لينا فخر الدين-
على طرف المقعد الأمامي داخل المحكمة العسكريّة، جلست كفاح ز. تشيح ابنة الـ24 بنظرها عن العسكريين والموقوفين داخل القاعة، علّ الأمر يفيدها لمتابعة الأفكار التي واظبت على التمتمة بها طوال مكوثها على مقعدها والذي امتدّ لأكثر من 6 ساعات.
حاولت وكيلة الدّفاع عنها المحامية عليا شلحة أن تهدئ من روعها وهي على عتبة المحكمة، لكن الخوف كان بادياً على وجه المرأة ذات الملامح الطفولية والقامة الهزيلة. إذ ليس من السّهل أن تطأ أقدامها محكمة أنزلت عليها منذ أشهر قليلة حكماً غيابياً بالأشغال الشاقة المؤبدة بعد أن تركت أولادها الإثنين وابنتها الرضيعة في المنزل، وقرّرت أن تُسلّم نفسها للقضاء وتروي ما في جعبتها.
ولذلك، قرّرت المحكمة أن تدرج اسمها من خارج جدول الجلسات لتكون الدعوى الأخيرة، أمس.
ما إن سمعت كفاح باسمها على لسان رئيس «العسكريّة» العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم، حتى تقدّمت بخطى متثاقلة نحو القوس. حنت الشابة الفلسطينيّة رأسها وهي تسمع التّهم المسندة إليها بنقل الإرهابي شادي المولوي وتقديم المأوى له. فهي التي ورد اسمها بأنّها كانت ترافق زوجها المحكوم فريد حمد عندما طلب منه شقيقها فادي زيدان (المحسوب على هيثم الشعبي) أن ينقل أحد المطلوبين من الشّمال إلى مخيّم عين الحلوة بعيد تنفيذ الخطّة الأمنيّة في الشمال، وذلك مقابل 100 دولار أميركي.
حينها، قرّر حمد أن يأخذ زوجته وولديه معه إلى طرابلس. وما إن عاد حتى سلك طريقاً فرعيّة ليتمّ توقيفه على أحد الحواجز ويتبيّن صدور وثيقة اتصال بحقه، ليطلب العسكريّ من شادي المولوي الذي لم يتعرّف عليه بأن يقود السيارة بعد توقيف حمد!
وبرغم أنّ حمد أكّد أنّ زوجته لم ترافقه بناءً على طلب شقيقها بهدف التمويه على عمليّة نقل المولوي، إلا أنّه أشار في الوقت عينه إلى أنّ كفاح هي من كانت تتواصل مع فادي للاستدلال على مكان اللقاء بالشخص المنوي نقله لأنه كان يقود السيارة، مشدداً على أنّه لم يتعرّف على المولوي إلا بعد أن أراه محققو الأمن العام صورته لدى التحقيق معه في المديريّة.
أمّا كفاح، فما إن بدأت بالردّ على أسئلة العميد ابراهيم، حتى نفضت يديها من خالها هيثم الشعبي وشقيقها فادي زيدان. الأوّل قطع علاقته بها بعد زواجها بحمد الذي لم يكن يرغب به والثاني لا تراه إلا في منزل أهلها خلال الأعياد، ومع ذلك لم تنكر أن الإثنين «في مجموعة واحدة. «جند الشام، هكذا يقولون اسمها».
وروت ما حدث خلال اليوم الذي ذهبت فيه إلى طرابلس، بعد أن طلب منها زوجها أن ترافقه مع الولدين كما هي العادة «لأن فريد كان يعمل في مهنتين ولم أكن أراه بشكلٍ دائم، ولهذا السبب، كنت أرافقه في بعض الأوقات خلال عمله كسائق تاكسي».
ولأنّ الأمر لم يحصل للمرة الأولى، لم تفكّر كفاح بأن تسأل زوجها عن هويّة الشخص المفترض نقله إلى المخيّم «وهو ما عنده هالشغلات»، وفق ما قالت.
وبوصولهم إلى طرابلس، طلب حمد من زوجته أن ترسل لشقيقها فادي رسالة عبر هاتفه وتسأله عن مكان تواجد الشخص. وما إن همّت كفاح بالكتابة على «واتس اب»، حتى اتصل شقيقها عبر خدمة «فايبر»، طالباً التحدّث إلى حمد ليطلب منه الانتقال إلى منطقة معيّنة حيث كانت تنتظره دراجة ناريّة.
