المهندس جان أبي جوده-
مهما تكن الخلفيات السياسية، او حتى الأفكار الشخصية المسبقة- ولكل منها ما يبرره في التاريخ وحتى الماضي القريب- يبقى أن ما حدث في الثامن عشر من كانون الثاني 2016، هو الحدث المسيحي الأبرز منذ عام 2005، حين عاد العماد ميشال عون من المنفى في السابع من أيار، ليخرج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن في السادس والعشرين من تموز.
فكما عبَّر نفي الأول وسجن الثاني عن دخول لبنان زمن الوصاية السوداء، وتماماً كما توجت رجعتهما إلى المشهد السياسي عام 2005 مرحلة النضال من أجل تحرير لبنان، لا يمكن فصل تقاربهما اليوم، عن إرادة اللبنانيين المسيحيين في استعادة الشراكة الوطنية المسلوبة بالقوة السياسية، بعدما فشل الإقناع على مدى عشر سنوات ونيف.
فعدا الختم النهائي للصراع الدموي السابق، والخلاف السياسي اللاحق، كرس إعلان النوايا بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في الثاني من حزيران 2015، ثم تبني القوات ترشيح الجنرال قبل أيام، جملة حقائق تتخطى الاستحقاق الرئاسي الآني إلى تصور عام، هذه أبرز ملامحه:
أولاً: للمرة الأولى في تاريخ لبنان، والتاريخ السياسي للمسيحيين فيه، تحظى شخصية سياسية مرشحة للرئاسة على هذا القدر من الالتفاق الشعبي. فعدا التأييد الشعبي الواسع جداً للعماد عون وتياره، يأتي انضمام شعبية القوات ليجعل منه مرشح تسعين في المئة من المسيحيين وربما أكثر، في ضوء الأرقام الانتخابية الواضحة بالاستناد إلى التجربة النيابية الأخيرة التي عاشها لبنان سنة 2009.
ثانياً: بناء على ما تقدم، بات الشركاء في الوطن أمام مسؤولية تاريخية... فإما انتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح على رأس الدولة، وإما قطع رأس النظام السياسي الذي أرساه اتفاق الطائف، بفعل قطع رأس الشراكة الوطنية، والإصرار على تهميش المسيحيين والتعامل معهم كأتباع لا كشركاء. إذ ليس مسموحاً بعد اليوم تخطي إرادة المسيحيين في رئاسة الجمهورية، تماماً كما يرفض تجاوز الشيعة في رئاسة المجلس النيابي، والسنة في رئاسة الحكومة.
ثالثاً: يؤكد الخلاف المستحكم بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل صحة اتهام الأخير بالسطو على الحقوق الوطنية للمسيحيين، سواء في الرئاسة، أو من خلال قوانين الانتخاب المجحفة، ووصولاً إلى التمثيل في الحكومات، وعلى مستوى مختلف الإدارات. فقد بات واضحاً اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن الشعارات المناهضة للنظام السوري، ولسلاح حزب الله، ومعهما إيران، لم تكن أكثر من فقاعات صابون لإلهاء الرأي العام عما يخطط له في الكواليس من قضم للحقوق، وسطو على المقدرات، وضرب للميثاق الوطني.
وفي موازاة ما تقدم، لاحظنا على المستوى الإقليمي، ترحيباً قطرياً شبه فوري بتبني القوات ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، قابله صمت سعودي مطبق، وسط ذهول غربي واضح.
أما محلياً، فظل التريث سيد موقف الكتل السياسية في البداية، ما أبقى الساحة ملعباً لتحليلات شخصية، واستنتاجات وهمية، وأرقام بعيدة من الواقع، خصوصاً على صعيد فرز النواب بين مؤيد للعماد عون، وداعم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، في جلسة يبقى انعقادها حتى اللحظة ضرباً من ضروب الخيال الواسع.
وفي غضون ذلك، أطلق التيار الوطني الحر جولة على مختلف المكونات السياسية، للتشاور في مرحلة ما بعد اتفاق معراب، الذي خلط الأوراق الرئاسية، وثبت العماد عون مرشح شبه إجماع مسيحي.
كيف ستترجم مشهدية معراب رئاسياً؟ الأمر متروك للآتي من الأيام. فالمسيحيون حسموا الخيار، وعلى الشركاء المفترضين في الوطن أن يتخذوا القرار المناسب بعد استيعاب الصدمة، حتى يتحولوا شركاء فعليين.