فؤاد ابو زيد -
في السياسة، كما في الادارات الرسمية والوزارات، ومذ اصبح اتفاق الطائف، جزءا من الدستور، ومن الحياة اللبنانية، درجت الوصاية السورية في لبنان، بالتكافل والتضامن والتعاون مع حلفاء الوصاية اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وتمايزهم، على التعامل مع اكثرية المسيحيين الساحقة، على قاعدة انهم المغلوبون، وان جماعة الوصاية هم الغالبون، وانسحبت هذه القاعدة على الشأنين السياسي والاداري، ففي السياسة سلبت حقوق المسيحيين، في القوانين الانتخابية وتقسيم الدوائر، وفرض المرشحين، وفي الادارة العامة والوزارات، بدأت عملية قضم التوازن المسيحي - الاسلامي من خلال اسلوبين، الاول حشو الادارات والوزارات والمجالس بالمتعاقدين والاجراء والمياومين بنسبة 85 بالمئة من المسلمين المستسلمين للوصاية و15 بالمئة للمسيحيين المحسوبين على السياسيين المسيحيين المتعاونين مع الوصاية السورية، وكان كلما شغر مركز يشغله مسيحي، اما ببلوغ السن القانونية او الاستقالة او الوفاة، يملأ الفراغ بموظفين مسلمين، اما بالاصالة او بالوكالة من المتعاقدين والمياومين الذين اصبحوا اكثر من الموظفين الدائمين الذين خضعوا لامتحانات من مجلس الذمة المدنية، واما بنقل موظف مسيحي من منصب حساس ومهم الى منصب آخر اقل اهمية بقرارات من الوزير او المدير العام بعيداً عن رأي مجالس الرقابة مثل الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، وهذه الحالات لا تعدّ ولا تحصى في جميع الادارات والوزارات.
امّا في المجال السياسي فان الوزارات السيادية وتلك التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، فإن حصة المسيحيين توازي حصة المسلمين ولكنها تذهب الى المسيحيين الذين كانوا يأتمرون بسلطة الوصاية وبالنظام الامني السوري- اللبناني، واذا كانت ساحة الشهداء والساحات القريبة منها، والشوارع والطرقات قد ضاقت في 14 آذار 2005 بمئات ألوف المسيحيين، فلأنها كانت ردة الفعل على القهر والحرمان والتمييز وهدر الحقوق التي تعرّضوا لها طول فترة الوصاية السورية، ولكن على ما يبدو لم يسحب الجيش السوري «ملائكة» النظام الامني اللبناني - السوري عندما انسحب من لبنان، لأن الممارسات التي خفّت وتراجعت في السياسة، بسبب انتفاضة 14 آذار لم تخفّ ولم تتراجع في الادارة، حيث تنقل الى بكركي معلومات مذهلة ويمكن القول انها معيبة عن عمليات ابعاد وتهميش تطول الموظفين المسيحيين، وتطول ايضا من يتقدّم منهم الى الوظيفة العامة ولا تخفي مصادر روحية في بكركي خوفها من ان تفرغ الادارات العامة من المسيحيين بعد فترة ليست بالطويلة ان لم تعالج الامور بذات الروحية الوطنية السمحاء التي عالج فيها اللواء اشرف ريفي عندما كان مديرا عاما لقوى الامن الداخلي، الخلل الكبير الذي كان مسيطرا في تلك المديرية العامة.
ان النظام الطائفي الذي يقوم على المحاصصة والتسويات، احيانا وعلى قاعدة السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة في اكثر الاحيان، هو سبب هذه الحالة الشاذة، وهو سبب رئىس وراء تفكك الدولة وانهيار السلطة والمؤسسات والحلّ واحد من اثنين، اما ان يضع الجميع بيضهم في سلة الدولة، في ظل نظام مدني عادل يجمع الكل تحت جناحيه. وامّا نظام لا مركزي يؤمّن الحقوق والامن والانماء والعدل والمساواة لكل فرد وجماعة مهما كان دينه وطائفته ومذهبه بعيدا من الكيديات والعصبيات الطائفية والمذهبية.
باختصار هذه الحالة غير السوية والمتناقضة مع صيغة العيش المشترك لم تعد تطاق لدى شريحة تعتبر مكوّنا رئيسا واساسيا في وجود لبنان ومن يفكّر بمعالجات الاسبيرين والحبوب المهدئة او اللامبالاة، عليه ان يعيد حساباته، لأنه سيكون سباقا الى الهاوية، اذا تحقق الانهيار.