تستمر الخلافات بين إيران والدول العربية في تصاعد ملحوظ، ومن حين إلى آخر تواصل دول مقربة من السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية الأزمة الأخيرة بين الرياض وطهران.
في أوروبا والولايات المتحدة هناك خشية من تصعيد الصراع العربي الإيراني، وبالتالي فشل التسوية السورية. وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف من بداية لحرب جديدة واسعة النطاق.
ماذا بالنسبة لروسيا إزاء هذا التوتر وأين موسكو من هذه الأزمة؟ لدى الخبراء الروس توقعات بشأن الموقف الروسي المستقبلي إزاء هذه المواجهة التي يصفها المحللون في روسيا بالمواجهة "السنية الشيعية".
لا بد لموسكو أولا أن تدرس الموضوع بشكل جذري حسب المراقبين. فللأزمة بين البلدين تاريخ طويل.
وصلت الأحداث ذروتها عندما أعلنت المملكة العربية السعودية الأحد 3 يناير/كانون الثاني قطع جميع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وأمهلت البعثة الدبلوماسية الإيرانية 48 ساعة لمغادرة أراضيها. وذلك بسبب الاعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد.
وتتمسك طهران بموقفها بأن قطع العلاقات الدبلوماسية من الجانب السعودي لن يمكنها إخفاء "جريمة" الإعدام بحق رجل الدين نمر النمر كما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني.
الرياض تؤكد هي الأخرى على موقفها وتتهم إيران بخلق الفوضى في المنطقة ودعم جهات معينة بالمال والسلاح بهدف زعزعة الاستقرار.
ومع كل ذلك، تأتي الدعوة من الخارج للأطراف بعدم التصعيد وتأزيم العلاقات.
يقول وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير في مقابلة مع صحيفة "بيلد" إن الصراع بين البلدين يمكن أن يضيع كل الجهود لتسوية الأزمة في سوريا.
ووفقا لوزير الخارجية الألماني، فإن منطقة الشرق الأوسط برمتها لا سيما المملكة العربية السعودية وإيران "يتحملون المسؤولية" أمام المجتمع الدولي الذي "لسنوات عديدة يشارك بشكل فعال في تسوية النزاعات المترابطة في المنطقة".
تتابع وسائل الإعلام الرائدة في العالم.الأحداث بحذر، تشير دير شبيغل الألمانية إلى أن العلاقات بين البلدين متوترة منذ ما يقرب الـ 40 عاما، ولا يمكن حل النزاع إلا إذا توصل الطرفان إلى حل وسط، وتسرد وسائل الإعلام المقربة من المملكة الأسباب وراء التوتر وتشير إلى تضارب المصالح بين البلدين في سوريا واليمن والعراق ودعم طهران لأطراف في هذه البلاد. بدورها، تلفت صحيفة نيويورك تايمز أن نقطة تحول حدثت في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وأن من الواضح أن واشنطن غير راضية عما يحدث، ولكنها تفضل عدم الإدلاء ببيانات صارمة ضد الرياض.
الشعور العام من خلال متابعة الصحافة العالمية هو التأكيد على أن الصراع يؤثر ليس على مصالح البلدين المتناحرين فقط، بل على الأوضاع الأخرى في المنطقة أيضا. على سبيل المثال، الجنرال المتقاعد في قوات المشاة البحرية والقائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، أنتوني زيني لا يستبعد تطور الصراع إلى حرب شاملة يمكن أن توقف الإبحار إلى الخليج العربي والحد من حرية الملاحة وتنقل موارد الطاقة.
يرى الأمريكيون أن ما يحدث قد يصرف الانتباه عن المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وقد يثير عدم الاستقرار الداخلي في دول المنطقة المدعومة من قبل واشنطن.
التطورات الأخيرة تقلق موسكو. بمقدار ليس أقل من الدول الغربية. كان هذا جليا عندما أعربت موسكو على لسان مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الروسية عن استعداد الكرملين للتوسط في النزاع بين دول الشرق الأوسط، تقول موسكو إنها وفي سياق إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، تمكنت من إنشاء ما يسمى بمجموعة فيينا بمشاركة المملكة العربية السعودية وإيران وتأمل بأن هذه الآلية سوف تواصل عملها لصالح إيجاد تسوية سياسية في سوريا.
يقول الباحث الروسي من معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو غيورغي ميرسكي إنه لا ناقة ولا جمل لروسيا في هذه الأزمة ويكون المحلل بهذا التقييم استنسخ مواقف أمريكية سابقة تجاه أزمات مماثلة في العالم. يشير الخبير الروسي إلى أن روسيا "ليست بحاجة إلى الوقوف لا إلى جانب الشيعة ولا إلى جانب السنة.. إنها حرب دينية.. علينا ألا ننسى أن نسبة المسلمين الشيعة من بين مسلمي العالم هو 15٪ فقط، في حين أن السنة - 85٪. وفي روسيا، الغالبية العظمى من المسلمين هم من السنة. لذلك، فإن الوقوف إلى جانب الحليفة إيران من الناحية السياسية سيأتي بنتائج عكسية، ونحن بذلك سوف نجيش العالم العربي ضدنا".
وفي المقابل، يضيف الخبير أنه لا يمكن الوقوف في هذا الصراع إلى جانب المملكة العربية السعودية، وترك إيران لوحدها في أوقاتها العصيبة.. طهران تصالحت للتو مع واشنطن، ووقعت على الاتفاق النووي وسترفع عنها العقوبات وقد تتطور بسرعة وتعيد علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، ولا يجوز إطلاقا الابتعاد عن إيران في هذا الوقت.
ووفقا لكبير الباحثين في مركز الأمن الدولي في معهد الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية فلاديمير سوتنيكوف، فإنه لا ينبغي لروسيا التدخل في صراع ديني، فهذا الأمر بحسب الخبير قد يؤثر على وضعها في المنطقة بعد أن باشرت الأخيرة حربها ضد الإرهاب في سوريا.
رغم هذا فإن المحلل يعتقد أن موسكو تستطيع تقديم "المساعي الحميدة لتأسيس عملية دبلوماسية بعيدا عن الأشياء الدينية".
وهنا يشارك الخبير الروسي الجنرال الأمريكي أنتوني زيني الرأي بشأن المخاوف من أن الصراع بين الرياض وطهران قد يصرف الانتباه عن قتال تنظيم "داعش" والتوصل إلى تسوية سلمية في سوريا.
ويضيف الخبير أنه وعلاوة على ذلك، فإن مصالح واشنطن واللاعبين الغربيين الآخرين الذين يشاركون بطريقة أو بأخرى في الوضع حول سوريا، ناهيك عن المصالح الروسية، تتطلب ألا تكون مثل هذه الصراعات بين الخصمين الجيوسياسيين الكبيرين في المنطقة.
سوتنيكوف لا يستبعد تحول الصراع إلى مواجهة ساخنة في العراق أو في سوريا، حيث يتواجد الحرس الثوري الإيراني أو المستشارون العسكريون إذا استمرت الأزمة بين البلدين.