«ليس العلم والطب بوظيفة بل هما تعهد حياة. إذا كان الفرد يحب العلم، فلن يتوقف عن حبه بسبب حصوله على وظيفة او أمر مهم. يصبح العلم جزءا من الفرد، يعطيه الروح والإلهام» بهذه الكلمات يختصر الرئيس اللبناني الأول لـ«الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور فضلو خوري، رؤيته للعلم من دون أن يطلق شعارات رنانة أو كلمات إدارية جافة.
يتكلم خوري بهدوء، بسلاسة. يعبّر بصدق عن ايمانه بالطلاب، وبالجامعة الأميركية، وبلبنان وبالوطن العربي. يدرك خوري المشاكل التي تعم البلدان العربية غير أنه مقتنع بأن الإنسان اللبناني والعربي ليس بأقل قيمة من بقية شعوب العالم، وهو قادر على تحقيق التميز وبأنه يمكن للطلاب أن يغيّروا العالم.
عاد خوري من «الولايات المتحدة الأميركية» حيث كان يشغل مركزا هاما في كلية الطب في جامعة «ايموري» في مدينة «اتلانتا» الأميركية ليكون له أثر ودور فعال في «الجامعة الأميركية في بيروت». يقول «كنت سعيدا جدا وعائلتي في «أتلانتا» غير أنني أريد أن لا أقصر في إمكانية مساعدة الجامعة وترك أثر مهم عند الناس».
ليست «الجامعة الأميركية في بيروت» بعيدة عن الناس، أو عن المجتمع، أو عن لبنان. ليست «الجامعة الأميركية» صرحا تربويا أو أكاديميا فحسب بل هي تنتج نسبة 45 في المئة من العلوم في لبنان، ولها أثر ثقافي وسياسي وانساني كبير. يشرح خوري «أن منطقة رأس بيروت لم تشهد مآثر الحرب الأهلية في لبنان لما تركته الجامعة من أثر في التفاهم والتسامح وحفظ حقوق الإنسان في محيطها. فتؤثر الجامعة على طلابها، واساتذتها وسكان المنطقة». لا ينحسر أثر الجامعة في محيطها الضيق إذ يمتد أثرها في البلدان العربية. أطلق المؤرخ قسطنطين زريق (1909-2000)، الذي كان أستاذا ورئيسا للجامعة الأميركية، مصطلح النكبة، وأثر الأساتذة، على سبيل المثال، يعقوب الصروف وبطرس البستاني في النهضة العربية، وساهم خريجو كليتي الطب في «الأميركية» و «جامعة القديس يوسف» بتطوير الطب في العالم، وساعد خريجو الهندسة من «الأميركية» بإعمار البلدان العربية الحديثة. تخرج وزراء حكومات لبنانيون وعرب، ورؤساء ووزراء وسفراء من الجامعة الأميركية ما يعزز أثرها السياسي في المنطقة.
تعتبر الجامعة الأميركية، وفق خوري، أقدم جامعة في العالم العربي ولها تاريخ مرموق، وأثر حضاري ممتاز. وتحتفل الجامعة، اليوم، بمرور قرن ونصف على تأسيسها في العام 1866 على يد المبشرين الأميركيين البروتستانت تحت اسم الكلية السورية البروتستانتية ملتزمة بكونها جامعة أميركية لجميع اللبنانيين والعرب وتحت شعار « لتكن لهم حياة، وتكون حياة أفضل».
يؤكد خوري أن الجامعة الأميركية كانت وما زالت للجميع خصوصا في ظل اتساع الفروق بين الطبقات الفقيرة والغنية بشكل مؤلم للمجتمعات. فليس من مصلحة الجامعة أن يخاف التلميذ المنحدر من عائلة متواضعة من أن يلتحق بالجامعة التي تفتخر باحتضان لبنان لها، والتي ما زالت ترغب في انضمام الطلاب الكفوئين اليها «أمنوا شطارتكم» يقول خوري.
يطالب الطلاب دائما بخفض الأقساط الدراسية. فيجد خوري أنه من المفيد الحد من زيادة الأقساط ليس للتجاوب مع الطلاب فحسب، بل لمصلحة الجامعة والبلد في أن تبقى قادرة على تعليم النخبة الفكرية في لبنان وخارجه. يذكر أن نسبة 21 في المئة من طلاب الجامعة الأميركية هم غير لبنانيين. وتحافظ الجامعة على حرية التعبير باعتبارها جامعة مفتوحة، تصون حرية الرأي وتمكنت من اجراء الانتخابات الطالبية في موعدها كمثال جيد للطلاب وللبنان.
