث تاريخي آخر صنعه التفاهم، المسيحي-المسيحي هذه المرة. ومرة جديدة اثبت التيار الوطني الحر القدرة على الانتقال من التباعد والخصام، الى منطق الالتقاء والتفكير معاً، ليتصالح اللبناني مع اللبناني، ويقفان على أرضية مشتركة قوامها الحق بالوجود القوي والفاعل في الدولة الواحدة التي لا تميّز بين مواطنيها باعتبار بعضهم أبناء ست، والبعض الآخر من بينهم
أبناء جارية.
هنا ايضاً، يسجّل للمكون الثاني للتفاهم، القوات اللبنانية، انه لم يكن اقل شجاعة من شريكه في عبور الصحراء بما حملتها من سنوات اقتتال وافتراق. فصناعة السلام تتطلب اكثر من جنون الحرب. وهنا ايضاً، ما بعد 18 كانون الثاني 2016، ليس كما قبله...والأيام المقبلة كفيلة بتبيان ذلك.