ابراهيم الأمين-
في حالة سوريا اليوم، لا تصح مقولة الميدان الخادم للمفاوضات. في حالة سوريا اليوم، الجميع في قلب المواجهة. عندما قررت روسيا التدخل مباشرة، بالتزامن مع رفع مستوى المساهمة العسكرية الايرانية، لم تكن الوجهة حماية الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الاسد فقط، بل مساعدة هذه الدولة على مواجهة الحالة الارهابية، والسعي الى القضاء عليها. وهو شعار يقود الى نتيجة مختلفة عما يريده الطرف الآخر من مفاوضات الحل السياسي.
ما فعلته روسيا، منذ بدء غاراتها الجوية، أسدل الستارة على مسرحية الغرب، ومعه الاتراك ودول خليجية، بأن هناك معارضة مسلحة معتدلة وأخرى مسلحة متطرفة. وما نجحت روسيا في تحقيقه، ليس كشف هزال العمليات العسكرية الدولية ضد «داعش»، بل تورط هذا التحالف في دعم الوجه الآخر لـ«داعش» المتمثل في «جبهة النصرة» وبقية قوى المعارضة الخاضعة لإدارة التحالف التركي ــ السعودي ــ القطري.
* سوريا مقبلة ، بأسرع ممّا توقع كثيرون، على مرحلة خطيرة من المواجهات الاقليمية والدولية على أراضيها.
لكن ما يثير حفيظة أعداء سوريا هو أن التدخل الروسي لم يكن سطحياً وعاماً فقط، بل كان جزءاً من برنامج يهدف الى استعادة السيطرة على كامل الاراضي السورية الواقعة تحت سيطرة المسلحين. وهذا يعني، ببساطة، إنهاء الوجود غير المباشر لتركيا وقطر والسعودية في قسم من الاراضي السورية، وإنهاء «داعش» بما تمثله في الجانب الآخر. وهذا سيقود حتماً الى هزيمة المشروع الآخر. وبعدها، سيكون لأي حل سياسي لونه المختلف عمّا يريده أعداء سوريا.
في ردود فعل تركيا والولايات المتحدة على عملية إسقاط تركيا الطائرة العسكرية الروسية أمس، كان اللافت أمرين:
الاول، قول الرئيس الاميركي إنه لو ركزت روسيا ضرباتها على «داعش» وتركت «المعارضة المعتدلة» لما وصلنا الى هنا.
الثاني، قول الرئيس التركي إن روسيا موجودة لحماية الاسد وهي تقوم بحرب عسكرية ضد التركمان في سوريا.
ما قاله باراك أوباما هو، فعلياً، أن الغرب ليس موافقاً على استراتيجية روسيا في سوريا، وأنه يزداد انزعاجاً من عمق التحالف الروسي ــ الايراني في سوريا. وبينما أظهرت أحداث الشهرين الماضيين أن الغرب كان ينتظر تجاوباً روسياً مع طلباته، فإنه وصل الى خلاصة جعلته يوفر التغطية، وربما التشجيع، للجانب التركي على خوض هذه المغامرة.
أما ما قاله رجب طيب أردوغان، فهو التعبير الواضح عن رفض تركيا ترك الميدان السوري، متأثرة بتطورات ميدانية ليست في مصلحة حلفائها. وهو، وإن تذرع بتعرّض التركمان لعمليات عسكرية، إلا أنه كان شديد الوضوح بأن بلاده تريد من الروس الابتعاد عن المناطق الغربية لسوريا. فعلياً، يدعو أردوغان روسيا الى ترك هذه المناطق تحت إشرافه، وكأنه يقول: هذه حصتي من سوريا.
عملياً، ردّت تركيا أمس، بغطاء غربي أساسه أميركي، على مقولة إن التدخل الروسي سيرسم خطاً أحمر حول عمليات الخارج في سوريا. ومقابل الحديث عن رفض روسي لأي خطوط حمراء تركية، فإن تركيا (بدعم من الغرب وتشجيعه) تقول إنه لا وجود لخط أحمر روسي، ولو كانت الكلفة حصول مواجهة. لأن من اتخذ قرار إسقاط الطائرة الروسية، يفترض به أن يكون قد وضع احتمال الرد بطريقة تقود الى مواجهة، وربما الى أكثر من ذلك.
يعني ذلك أن سوريا التي استقبلت التدخل العسكري الروسي بروحية الباحث عن داعم لإنهاء الحرب، عليها أن تستقبل تدخلاً غربياً (باسم تركي) باحثاً عن سبل لرفع مستوى العنف، ما يقود عملياً الى منع توقف الحرب، والى تدمير سوريا. وهذا ما يسهل علينا توقع ردّ فعل روسيا وحلفائها.
بالتأكيد، ليس معلوماً إمكانية قيام روسيا برد مباشر على الجيش التركي. وربما يخرج من يعرض من الاسباب ما يكفي لاستبعاد احتمال من هذا النوع. كذلك، ليس معلوماً ما إذا كانت الحادثة ستُكرر قريباً أو بعد فترة، وبالتالي، ليس معلوماً حجم الصبر ومستواه من الجانب الروسي.
لكن المعلوم أن روسيا تقرأ الحادث بواقعية:
العملية التركية تحظى بدعم الغرب، وهدفها إفشال خطة هجوم الجيش السوري وحلفائه لاستعادة السيطرة على مناطق كثيرة في شمالي سوريا ووسطها. والرد عليها يكون، أولاً، من خلال منعها من تحقيق هدفها، من خلال الإصرار على خوض جولة قد تكون في غاية العنف لتحقيق السيطرة السورية على كل المنطقة الحدودية الشمالية الغربية مع تركيا، وطرد المجموعات الارهابية الموالية لتركيا من هناك، بما في ذلك الألوية التركمانية. وهو أمر سيترافق مع تعزيز موقع الأكراد المقاتلين على الجزء الشمالي من الحدود مع تركيا، وقسم من العراق. وهذا هو الرد الأنجع.
سوريا تُقبل، بأسرع ممّا توقع كثيرون، على مرحلة خطيرة من المواجهات الاقليمية والدولية على أراضيها. وكل كلام عن تسوية سياسية مجرد مضيعة للوقت.