Quantcast
Channel: tayyar.org
Viewing all articles
Browse latest Browse all 170132

بالفيديو - رح نبقى هون: "نحن قصار وبعيون الأعادي كبار، أنتو خشب حور، ونحن للخشب منشار"

$
0
0


ساندي الشامي -

قد تكون بطولات الأمير فخر الدين لا تشبه إلا فروسية سموَّ الأمراء وشجاعتَهم على أرض الملاحم، وقد يكون دهاؤه الحذق مثالًا يُحتذى على مر الزمان، أما الجمال الأميري، وامتشاق القد المصوَّر في الأفلام، فلم يمُتَّا إلى فخر الدين بصلة قُربى.
كان أميرنا المعني حنطيَّ اللون، ولطيف الهامة، ومهابًا، ذا عطاء جليل، قويَّ العزيمة، وشديدَ الحزم، وحَسَن التدبير، يعطف على الغني ويحن على الفقير. إلا أنه مُني بعلّة في قصر قامته، إلى حدِّ تعييره بها، وإطلاق النُكات بأن إذا وقعت البيضة من جيبه، تلامس الأرض سليمةً لا كُسر فيها.
وفي حادث سجله التاريخ، كان فخر الدين ينافس أميرَ عكار، يوسف سيفا، الملقب بـ علي الدين، إلى أن ربطتهما علاقة مصاهرة، فتحسنت العلاقات بينهما الى حين.
غير أن رجال سيفا هاجموا دير القمر، معقل الأمير فخر الدين، في غيابه في أوروبا وخربوها، ووصل بهم الأمر إلى تعييره بقصر قامته، فقالوا:
نحن الطوال رماح مشهورين
نحن سْلاسل دهب بصدر علي الدين.
إلا أن رد الأمير فخر الدين جاء سريعًا:

نحن قصار وبعيون الأعادي كبار
أنتو خشب حور، ونحن للخشب منشار
وحق طيبا وزمزم والنبي المختار
ما بعمِّر الدير إلا من حجر عكار

وهكذا فعل، فهاجمهم في "حصن عكار" وهو القلعة التي استوطنها آل سيفا، وعمد إلى تدميرها. فاصطف رجاله على طول الطريق الممتدة من عكار إلى دير القمر، لينقلوا حجارتها إلى منطقته.
تُسجّل للأمير فخر الدين معرفتُه معرفةً تامة لأسماء أفراد حاشيته وصفاتهم، وكان يلجأ إلى تعيين الرجل الصالح في المنصب المناسب، مفيدًا من كل صاحب اختصاص، وعامدًا إلى تكوين جيش رادع. إلى ذلك، اهتمّ بالعمار والزراعة والتجارة على أنواعها، فأشار الخبراء التوسكانيون، في تقرير، إلى أن تصدير الأمير السنوي للحرير يُقدَّر بثمانين ألف قرشٍ ذهبي، ومنها هدايا إلى الغراندوقة الأم الوصية على العرش في توسكانا التي صرخت لدى رؤيتها الحرائر بأن لم ترَ عيناها أجود وأروع منها. ويُشهد للأمير أيضًا تحسينُ نسل الحيوانات من بقر وكلاب وخيول، وباهتمامه بتنسيق غابة الصنوبر في بيروت، وبتأسيس صناعة الزجاج النقي من الرماد الذي اشتُهر بتصديره، وما توقفت التجارة به إلا عند اكتشاف الإيطاليين أن الصيداويين يرسلون البضاعة مزغولةً إليهم بغية الرِّبح الوافر.

كان للأمير باع طويل في السياسة والنساء على السواء، فاتخذ لنفسه أربعًا على سُنة الله. ويُقال إن كلًا من زوجاته كانت منتميةً إلى مذهب معين، اختارهن عن قصد، من أجل الوحدة الوطنية.
حنكة المؤمن بالوحدة الوطنية، وما أحوجنا إلى عدد من أمثاله اليوم، حالت دون معرفة انتمائه الطائفي فالتبست ديانته على جميع المؤرخين، مع ادعاء كل طائفة أنه من أبنائها، إذ كانت كل منها تلقى معاملةً حسنة من جانبه، فبنى للمسلمين الجوامع وكان يشاركهم الصوم في رمضان، وأطلق لليهود الحرية لحاخاميهم لممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، ولتُجّارهم بالعمل في الأراضي والمناطق الواقعة في إمارته، واتخذ من حذّاقِهم كتبةً وحسَبة. كذلك أحسن مثوى المسيحيين المظلومين فاعتزوا في أيامه، وركبوا الخيل، ولبسوا السراويل الواسعة والزنانير المزركشة، وسَمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية جهارًا وبقرع النواقيس، بينما كان كل ذلك محرمًا عليهم من قبل.
وجاء في وصف المؤرخ سانديس الذي التقاه أن قامة فخر الدين كانت نحيفة لكنه مليء بالشجاعة والثبات. وكان كالثعلب مراوغًا، داهية. ولكن من دون أي جنوح إلى سفك الدماء بعنف".
وجاء في وصف الشيخ أحمد الخالدي الصفدي كاتبِ سيرة الأمير: "كان فخر الدين المعني، سليم الصدر، صافي السريرة، متواضعًا، بشوشًا. وهو في حلبة الطِّعان عبوس، هيوش. حليم عند الغضب، ما سُمعت عنه الكلمة الفاحشة قط. يصغي إلى المظلوم فينصفه من ظالمه ويَرثي لحاله، فيكون له خيرَ راحم".
رحمه الله.

 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 170132

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>