ليست العملية بالأمس التي قتل فيها الجيش اللبناني ستة من داعش في وادي الأرانب في عرسال وأسر 16 وجرح آخرين بينهم قياديون من التنظيم، ليست هذه العملية الأولى التي يتخذ فيها الجيش اللبناني المبادرة في منطقة عرسال ورأس بعلبك لكن ما يميز هذه العملية أنها تمت بعمل أمني وعسكري مميز وبأنها بنيت على معطيات دقيقة وتنفيذ نظيف لم يكلف قوة الجيش المنفذة سوى اصابة طفيفة جدا لا تذكر .
في مرات سابقة اتخذ الجيش اللبناني المبادرة وتقدم نحو تلال استراتيجية خصوصا بعد الغدر الذي لحق به في تلة الحمرا في جرد رأس بعلبك ، وفي عرسال أقدم على نصب كمائن واستهداف تحركات ومتسللين من البلدة واليها لكن هذه العملية جاءت بخطوة باغت الجيش فيها المجموعة داخل مخيم للنازحين في وادي الأرانب الواقع من ضمن الحواجز المحيطة بالبلدة كما أن المكان الآخر الذي تمت مداهمته هو منزل داخل البلدة يستخدم كمستشفى ميداني من قبل تنظيم داعش . وعلى أساس جرأة العملية ودقتها ونوعيتها وسرعتها واحتكاكها أكثر في مناطق سكنية داخل البلدة ، تتميز عن سابقاتها من العمليات التي تمت معظمها عند الحواجز الفاصلة بين عرسال وجردها.
المهم أن المجموعة التي تم توجيه ضربة قوية اليها هي مجموعة مسؤولة عن تصفيات وعمليات خطف داخل البلدة وكانت تحضر لعمل ضد الجيش اللبناني. وفي توقيت عملية الجيش رد صريح على كل المتخوفين والمشككين بعد معارك النصرة وداعش في الجرود وتقدم داعش بأن الجيش يمسك بالمبادرة ليس الدفاعية فقط بل الهجومية أيضا. فالمعارك بقيت بعيدة نسبيا عن البلدة وليس صحيحا أن مراكز لداعش بنيت على مقربة من مراكز الجيش القادر ليلا نهارا على ضرب أي هدف أو تحرك للمسلحين ولو على بعد كيلومترات من خلال الرصد الجوي والبري ومعالجة الهدف بالسلاح المناسب المتوافر. وفي توقيت عملية الجيش أن داعش ولو حسنّ وضعه في الجرد على حساب النصرة فهو لن يتمكن من تكرار ما جرى في آب 2014 عندما أسر وقتل عناصر للجيش وتقدم نحو مراكز له بل أن الجيش قادر على المواجهة بين الأحياء وفي الجرود والدفاع عن أبناء عرسال الذين يتعرضون للخطف والقتل على أيدي تنظيمات مسلحة.
لكن وعلى الرغم من امتلاك الجيش للمبادرة في عرسال وجهوزيته لا يمكن الاستمرار في استنزافه في تلك المنطقة على أساس أن واقع البلدة التي تحتضن حوالى تسعين ألفا من النازحين السوريين وعشرات المخيمات المنتشرة في البلدة وخارجها لجهة الجرد ، واقع البلدة لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه من قيام مسلحين بالاعتداء على ابناء عرسال أو على الجيش اللبناني من خلال تفجيرات وما شابه. أما الرهان على أهل عرسال لتحريرها فهو كلام غير واقعي ولا يمكن أن يحقق هدفه في انقاذ البلدة وتحريرها الاّ اذا كان المقصود أخذهم المبادرة بموازاة تدخل حاسم من قبل القوى الأمنية والعسكرية لأن من يعرف تغلغل هذه المجموعات المسلحة بين النازحين وبين أبناء عرسال يعرف صعوبة واقع المواجهة التي تتطلب هذا العمل المزدوج لأن كل تأخر بتصحيح الواقع سيجعل الأمور أمام التطورات التي تحصل في الجرود وفي منطقة مهين وصدد في سوريا حيث يقاتل داعش لفتح الطريق نحو جرد عرسال ، سيجعل الأمور أكثر صعوبة وتعقيدا.