- حسن غندور -
كثر الحديث في الاونة الاخيرة وخصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي بين ايران والغرب عن تسوية ما حصلت بين الطرفين، ادّت او ستؤدي الى تخلي ايران عن قسم من حلفائها، وان ايران ستُغير عقيدتها القتالية وقناعاتها السياسية التي سارت عليها طوال العقود الاربعة الماضية وتنتقل من ثبات الموقف حيال قضايا المنطقة الى مرونة وبراغماتية سياسية تجعل من اعداء الامس اصدقاء ومن شياطين الارض ملائكة .
أمس صرح الرئيس روحاني بكل وضوح ان ايران النووية هي اقوى، وهذه القوة سيستفيد منها حلفاؤها ما يقطع الشك باليقين ويغلق الطريق على التأويلات والتحليلات او حتى التسريبات المشبوهة هنا وهناك .
للاسف، معظم الفريق المعادي لايران بمنظومته السياسية والاعلامية، سعى ويسعى للتركيز على هذه المسألة على قاعدة فرق تسد، وتناسى مجموعة من الاسئلة والتفسيرات التي توضح حقيقة وضع علاقة ايران مع الغرب بعد الاتفاق وحقيقة الموقف الايراني من قضايا المنطقة وثبات هذه المواقف. والسؤال الاهم هنا، لو ان ايران ارادت مصالحة الغرب ومن ورائه كيانهم المسخ في فلسطين المحتلة لذهبت منذ ال2003 الى تل ابيب، بزيارة شكلية واضحة وحصلت على كل ما تريده، ولذهبت الى ابعد من ذلك، وكرست نفسها شرطياً للمنطقة مناصفة بينها وبين الصهيوني، كما كانت العلاقة بين دول المنطقة وشاه ايران قبل الثورة.
ايران اليوم تسير على جسور ثوابتها وليس جسر اتفاقها النووي فقط، حتى قبل توقيع الاتفاق بساعات، كان مرشد الثورة السيد علي الخامنئي يشن حملة شرسة على الامريكيين ويضع الخطوط الحمر لأي اتفاق قادم. فايران لم تتخلَّ يوماً واحداً عن سوريا طوال فترة الازمة القائمة وحتى الآن، ولم تتخلَّ ايضا عن المقاومة في لبنان وعن دعم فلسطين وقضيتها وشعبها ومقاوميها وحتى في العراق، فإنّ من اهم عناصر انقلاب مشهد المعركة بين الحشد الشعبي و داعش هو وجود السيد سليماني في العراق وادارته الحرب بشكل مباشر .
أمس ايضا قال الرئيس روحاني ان كل العالم موحداً فشل في اسقاط الاسد، فكيف سيسقطونه وهم غير موحدين حول مقاربة الحرب في سوريا وحول خيار استمرار الحرب؟
لذلك، فإنّ ايران ماضية في دعم كل حلفائها في المنطقة دون تراجع، لا بل ستعزز هذا الدعم مستفيدةً من قدراتها المستجدة كما صرح روحاني أمس. ولعل اهم خلفيات هذا الاتفاق تتعلق بترتيب الخريطة في مثلث الصين – روسيا – ايران وما خلف هذا المثلث وما هو بجانبه، وقد اصبح الشرق الاوسط " بكل خيراته " مجرد تفصيل امام ضخامة الخريطة الجديدة التي يرسمها خط الحرير وقمة شنغهاي والبنك الصيني الدولي القادم .
ان استغناء الولايات المتحدة عن نفط الشرق الاوسط ومحاولة تطوير هذه الصناعة في الحقول النفطية الامريكية، دليل واضح على استراتيجية الامريكيين القاضية بتغيير حركة النفوذ الاقليمي، وانتقالها تدريجياً من ضفة ال سعود الى مكان اخر .
ايران اليوم ماضية في تثبيت حلف الممانعة وفي المساعدة على انهاء الازمة في سوريا بكل الطرق، مواجهةً او تسوية مع الدول المساهمة بهذه الازمة. ولا يجب اعتبار الجهد الايراني لتهدئة الجبهات ضعفاً بل تخفيفاً من تداعيات اي حرب مفتوحة لو قُدر لها ان تحصُل. ولهذا تحاول ايران خلق توازن ما على كل الجبهات، عماده الحفاظ على المكتسبات وتجنب الانزلاق الى مواجهة كبرى يخسر فيها الجميع ويربح فيها المشروع الصهيوني وحده .
اما السعودية، فهي ماضية في خياراتها السياسية والعسكرية، وهذا سيشكل تحدياً كبيراً للجمهورية الايرانية لاستيعاب جنون الرياض في اليمن وخطر داعش المتنامي في الجزيرة العربية، وتبعات التورط السعودي في سوريا والعراق. هذه السياسة فرضت على ايران التحلي باقصى درجات الصبر من جهة والجهوزية الدائمة للمواجهة المفتوحة فيما لو وقعت .من جهة أخرى
ايران اليوم ترسم خطاً بيانياً ثابتاً من شنغهاي الى بندر عباس، وتوازياً معه، ترسم خطاً اخر يمنع سقوط منظومة المقاومة والممانعة ويدفع بكل الوسائل لتجنيب الجميع الكأس المر، ولو طالت المواجهة وكرّت وفرّت الى حين، سيبقى وعد الله مفعولاً. .