وبناءً على طلب فادي، لحق حمد بالدراجة الناريّة من دون أن يعلم الوجهة، حتى فتح الباب الخلفي شخص عرف أنّه الشخص الذي سينقله إلى المخيّم، ويعرّف عن نفسه باسم وهمي مدعياً أنه يملك محلاً لبيع الهواتف.
لم يثر الراكب ريبة كفاح التي لم تلتفت لترى وجهه ولم تره إلا حينما قاد السيارة عند الحاجز، وفق ما أشارت خلال استجوابها، متسائلة: «إذا العسكري لم يتعرّف عليه، فكيف أتعرّف أنا عليه خصوصاً أنني لا أتابع الأخبار؟».
وبصوت متقطّع ومنخفض، أشارت إلى أنّ شقيقها لم يطلب منها مرافقة زوجها، مرددةً: «إذا كان هو (زوجها) قرّر أنّ يعرّض أولاده للخطر وغامر بهم، ولكن الأمّ لا تفعل ذلك.. لا تغامر بأولادها أبداً».
وبعد أن ترافعت وكيلة الدّفاع عنها المحامية عليا شلحة طالبةً لها البراءة لأن لا جرم قد ارتكبته، قرّرت هيئة «العسكريّة» تغريم كفاح مبلغ 300 ألف ليرة لبنانيّة.
تحويل الأموال إلى «داعش»
كما قرّرت هيئة المحكمة أيضاً الحكم على السوري عادل عساف بالسجن سنة واحدة وتغريمه ثلاثة ملايين ليرة لبنانية بتهمة تمويل الإرهاب، لتفتح هذه القضيّة الباب على كيفيّة مراقبة مكاتب تحويل الأموال لقطع الطريق على إمكانيّة تحوّل لبنان إلى مصدر لتمويل التنظيمات الإرهابيّة.
في بداية استجوابه، حاول الرجل السوري ذو الأصول الكرديّة أن ينكر الأمر ويشير إلى أن الأموال المرسلة كانت لصالح أقربائه الذين يعيشون في كوباني، قبل أن يعترف بقيامه بإرسال مبالغ طائلة تعدّت المليون دولار من لبنان إلى سوريا، لتصل إلى أيدي مسؤولي «داعش» في الرقّة.
وقد بدأ الأمر مع الرجل الذي يعمل كـ «جزار» (لحام)، وفق ما قال، في أحد المطاعم في بيروت التي يعيش فيها منذ أكثر من عشرين عاماً، حينما أقنعه أحد أقربائه في كوباني والذي يملك محلاً لبيع المجوهرات وهو من آل البوزو أنّ «شركة الخالدي لتحويل الأموال» سوف تفتتح فرعاً لها في بيروت، بعد امتلاكها فروعاً في عدد من الدوّل العربيّة والآسيوية، ليتمّ تسليمه إدارة هذا الفرع.
وبالفعل، بدأ الرجل بأعمال التحويل قبل أن تتحوّل الشركة إلى شركة فعليّة داخل الأراضي اللبنانيّة. وصار يتسلّم أموالاً محوّلة من عدد من الدول (أبرزها العراق وسوريا) ليحوّلها بدوره عبر مكتبٍ آخر إلى أشخاص آخرين داخل سوريا، وبعضها حوّل مباشرةً إلى مكاتب لتحويل الأموال داخل منطقة سيطرة «داعش» في الرقة.
وكانت الأموال تتعدّى في كلّ عمليّة الـ10 آلاف دولار وبعضها فاق الـ100 ألف دولار أميركي، لتصل إلى أكثر من مليون دولار خلال عام واحد.
وحدّد عساف عمولته بـ50 دولارا لكلّ 300 دولار مرسلة إليه، فيما كانت مكاتب التحويل محصورة باثنين: الأوّل في محلّة قريطم والثاني في الحمرا.
كلّ هذه الأمور أكّدها عساف عندما استجوبه العميد ابراهيم، أمس، لافتاً الانتباه إلى أنّه لم يكن يعلم أن هذه الأموال كانت تصل إلى يد «داعش»، و«لو كنت أعلم بذلك لطلبت إعدامي، فداعش خطف إخوتي وعذّب أبناء عمي وقتلهم في 25 أيّار الماضي».
وبحسب «الجزّار»، فإنّ الأموال التي كان يستلمها في بعض الأوقات يسلّمها إلى أشخاص في لبنان، وهذا ما حدث عندما أرسل أحدهم مبلغاً مالياً إلى أحد مسؤولي «حزب الله» الذي يقطن في الضاحية من آل صعب.