إذا اعتبرنا "14 آذار" شعاراً يختصر توق اللبنانيين إلى الحرية والسيادة والاستقلال، فالأكيد أنه شكل قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مشروعاً نضالياً للتيار الوطني الحر من دون سواه.
أما بعد 14 شباط 2005، فبات "التوق" أكثر شمولاً، بعدما ضمَّ إلى التيار الوطني الحر جملة من القوى السياسية، محورها تيار المستقبل.
غير أن المحطات الأساسية التي طبعت السنوات التسع الفائتة، أدت إلى فرط عقد التحالف الموضوعي الأساسي، الذي شارك مجتمعاً في تظاهرة 14 آذار 2005، على وقع المحطات التالية:
1. قبيل انتخابات حزيران 2005، انضم حزبان "استقلاليان" إلى حزبَين من فريق "شكراً سوريا"، ما أنتج حلفاً رباعياً جمع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة، مع "حزب ولاية الفقيه" وحركة أمل من جهة ثانية، ما أفضى حكماً إلى خروج التيار الوطني الحر من المعادلة، وخوضه المعركة شبه منفرد.
2. في 28/11/2007، أصدر سعد الحريري قراراً تولى إعلانه النائب عمار حوري قائلاً: "بعد حصول الفراغ في موقع الرئاسة، (...) وخلافاً للتوجهات التي سادت سابقاً، نعلن قبولنا بتعديل الدستور في سبيل الوصول إلى توافق على اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح لرئاسة الجمهورية". وكان لهذا الإعلان وقع الصدمة العنيفة على جمهور "ثورة الأرز" الذي بدأ يرى قياداته تتراجع عن القرار تلو القرار، خصوصاً أنها كانت حسمت موقفها برفض تعديل الدستور وانتخاب عسكري لمنصب الرئاسة الأولى.
3. في 21/5/2008، وقّعت الأكثرية النيابية على "اتفاق الدوحة"، حيث نالت المعارضة ما سبق أن رفضت 14 آذار منحها إياه، وهو حكومة "وحدة وطنية" لها فيها الثلث المعطِّل، وقانون انتخاب العام 1960 معدلاً.
4. في حزيران 2009، بادر الحريري الى الإعلان عن "اليد الممدودة" لتشكيل "حكومة وحدة وطنية" بعد ربع ساعة من إعلان فوز قوى 14 آذار في انتخابات 7/6/2009 النيابية. وبدّد هذا القرار الانتصار "التاريخي" الذي حقّقه جمهور "ثورة الأرز" الذي خاض الانتخابات النيابية على أنها معركة فاصلة ستحدد مصير لبنان، وعلى أساس "أكثرية تحكم وأقلية تعارض، ولا للثلث المعطل ولا لسلاح الغدر"...
5. في 2/8/2009 أعلن وليد جنبلاط من فندق "البوريفاج"، أنّ تحالفه مع قوى 14 آذار "كان بحكم الضرورة ويجب ألا يستمر"، معتبرًا أن "فريق 14 آذار لم يخض معركة ذات مضمون سياسي"، ومشيرًا الى أن "كل معركتنا كانت قائمة على رفض الآخر من موقع مذهبي وقبلي وسياسي". وبالفعل، في 31/3/2010، قبِل النظام السوري توبة جنبلاط بعد تلاوته فعل الندامة، فزار ابن كمال جنبلاط بشار الأسد.
6. في 2/12/2009 صدر البيان الوزاري مقرًا ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة".
7. في 19/12/2009، وصل سعد الحريري الى مطار دمشق الدولي، من باب وجوب تصحيح العلاقات مع سوريا، وبَحْث المواضيع العالقة، كرئيس حكومة كل لبنان وكل اللبنانيين.
8. في 6/9/2010، فاجئ سعد الحريري الجميع عبر صحيفة الشرق الأوسط بالاعتذار من النظام السوري عن اتهامه إياه باغتيال والده، كما اعترف بوجود شهود زور في التحقيق الدولي قائلاً: "نحن في مكان ما ارتكبنا أخطاء. في مرحلة ما، اتهمنا سوريا باغتيال الرئيس الشهيد، وهذا كان اتهاماً سياسياً، وهذا الاتهام السياسي انتهى. هناك أشخاص ضلَّلوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان(...). شهود الزور هؤلاء خرّبوا العلاقة بين البلدَين وسيَّسوا الاغتيال، ونحن في لبنان نتعامل مع الأمر قضائياً".
9. يوم احتدم الخلاف بين أفرقاء 14 آذار حول قانون الانتخاب، تمسكّ حزبا القوات والكتائب باقتراح "قانون اللقاء الأرثوذكسي" القاضي بانتخاب المسيحيين نوابهم، فرفضه "تيار المستقبل"، ليتراجع الحزبان المسيحيان عن موقفهما، قبل تبني التمديد للمجلس النيابي.
10. في 17/1/2014، أعلن الحريري استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب الله باعتباره "حزبًا سياسياً"، وتشكلت الحكومة الحالية، ليبدأ بعد أشهر حوار ثنائي بين تيار المستقبل وحزب الله برعاية عين التينة، بلوغاً إلى ترشيح الحريري الصديق الشخصي للرئيس السوري بشار الأسد لرئاسة الجمهورية.
بعد أحد عشر عاماً تقريباً على 14 آذار 2005، وعلى وقع الفشل المكرر للتحالف المذكور، هل ترتفع مجدداً حظوظ العودة إلى الجذور، بتحقيق التقاء موضوعي بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، من دون تخلي أي من الطرفين عن الثوابت والتحالفات القائمة، لتمرير الاستحقاق الرئاسي وإطلاق عجلة الحياة الدستورية من جديد؟ الجواب هو مرة أخرى لدى سعد الحريري من دون سواه، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان...