رفعت البدوي*
إن إبراز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوثائق وايصالات تحويل الاموال للارهابيين عبر البنوك القطرية التركية معززة بصور عبر الاقمار الاصطناعية في قمة انطاليا G20 كشف بالدليل القاطع عن الدور التركي الداعم للارهاب وعن وتهريب الارهابيين عبر الحدود التركية السورية.
إضافة إلى أن تصريح بوتين من انطاليا الذي أكد فيه أن دولا تدعم الارهاب هي مشاركه بمؤتمر انطاليا، قادنا الى استنتاج ان بوتين كان يقصد تركيا ومن يتحالف معها وان ازمه حقيقيه بين تركيا وروسيا بطريقها لتطفو على السطح.
لم يكن احد من المراقبين ليتوقع ان تصل الامور بين البلدين الى الحد الذي يدفع تركيا الى اسقاط طائرة روسية من طراز سوخوي عمدا وهي تحلق بالاجواء السورية. الرد الروسي لم يتأخر فقد اعلن بوتين ان اسقاط الطائرة الروسية لن يمر دون محاسبة الفاعل وسيكون له عواقب وخيمة في مستقبل العلاقات بين البلدين.
رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي الكسندر بوشكوف كشف عن ان عملية اسقاط الطائرة الروسية جاء بناء على ضوء اخضر مباشر من واشنطن.
عندما يعلن الرئيس التركي رجب اردوغان أنه لم يكن يعلم ان هوية الطائرة التي اسقطت، ولو علم ان الطائرة روسية لكان تصرف بشكل مغاير لما حدث ويعرب عن حزنه الشديد لحادثة اسقاط الطائرة وتمنياته لو ان مثل هذا الامر لم يحصل، وعندما يصرح بان بوتين رفض الرد على محاولات متكررة للاتصال به للاجتماع من اجل ايجاد حل للازمة التي نشبت بين البلدين عقب حادثة اسقاط السوخوي فوق الاجواء السورية، عدا عن التصريحات اليومية لاردوغان التي يعلن فيها عن تبريره لحادثة اسقاط الطائرة الروسية، هذا يعني ان الجاني يتلو فعل الندامة على ارتكابه فعل الجرم.
اهتزت منظومة العلاقات الدولية بعد الحدث، ليس بين تركيا وروسيا فحسب انما بين الدول الداعمة للموقف التركي والمحور الذي يستند اليه اردوغان اي الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية وقطر وبعض الدول الاوروبية وبين روسيا.
في الثامن عشر من شهر ايلول/سبتمبر الماضي دُعِي اردوغان الى زيارة موسكو للمشاركة باحتفال افتتاح مسجد موسكو الكبير، انذاك عقدت محادثات جانبية بين بوتين واردوغان وفي المعلومات عن مضمون اجتماع القمة الذي ضم الرجلين في موسكو تفيد ان بوتين توجه الى ضيفه التركي قائلا أن استباحة الحدود التركيه مع سوريا من قبل الارهابيين وتسهيل مهمة المرور والتهريب والدعم العسكري انطلاقا من الاراضي التركية يشكل عائقا اساسيا امام عملية ضرب معاقل الارهاب في سوريا والعراق.
حينها طمأن الرئيس التركي بوتين طالبا بعض الوقت للانتهاء من خوض الانتخابات في تركيا واردف قائلاً لبوتين اذا كانت النتائج لصالحنا فانني اعدك بالعمل على ضبط الحدود مع سوريا وبالكشف عن مراكز الاعداد والتدريب والتمويل تمهيدا لاعلان الحرب على الارهاب.
من هنا نفهم المغزى من تصريح الرئيس الروسي عقب اسقاط الطائرة الروسية عندما قال ان ما تعرضت له روسيا هو طعنة بالظهر وهذا يعني ان بوتين يحتفظ في جعبته بالكثير مما يمكن البوح به ليس فيما خص تركيا فقط انما بما خص امريكا والسعودية وقطر وكل الدول التي دعمت وسهلت ومولت الارهاب وناهضت الدخول الروسي في سوريا.
بالتأكيد، فإن العلاقات بين روسيا وتركيا بعد اسقاط الطائرة لن تكون كما قبلها ومن المؤكد ايضا أن روسيا اصبحت مطلقة اليد سياسيا وعسكريا واقتصاديا خصوصا بعد ادخال روسيا منظومة الصواريخ الاكثر تطورا في العالم S400 وارسال الطرّاد الروسي (موسكو) الاكثر حداثه في مجال الرصد واطلاق الصواريخ ويحمل نظام صواريخ S300. هذا الامر افسح المجال لان تصبح روسيا صاحبة المبادرة واليد العليا وفي حل من كل التزاماتها على صعيد التنسيق العسكري والاقتصادي وان روسيا باتت في موقع اقوى وأكثر تحررًا من اي وقت مضى وان الاجواء في منطقة البحر الابيض المتوسط اصبحت تحت السيطرة الروسية وان القرار بات من الآن وصاعدا قرارا روسيا خصوصا لجهة تحسين الوضع الميداني فوق الجغرافيا السورية وان حلم اردوغان بانشاء المنطقة الآمنة من جرابلس السورية وحتى شواطئ البحر المتوسط صار مجرد حلم غير قابل للتنفيذ وان الجهة المتاخمة للحدود التركية مع سوريا صارت منطقه حظر روسية بامتياز.
من يفهم العقل الروسي يدرك ان روسيا لم تصد ابواب التسوية السياسية لكنها لن تسكت عن اي استفزاز تعرضت له في تاريخها.
سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا قال لقد تجاوزنا مرحلة الاعتذار من تركيا لان مجريات الامور باتت تتطلب ابعد من ذلك، الاعتذار بين الدول لا يصرف بالسياسة الا من باب اللياقات انما عندما يتعلق الامر بتحالفات ومحاور ومصالح الدول فاننا ندرك ان الاعتذار لم يعد كافيا حتى وان تم
روسيا وبعد كل ما تقدم لم تعد تنتظر الاعتذار من تركيا لانه لم يعد يفي بالغرض، فالمطلوب هو استدارة تركية لجهة التعاون مع روسيا كما فعل هولاند الفرنسي وميركل الالمانية عقب هجمات باريس الدامية بالاعلان عن تعاون فرنسي الماني مع روسيا لمحاربة الارهاب حتى ان رولان فابيوس وزير خارجية فرنسا اعلن عن عدم ممانعة فرنسا عن التعاون مع الجيش السوري لمحاربة الارهاب الدولي.
فهل سيفي اردوغان بالوعد الذي قطعه لبوتين اثناء افتتاح مسجد موسكو ويحذو حذو فرنسا والمانيا ويستدير ؟؟
دبلوماسي روسي قال ان اردوغان هو اشبه بثوب ليس بمقاس دولة بحجم تركيا ولدينا ما يكفي من الوسائل لنجعل ثوب تركيا يتناسب ومقاسها.
وبانتظار الاستدارة التركية يبقى سيف القيصر الروسي مرفوعا بوجه اردوغان وحلفائه اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا.
*مستشار وباحث في الشؤون الاقليمية