
2254 الكيان مجدداً في خطر!
علا بطرس -
لا تنفكّ عقدة الديمغرافيا قائمة للإختلال بالتوازن المجتمعي- السياسي في لبنان، بعدما تحوّل العدد المتنامي لجماعة أو طائفة الى مطالبة بحصّة أكبر في النظام، المعيار الثابت لموازين القوى وامتداداتها الإقليمية ذات الصّلة.
بالعودة الى حقبات تاريخية عميقة نوعاً ما، تمكّن الموارنة من المطالبة باستقلال جبل لبنان عن السلطنة العثمانية في ما عُرِف ب"المتصرفية"، الذي تحوّل لاحقاً الى دولة لبنان الكبير بعد التّحولات التي أفرزتها الحرب العالمية الأولى بانتصار فرنسا "الأم الحنون" مع بريطانيا، اللتان فرضتا تقسيم المشرق العربي الى الدول الحالية. لا شك، حقّقت نهضة الموارنة نقلة نوعية في إعطاء لبنان قيمة الرسالة والتّميز في مناخ من الحريات والديمقراطية على الرغم من علّاتها، والمفارقة كانت بتحوّلهم من فلاحة الأرض وحراثتها يوم استقدمهم الدروز للعمل لديهم، الى بناة الدولة الجديدة عبر دور البطريرك الياس الحويك في مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919. أثار هذا الإنتقال من وضعية "المنبوذ" الى "المقرّر" حفيظة البعض، وما زالت سياساته الكيدية تجاه الشراكة مستحكمة الى اليوم بهذه العقدة التاريخية.
في العام 1975 اندلعت الحرب الأهلية رسمياً، فرفع المسلمون مطالب تتعلّق بإصلاحات دستورية وسياسية، وقد تمكّنوا من الحصول على ما يريدون في اتفاق الطائف عام 1990. وعليه، تحدّث الخبراء أن شبح الحرب لن يحصل في لبنان مجدداً، ليس لأن الأطراف الداخلية لا تريدها بل لإن الإمتيازات التي حصلت عليها في الإتفاق المذكور، من دور ونفوذ في السلطة تُجسّد الضمانة الفعلية والحقيقية للإستقرار. وفي حين، يطالب المسيحيون، بعد المحنة التي مرّوا بها بنفي العماد عون وسجن الدكتور سمير جعجع وخروجهم القسري من المعادلة (1990-2005)، بالشراكة الفعلية بعد انتفاء موانع الوصاية السورية نرى الأطراف الداخلية تمارس الهيمنة التي شكت منها قبل الطائف، فتارة تعمل على سحب البساط من الزعيم الماروني الأقوى أي العماد ميشال عون، وطوراً تمارس الكيدية تجاه حقوق شريحة أساسية عبر الإختلال بالميزان الديمغرافي، عبر صمتها عن حقّ العودة للفلسطنيين وصمتها الحالي المريب تجاه القرار 2254 لجهة ما عُرف ب"العودة الطوعية" للنازحين السوريين، وهنا تبقى التساؤلات مشروعة. فأي جهة داخلية جاء ليخدم هذا القرار الأممي؟ فهل 6 و6 مكرّر بات يعتمدها مجلس الأمن الدولي تبعاً لموازين القوى الإقليمية والفرز الناجم عن الأزمة السورية؟
في إحدى لقاءاته عن التوازنات الطائفية، تحدّث الوزير الشهيد بيار الجميّل الى أن الطائفة التي ينتمي بها تُقاس بالنوعية وليس بالكمية، فتم اتهامه بالفوقية والعنصرية. وكي تُحلّ المعضلة-العقدة، بين أكثرية عددية وأقلية نخبوية، يجب أن يشعر اللبنانيون بالإنتماء الى الوطن وبقيم موحّدة جامعة لحماية الكيان من خطر الوجود في ظل القرار 2254 خاصة بعد انهيار نظام الدولة في المشرق العربي، في العراق وسوريا. وإنه لمن الطبيعي أن ينحدر الإنتماء الى ما دون الدولة أي الطائفة عندما تشعر شرائح معينة بالحظوة وأخرى بالتهميش والقضم الممنهج لحقوقها من تمثيل نيابي ووزاري ورئاسة جمهورية... وتجنيس غرباء. فحافظوا على الشراكة كي تبقى لكم الدولة!