- أمين أبوراشد -
أمام مغارتك يا طفل السلام نسجد ونعترف، نحن المسيحيون المشرقيون، أحفاد الجراجمة والمردة ورهبان المغاور، أن الوطن الذي حفرنا الجبال لنبنيه، غدا وطن مغاورٍ وكهوف من نوعٍ آخر، وبتنا داخل الوطن نبحث عن وطن، دون أن نفقد الإيمان والرجاء والأمل بأننا بك لا بدَّ منتصرون، وعلى خطى بولس نحن سائرون في هذا الشرق، واعتدنا سلوك الجلجلة ليتمجَّد إسمك يا ملك المحبة ورسول السلام، ونُدرك أننا دفعنا عبر تاريخنا وسندفع، الأثمان الغالية من وجودنا وأرزاقنا وبيوتنا وكنائسنا وتاريخنا وحضارتنا لنبقى مسيحيين.
وآن الأوان أن نعترف بالغضب، والإنتهاء من إدارة "الأيسر" بعد كل صفعة ظالمة في هذا الشرق، طالما المسيحيية المشرقية أكثر من أي وقت، باتت ضمن لائحة أهداف أهل التكفير، ونؤكد على كلمة "ضمن"، لأن أخوة لنا في الله من المسلمين هم أيضاً ضمن اللائحة، وسط التساوي بالظلم قتلاً وتهجيراً وتنكيلاً وتكفيراً وتدميراً للأضرحة والمقامات الإسلامية، أسوة بالكنائس والأديرة ومراكز الإرساليات الحضارية المسيحية، على أيدي أبناء المدارس الشيطانية التي تُصَدِّر الى الشرق عصابات الجزّارين تحت ستار نُصرة الله والدين.
من أجل إسمك، إرتضى المسيحيون جلجلة العيش في مهد ديانتهم، ودفعوا في فلسطين ثمن الصراع الأبديّ السرمديّ، ودفعوا في مصر والعراق وسوريا ثمن صراع " الإسلاميين الجُدد" مع المسلمين، وملأوا المهاجر في ترحال يائس من بلدان لا تستحقهم، والسيف وصل الى رقاب بقاياهم في هذا الشرق، والى كنائسهم وأديرتهم ومدارسهم ومؤسساتهم الإجتماعية، التي تتقاسم نعمة الرحمة مع الأخ المُسلم الى أن طفح الكيل...، قادة مسلمون وأشباه قادةٍ مسيحيين هم شركاء أو شهود في أخطر عملية نحر وتنكيل وتهجير بحق الأقليات، ونحن منها، تُرتكب في العصر الحديث.
يهوذا يتناسل ويتكاثر من حولنا يا سيدي، وفي كل بيئة دينية أو سياسية أو إجتماعية، هناك يهوذيون لا تكفيهم الثلاثين من فضَّة، لأنهم غيلان مالٍ وسلطةٍ وعمالةٍ والشيطان يسكنهم، ونحن لا يسكننا سوى يسوع، ولن نرضى أن يكون مصيرنا مرتبطاً بمن هم بأسياد نعمتهم مرتبطون، وإذا كان يهوذا قد باع "مسيحاً" واحداً، فإن اليهوذيين الجدد يعرضون ملايين المسيحيين المشرقيين للبيع، ومعظم القادة الدينيين والدنيويين المسيحيين ليسوا على مستوى المرحلة، وبات صمتهم مريباً كما أهل الكهف.
نحن يا طفل المغارة مثلك، ساقنا الإضطهاد الى المغاور، ونرفض أن تكون النهاية على أيدي "أهل المغاور"، وإذا كنا أطلقنا أعظم شعلة حضارة فكرية وثقافية وإجتماعية في تاريخ الشرق، وإذا كنا عرفنا بطاركة دينيين قلائل على صورة بولس ومثاله، فإن بعض خلفائهم ليسوا بمستوى الأسلاف، والبطاركة المدنيون نادرون في تاريخنا، ومتى ظهر لنا "بولسٌ مشرقيّ" أو "بطريركٌ مدني" قامت قيامة اليهوذيين عليه، واليهوذيون المسيحيون في العداء لكرامة وجودنا وحقوقنا المسلوبة هم قبل سواهم من الديانات الأخرى.
لم تعُد الصلوات وحدها كافية يا طفل المغارة، خاصة أن أهل الصلاة هجروها الى السياسة، لا بل باتوا يتناولون السياسة قربان يومهم، وبدل أن تكون الأديار وأرزاقها الشاسعة ملجأ الشباب المسيحي وضمانة مادية ومعنوية لتأسيس المستقبل واستمرار مقومات الصمود، باتت كالقصور المهجورة حجراً بلا بشر، وأحياناً "مغاور" قراراتٍ لا تُراعي تاريخنا وكرامتنا.
"بولسٌ مدني" على امتداد لبنان وسائر المشرق مكلَّلٌ بالمجد، بات واجب الوجود يا ملك المجد، يُجيد التفاعل مع أخوة مسلمين باتوا شركاء في ضمانة الوجود، هم ارتضوا بنا أخوة ونحن ارتضينا، نواجه معاً بكرامة وعنفوان كل اليهوذيين من كبارهم الى صغارهم، سواء تجار الهيكل منهم أو ساكني الجحور من الزواحف على عتبات أكلة لحوم البشر والمال الحرام وحقوق الآخرين، ونطمئنك يا طفل المغارة أننا بك أقوياء، ووصايا الله نحن حافظون، وبشفاعتك ورعايتك على أرض بولس نحمل صليبنا وعلى هدايتك بكل ثقة سائرون...