بالنسبة إلى بعض الناس، قد يبدو الإرهابي عبد الحميد أباعود، الذي يعتقد أنه العقل المدبر لهجمات باريس الدامية التي أودت بحياة 129 شخصا، وقتل بعد أيام قليلة في عملية دهم بضاحية سان دوني شمالي باريس، شخصا متدنيا، ولكن لمن يعرفونه، فإنه بالتأكيد كان أبعد ما يكون عن الالتزام بتعاليم الدين الحنيف.
ليس أباعود وحده في ذلك، إذ إن الشقيقين إبراهيم وصلاح عبد السلام، لم يكونا أفضل حالا، بحسب ما ذكرت السلطات البلجيكية.
ويبدو أن تنظيم داعش يسعى إلى استقطاب وتجنيد أشخاص من أوروبا غارقين في وحل الجريمة والمخدرات، ومنحهم "شهرة" و"سلطة وقوة" من خلال العنف والإرهاب.
لا يعرف طريقا إلى المسجد
فقد كشفت تقرير أن أباعود، الذي قتل الأربعاء وتأكد مقتله بعد تحليل الحمض النووي، قبل انضمامه إلى داعش في سوريا، لم يدخل المسجد قط وأنه لم تكن لديه نوازع دينية، كما أنه كان سكيرا ويتعاطى الخمور والمخدرات، بحسب شهادات من أسرته ومن شهود عيان.
ففي تصريح لشقيقته الكبرى ياسمينة، أدلت به لصحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من العام الجاري، قالت إن شقيقها عبد الحميد "لم يدخل مسجدا على الإطلاق".
ويبدو أن محركه ودافعه الرئيسي كان للالتحاق بداعش هو "العطش للقوة والعنف وانعدام المسؤولية".
وأباعود، وهو في أواخر العشرينات من عمره، ولد في بلجيكا ونشأ في ضاحية مولنبيك في بروكسيل، التي أصبحت محط مراقبة السلطات الأمنية البلجيكية مؤخرا.
والتحق أباعود لفترة وجيزة بالمدرسة الكاثوليكية قبل أن يترك الدراسة أو يطرد منها ويتحول إلى حياة الإجرام والسرقة والمخدرات.
ووفقا لأسرته، أظهر عبد الحميد اهتماما أكبر بالسرقات الصغيرة، لكنها أصيبت بالصدمة عندما اصطحب شقيقه الأصغر يونس، البالغ من العمر 13 عاما، إلى سوريا في يناير 2014.
وبعد تحوله إلى التشدد والتطرف في سوريا، أصبح أباعود قادرا على العودة إلى أوروبا عبر العاصمة اليونانية أثينا.
وتمكنت أجهزة الأمن الأوروبية من "تحديده" بل وأوقفته الشرطة لفترة قبل أن تطلق سراحه، ويختفي بعدها عن الأنظار.
وفي فبراير، ظهرت مقابلة معه في المجلة الخاصة بتنظيم داعش "دابق"، وبعدها ساد اعتقاد بأنه موجود في سوريا، وزعم في المقابلة أنه سافر إلى بلجيكا "لإرهاب الصليبيين الذين يشنون حروبا على المسلمين"، وزعم أن ضباط الشرطة الذي أوقفه لم يتمكن من التعرف عليه حتى بعد أن تصدرت صوره وسائل الإعلام.
كذلك تبجح أباعود بأنه كان قادرا على التنقل "بسلام" من وإلى سوريا في أي وقت يشاء، وقال "كنت قادرا على مغادرة الشام والعودة إليها رغم أنني مطارد من قبل العديد من أجهزة الاستخبارات".
ويعتقد أن لأباعود علاقة بأربع هجمات على الأقل أحبطتها السلطات في فرنسا منذ أبريل الماضي، ومنها الهجوم في قطار تاليس في أغسطس الماضي، وكان يعتقد أنه خطط للهجوم من سوريا، لكن بعد التطورات الأخيرة يبدو أن هذا الاعتقاد قد نحي جانبا.
أباعود.. كحول وحشيشة بعد المجزرة
وفي تقرير خاص من سكاي نيوز البريطانية، قالت شاهدة العيان أمل الله إنها شاهدت أباعود في اليوم التالي لهجمات باريس الدامية مع مجموعة من الأفراد خارج المبنى الذي داهمته السلطات الفرنسية الأربعاء حيث قتل.
وقالت أمل، وهي وكيلة عقارات "رأيته وكان يرتدي ملابس إسلامية، حيث كان ينزل من المبنى مع عدد من الأشخاص.. ربما 8 أو 10 أشخاص".
وأضافت أنها ألقت التحية عليهم، مشيرة إلى أنهم كانوا يجلسون هناك يوميا، لكنها تمكنت من التعرف عليه بسبب ملابسه الإسلامية بالإضافة إلى تلك القبعة.. أما البقية فكانوا يرتدون ملابس عادية".
وقالت إنها متأكدة "بنسبة 99 في المائة من أنه أباعود"، واضافت موضحة أنهم كانوا في الشارع معظم الوقت وكانوا يتعاطون المشروبات الكحولية والحشيشة.
صلاح وعالم الجريمة
ويبدو أن تنظم داعش يسعى وراء تلك النوعية من الأشخاص في دول أوروبا، ذلك أن صلاح عبد السلام وشقيقه إبراهيم، الذي فجر نفسه قرب ستاد دو فرانس أثناء الهجمات الدامية، لم يكونا "متطرفين دينيا"، بل لهما صلات بعالم الجريمة والمخدرات والسرقة.
وقال المتحدث باسم النيابة البلجيكية فان دير سيت، بعد الهجمات "كنا نعلم أنه تم إقناعهما بالفكر المتطرف وأنهما قد يتوجهان إلى سوريا، لكنهما لم يظهرا أي علامات على طرح تهديد محتمل. حتى وإن أبلغنا فرنسا بالأمر أشك في أنه كان سيتم توقيفهما"، مضيفا أنه لم تتم ملاحقة إبراهيم بعد عودته من تركيا "لعدم امتلاك أدلة على مشاركته في أنشطة إرهابية".
أما صلاح، فغالبية التقارير بشأنه تشير إلى أنه كان معروفا لدى العديد من السلطات في عدد من دول أوروبا بارتكابه أعمال سرقة وتهريب المخدرات، بالإضافة إلى قضية سطو مسلح مع البلجيكي عبد الحميد أبا عود، الذي يعتقد أنه المخطط الرئيسي لهجمات باريس، التي أودت بحياة 129 شخصا.
وفي العاصمة الهولندية أمستردام، قالت الشرطة الهولندية الأربعاء إنها اعتقلت صلاح عبد السلام في فبراير أثناء عملية تفتيش روتينية بتهمة حيازة مخدرات.
وذكرت تقارير أن اسمه ورد كذلك عند حاجز تفتيش غربي النمسا في سبتمبر الماضي بعد أن عبر الحدود قادما من ألمانيا.