Quantcast
Viewing all articles
Browse latest Browse all 175029

هؤلاء لن يعيّدوا الليلة!

Image may be NSFW.
Clik here to view.


التحري -  سينتيا سركيس


في هذه الليلة، ممنوع على الحزن أن يعبُر العتبة، وحدها التراتيل مدعوّة إلى الداخل ومعها بهجة ميلادِ السيد المسيح. الكبارُ كما الصغار ينتظرونَ ليلة 24 كانون الاول ليهلّلوا لميلاد المخلّص، ليصلّوا، ليتمعّنوا في العيون ويقرأوا أمنياتٍ تصعبُ كتابتُها، ليرتشفوا من كلّ صدًى حلما باللقاء في كل عام، من دون أن يفرغ كرسيّ من صاحبه.


يتحلّق الجميع حول طاولة العشاء، يتبادلون الاحاديث، يضربون الكؤوس، بضحكاتٍ مُعدية يفتحون الهدايا، يتعانقون، يتبادلون القبل، يتذكّرون ابرز مشاهد العام المنصرم ويستذكرون الاعياد السابقة.


إلا أن ما نغفل عنه هو أن كثيرين، يمضون هذه الليلة، بعيدا عن أحبائهم، خلف المكتب أو في الشارع، أو ربما يتّكئون على بندقيتهم لننعم نحن بالطمأنينة داخل منازلنا. ذنبُهم، وذنب أحبائهم، أنهم اختاروا مهنةً، عنوانها "المتاعب".


عندما اختارَت سارة أن تكون ممرّضة، كانت تدرك جيّدا أن ظروفَ حياتها لن تكونَ سهلة، فهي ستقضي معظم حياتها بين المرضى، بين اروقة بيضاءَ تعجّ بالحزن والأسى والموت، غير ان حبها لمهنتها كان اكبر بكثير. في العيد، تلازم مرضاها، تهتمّ بهم، "ففي منازل هؤلاء أشخاص يحبونهم، يصلّون كي لا يفرّقهم العام الجديد". "مهنتنا هي مهنة العطاء"، تؤكد سارة، مشيرة إلى أن الفرح الذي تشعر به كلّما رسمت ضحكة على ثغر عجوز في فراش المرض، يضاهي كل أعياد الدنيا.


في المطاعم أيضا، وعدا عن المحتفلين بالعيد، هناك في المطبخ وبين الطاولات أناس يسهرون ليخدمونا، ليطهوا لنا الطعام ويقدموه لنا، ليركنوا سياراتنا، يتحمّلون شتى انواع الزبائن، يخدمونهم بصمت وبغصّة، لأن العيد في منزلهم ناقص من دونهم. يروي سامر أن العيد بات بالنسبة إليه ككلّ أيام السنة، يرى فرح الناس ويسمع ضحكاتهم، من دون ان يتسنى له أن يتشاطر مع عائلته سحر هذه الليلة، "صرت إكره بسّ يقرّب العيد"، على حدّ تعبيره.


ومن المستشفيات إلى أولئك الذين يسهرون ليكون لنا عيد، هم شباب يقضون ليلة الميلاد في ثكناتهم ام على الطرقات ليطمئنوا على سلامتنا، ليمنعوا ايا كان من تعكير صفو هذه الليلة، وما أكثرهم! بعضهم يسهرون في الجرود ليمنعوا "الإرهاب" من شقّ طريقه إلينا، والبعض الآخر يتجوّل في الشوارع، زخّات المطر تتسلّل على وجهه والبرد القارس يجد له مخبأ تحت معطفه، ليكون لنا عيد نحن احوج الناس إليه. ترى الحسرة واضحة في عين جوزيف، فهو لن يرى فرحة ابنته بالهدايا، ولن يلتقط صورة إلى جانب العائلة.


في السماء، مضيفات وطيار يحلمون بعيدٍ مختلف، في المطار أيضا عمّال لا ينعمون بهدوء هذه الليلة، وفي الفنادق أناس يسهرون لننعم نحن بالراحة، مع ابتسامة يرتدونها مع بزة العمل، رغم الغصة في القلوب.


كذلك، فإن كثيرين يمضون هذه الليلة في سيارات الاجرة وخلف مقود الباص، يتمنون لو أن وضعهم الماديّ يسمح لهم بالارتياح استثنائيا ولليلة واحدة، ومثلهم من يعملون في محطات الوقود، في الدفاع المدني، وفي شركتي الاتصالات Alfa وTouch، يقضون ليلتهم بانتظار اتصالاتنا لتبليغهم عن عطل طرأ على الهاتف او الاستفسار عن خدمة الانترنت، والأهم عن تعذّر ارسال المعايدات الهاتفية بسبب الضغط على الخطوط.


نحن أيضا، الصحافيون، يفوتنا العيد أحيانا، فنشرة الاخبار لا تغيب في العيد، والصحف تصدر في اليوم التالي، كما أن المواقع الالكترونية تستمرّ بتحديث الاخبار طوال الليل، نسهر بين الاوراق وخلف شاشات الكمبيوتر، نرسل لكم أخبارا عاجلة على هواتفكم، لن تكون مزعجة هذه الليلة، ولن نشغلكم بالسياسة، إنما ستكون لارشادكم ربما إلى الطرقات السالكة وسط زحمة الأعياد.


وطبعا لا يمكن أن ننسى ذاك الرجل باللباس الاحمر واللحية البيضاء، يحمل كيسا من الهدايا ويتنقّل بين المنازل، إنه "بابا نويل"، الذي تضجّ به الأسواق وأروقة المنازل، وسلالم المباني، بجرسه يعلمنا بقرب وصوله، يمضي ليلته وهو يوزّع الهدايا على الأطفال، فيراهم بقمة الفرح والحماس متى وجدوا في كيسه ما تمنّوه كتابة أو قولا، من دون أن يشارك أطفاله ما رآه في عيون أترابهم.


أما التحيّة الأكبر فهي ومن دون منازع، لشباب الصليب الأحمر، أولئك الذين يعلمون جيّدا معنى العيد، يتأهبون في هذه الليلة كما في كل أيام السنة لينقذوا أرواحنا، ليستجيبوا لنداءات الإغاثة كي لا نُحرم من أخ أو أمّ أو قريب او حبيب في ليلة ولادة السيد المسيح. من دون مقابل، يقدمّون عيدهم إلينا، يهدوننا فرحهم لأن العيد حبّ وحبّ وحبّ... فتحية لهم!


Viewing all articles
Browse latest Browse all 175029

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>