حكمت أمل أبو زيد -
لا بدّ لنا، ونحن نتابع التطورات السياسية الدرامية في الشرق الاوسط ، ونشهد نتائجها الكارثية في غير دولة من دوله، إلاّ أن نتذكر النظرية المدمرة التي أطلقها " المحافظون الجدد " في أميركا وعملوا على جعلها واقعا" يتخبط العالم في جحيمه تحت شعار " محاربة الأصولية الاسلامية" . أما خلاصة هذه النظرية فهي : إعادة رسم حدود الدول على أساس عرقي واثني ومذهبي في بعض الاماكن ، بهدف " تعميم الديموقراطية" ولو عبر " الفوضى الخلاقة" التي تبناها الاقطاعيون الجمهوريون إبّان حكم جورج بوش الابن .
من المرتكزات الاساسية لهذه " النظرية العدمية" لبعض صنّاع القرار الاميركي أن مبعث آلام هذه المنطقة هو الحدود التي رسمها اتفاق سايكس – بيكو لدولها، دون الاهتمام بالاعتبارات الإتنية والدينية ، وحتى المذهبية ، لسكانها ، الامر الذي ولّد عدم الاستقرار فيها وحال دون نجاح فكرة " العيش المشترك" الرضي والمتسامح الذي يحقق المبادىء التقدمية التي أطلقتها الثورة الفرنسية والهادفة الى تعميم الديموقراطية والحرية والانفتاح الحضاري .
ان وقفة قصيرة أمام نتائج حرب العراق التي شنها "المحافظون الجدد" واحداث ليبيا وسوريا والسودان واليمن التي هيأت لها وسائل التواصل الاجتماعي المعبأة بالفكر الاميركي ، هذا ، تقدم المثل الحي والدليل القاطع على "نجاح " فلسفة توليد" الدول الاتنية " من رحم " الربيع العربي" الذي ثبت أنه " شتاء دموي" بامتياز ، نشر الخراب والموت والدمار في المنطقة بدل أن يضعها على طريق الاستقرار والديموقراطية.
ان الديموقراطية التي لا تنبثق من رحم الحرية الواعية المعترفة بالآخر المختلف والمنفتحة عليه، تولد التخلف والجهل. والمثل ساطع الوضوح في مصر حيث تسلق "الاخوان المسلمون" سلم الديموقراطية الى قمة السلطة وحاولوا تدمير الحضارة المصرية العريقة ، فكرا" ، وثقافة ، وأسلوب عيش، ورميها في وهدة الجهل والتخلف لولا الاحتشاد التاريخي للمصريين في الشوارع ومناداتهم بسقوطهم وتبني الجيش لهذه المناداة.
يخطىء من يعتقد أن الديموقراطية تتحقق بقرار رسمي. إنها نتيجة مسار تعليمي وثقافي وفني ومعرفي متكامل ومتماهي مع حرية الفكر والنشر والابداع . ومن الاقوال الخالدة لفولتير قوله :" من يعطي الحرية لجاهل كمن يعطي بندقية لجاهل ". فالديموقراطية هي بنت الحرية . والحرية ضد الفوضى بل هي أفق فسيح للقول والنشر والتعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر المختلف. فالقول أن الفوضى يمكن أن تخلق حرية وديموقراطية هو قول كاذب ومضلل لا يؤدي العمل بمنطقه لغير ما تشهده المنطقة هذه الايام.