تواكب الجامعة، اليوم، تطور الأساليب والتقنيات في التعليم العالي من خلال الدراسة عبر الإنترنت (online learning) التي تلبي رغبة بعض الطلاب الذين ينوون الدراسة لفترة زمنية معينة، ثم العمل ثم متابعة الدراسة، والتي تساعد في مخاطبة الطلاب المتميزين في البلدان العربية وفي حصولهم على فرصة جيدة. ولها علاقات تآخي وتعاون مع الجامعات الأخرى مثل «جامعة القديس يوسف»، والبلمند، والكسليك، و «اللبنانية والأميركية «وبيروت العربية وغيرها.
تعتبر الجامعة الأميركية جامعة بحثية، وتنوي أن تحافظ على تميزها في البحث العلمي بالرغم من التحديات في إيجاد موارد التمويل. وتضم الجامعة نخبة من الباحثين المتميزين الذين عادوا الى لبنان وأرادوا أن يعملوا في الجامعة الأميركية وتتلقى هبات من مؤسسات أميركية لدعم البحث العلمي. يذكر خوري دور «المجلس الوطني للبحوث العلمية» بأمينه العام البروفسور معين حمزه باعتباره «اصدق الأصدقاء لهذه الجامعة وايمانه بها يرفع الرأس».
يشير خوري إلى أهمية تعزيز العلوم الإنسانية لرفع مستوى المؤرخين وأساتذة اللغة العربية والفلسفة وغيرهم ليس في الجامعة فحسب بل في المجتمع. إذ يتجه العالم اليوم إلى مزيد من التخصص مع اهمال الأبعاد الإنسانية التي تغير المجتمعات وتصونها، فالطبيب أو المهندس، وعلى أهمية الأدوار التي يقومان بها، ليسا أعلى شأنا من أساتذة التاريخ والمتخصصين في العلوم الإنسانية.
حق الفرد في تلقي أفضل العلاج
في العام 2011، كشف المركز الطبي في «الجامعة الأميركية في بيروت» عن رؤية تطويرية لسنة 2020 في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والأبحاث. تتابع الجامعة اكمال المشروع إذ «يستحق الشعب والبلد مستوى عالمي من الطب والعلاج» وفق خوري. من المتوقع أن ينتهي انشاء «مركز حليم وعايدة دانيال الأكاديمي والعلاجي» في العام 2017، وانشاء مراكز عدة متخصصة في الأمراض السرطانية، والأطفال، والعلوم العصبية في المستقبل. في المقابل، تحد الحروب التي تطال البلدان العربية، والصعوبات الاقتصادية من المساعدات التي يقدمها المغتربون للجامعة. تركز الرؤية المستقبلية على ربط العلوم الصحية والتمريض والهندسة لتطوير الطب ومواجهة المرض قبل تفشيه أي التركيز على الصحة وليس على المرض فحسب.
لن يتوقف خوري عن متابعة بحوثه العلمية في مواجهة سرطانات الرئة والفك والحنجرة. إذ سيباشر عمله في عيادته في «مركز نايف باسيل للأمراض السرطانية» في شهر شباط المقبل، كعضو في فريق متميز بالبحوث الطبية «شوية مهرب من الإدارة حتى نساعد الناس ونتعلم»، إذ يحب خوري قراءة المقالات الطبية وفحص المرضى «بصيروا جزءاً منك». ترتفع نسبة تدخين السجائر والنرجيلة في لبنان والوطن العربي، ما يوجب العمل على وقف تلك العادات السيئة والضارة.
« كل شي قدرت أعمله بحياتي، ما كان صار لو ما أثر الجامعة» يقول خوري مشيرا إلى أنه ابن هذه الجامعة حيث درس والداه (والده كان عميد كلية الطب في الجامعة رجا خوري، ووالدته أستاذة في الرياضيات)، وتربى فيها وعاد ليرد هذه الخدمة (ولو بطريقة صغيرة) من خلال دعم الطلاب، الذين ان توفرت لهم المصادر والإيمان بالذات، فلا حدود لقدرتهم على تقديم ما هو أفضل للبنان والعالم. فعلى سبيل المثال، يمكن لطلاب الهندسة أن يعيدوا اعمار ما تم تدميره في البلدان العربية.
يشدد خوري على أن الجامعة لا تركز على تخريج زعماء على صعيد حزبي أو سياسي، بل تهتم بتخريج قياديين لهم رؤية وتصور شامل وبعيد المدى، يؤسسون لقيم التسامح والأمل وتقليص الهوّة بين الفقراء والأغنياء، ويؤثرون على ما هو أبعد من حيطان الجامعة، على المجتمع والوطن في ظل شعار المرحلة المقبلة أن «نكون أكبر، وأفضل، وأكثر عدالة، وأكثر تأثيرا».
* تحتفل الجامعة الأميركية في بيروت، اليوم، بتنصيب أول رئيس لبناني والرئيس السادس عشر للجامعة الدكتور فضلو خوري الذي سيقوم بإطلاق احتفالات الجامعة بمرور قرن ونصف القرن على تأسيسها في العام 1866.
http://assafir.com/Article/1/469841